أخي العزيز محمد كل عام والجميع بخير بمناسبة شهر رمضان .وآسف على التأخر في الرد .والشكر للاخ العزيز ابو عمرو وكذلك استاذنا ابو ماجد ومرورهم العطر .
أخي دعني أبدا من حيث انتهيت :
أشكرك على حسن ظنك ولكن أرى انك وضعتني في مكان غير مكاني فانا طالب علم كنت ومازلت .
كان اجتهادك أخي موفق والتعريف والفوارق بين البادية والحاضرة واستحضارك للدليل من واقع حياتنا .صحيح قد يقال اننا خرجنا عن اصل الموضوع واقول لا اظن في هذا خلل بل هو ضرورة واستزادة لتهيئة الطرح واستحلاباً للفائدة.
أخي :وجدت من الهام ان نستند على حجة في تعريفنا للبادية والحاضرة وخير من تطرق لهذا من وجهة نظري هو العلامة ابن خلدون وقد اجتهدت في اخذ ماقد نحتاج له :
يقول العلامة: عبدُ الرحمن بنُ محمد بن خلدون الْحَضْرَميُ

في العمران البشري علي الجملة وفيه مقدمات
الأولى: في أن الاجتماع الإنساني ضروري. ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: "الإنسان مدني بالطبع "، أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم وهو معنى العمران. وبيانه أن الله سبحانه خلق الإنسان وركبه على صورة لا يصح حياتها وبقاؤها إلا بالغذاء، وهداه إلى التماسه بفطرته، وبما ركب فيه من القدرة على تحصيله. إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء، غير موفية له بمادة حياته منه. ولو فرضنا منه اقل ما يمكن فرضه وهو قوت يوم من الحنطة مثلا، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ. وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد ونجار وفاخوري. هب أنه يأكله حبا من غير علاج، فهو أيضا يحتاج في تحصيله حبا إلى أعمال أخرى أكثر من هذه، من الزراعة والحصاد والدراس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل. ويحتاج كل واحد من هذه إلى آلات متعددة وصنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير. ويستحيل أن توفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد. فلا بد من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم، فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف.وما لم يكن هذا التعاون فلا يحصل له قوت ولا غذاء، ولا تتم حياته لما ركبه الله تعالى عليه من الحاجة إلى الغذاء في حياته ولا يحصل له أيضا دفاع عن نفسه لفقدان السلاح فيكون فريسة للحيوانات، ويعاجله الهلاك عن مدى حياته، ويبطل نوع البشر. وإذا كان التعاون حصل له القوت للغذاء والسلاح للمدافعة، وتمت حكمة الله في بقائه وحفظ نوعه. فإذن هذا الاجتماع ضروري للنوع الإنساني وإلا لم يكمل وجودهم وما أراده الله من اعتمار العالم بهم واستخلافه إياهم وهذا هو معنى العمران.
في أن أجيال البدو والحضر طبيعية
إعلم أن اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلتهم من المعاش؛فإن اجتماعهم إنما هو للتعاون على تحصيله والابتداء بما هو ضروري منه وبسيط قبل الحاجي والكمالي. فمنهم من يستعمل الفلح من الغراسة والزراعة؛ ومنهم من ينتحل القيام على الحيوان من الغنم والبقر والمعز والنحل والدود لنتاجها واستخراج فضلاتها. وهؤلاء القائمون على الفلح والحيوان تدعوهم الضرورة، ولا بد، إلى البدو لأنه متسع لما لا يتسع له الحواضر من المزارع والفدن والمسارح للحيوان وغير ذلك. فكان اختصاص هؤلاء بالبدو أمراً ضرورياً لهم؛ وكان حينئذ اجتماعهم وتعاونهم في حاجاتهم ومعاشهم وعمرانهم من القوت والكن والدفء إنما هو بالمقدار الذي يحفظ الحياة، ويحصل بلغة العيش من غير مزيد عليه للعجز عما وراء ذلك.ثم إذا اتسعت أحوال هؤلاء المنتحلين للمعاش وحصل لهم ما فوق الحاجة من الغنى والرفه، دعاهم ذلك إلى السكون والدعة، وتعاونوا في الزائد على الضرورة، واستكثروا من الأقوات والملابس، والتأنق فيها وتوسعة البيوت واختطاط المدن والأمصار للتحضر. ثم تزيد أحوال الرفه والدعة فتجيء عوائد الترف البالغة مبالغها في التأنق في علاج القوت واستجادة المطابخ وانتقاء الملابس الفاخرة في أنواعها من الحرير والديباج وغير ذلك، ومعالاة البيوت والصروح وإحكام وضعها في تنجيدها، والانتهاء في الصنائع في الخروج من القوة إلى الفعل إلى غاياتها، فيتخذون القصور والمنازل، ويجرون فيها المياه ويعالون في صرحها، ويبالغون في تنجيدها، ويختلقون في استجادة ما يتخذونه لمعاشهم من ملبوس أو فراش أو آنية أو ماعون. وهؤلاء هم الحضر، ومعناه الحاضرون، أهل الأمصار والبلدان. ومن هؤلاء من ينتحل في معاشه الصنائع ومنهم من ينتحل التجارة. وتكون مكاسبهم أنمى وأرفه من أهل البدو؛ لأن أحوالهم زائدة على الضروري ومعاشهم على نسبة وجدهم. فقد تبين أن أجيال البدو والحضر طبيعية لا بد منهما.
في أن البدو أقدم من الحضر وسابق عليه وأن البادية أصل العمران والأمصار مدد لهما
قد ذكرنا أن البدو هم المقتصرون على الضروري في أحوالهم، العاجزون عما فوقه، وأن الحضر المعتنون بحاجات الترف والكمال في أحوالهم وعوائدهم. ولا شك أن الضروري أقدم من الحاجي والكمالي وسابق عليه؛ لان الضروري أصل والكمالي فرع ناشئ عنه. فالبدو أصل للمدن والحضر وسابق عليهما لأن أول مطالب الإنسان الضروري، ولا ينتهي إلى الكمال والترف إلا إذا كان الضروري حاصلاً. فخشونة البداوة قبل رقة الحضارة. ولهذا نجد التمدن غاية للبدوي يجري إليها، وينتهي بسعيه إلى مقترحه منها. ومتى حصل على الرياش الذي يحصل له به أحوال الترف وعوائده عاج إلى الدعة، وأمكن نفسه إلى قياد المدينة. وهكذا شأن القبائل المتبدية كلهم. والحضري لا يتشوف إلى أحوال البادية إلا لضرورة تدعوه إليها أو لتقصير عن أحوال أهل مدينته.ومما يشهد لنا أن البدو أصل للحضر
ومتقدم عليه، أنا إذا فتشنا أهل مصر من الأمصار وجدنا أولية أكثرهم من أهل البدو الذين بناحية ذلك المصر وفي قراه، وانهم أيسروا فسكنوا المصر وعدلوا إلى الدعة والترف الذي في الحضر. وذلك يدل على أن أحوال الحضارة ناشئة عن أحوال البداوة وانها أصل لها، فتفهمه. ثم إن كل واحد من البدو والحضر متفاوت الأحوال من جنسه: فرب حي أعظم من حي، وقبيلة أعظم من قبيلة؛ ومصر أوسع من مصر، ومدينة أكثر عمراناً من مدينة. فقد تبين أن وجود البدو متقدم على وجود المدن والأمصار وأصل لها؛ بما أن وجود المدن والأمصار من عوائد الترف والدعة التي هي متأخرة عن عوائد الضرورة المعاشية.
انتهى كلام ابن خلدون ولنا ان نخرج في خلاصة هي :
الحضارة تعني العمران والعمران هو التطور فيما يخدم الإنسان .كذلك ان من الطبيعي هجر حياة البادية نحو المدن ولكن ليس من الطبيعي الاتجاه بالعكس .
إذا ما نعيشه اليوم حضارة او بداوة اعتقد ان الإجابة واضحة ودليلها المدن واتساع رقعتها.
ولكن هناك سؤال هل المباني المنتشرة في البادية والتي تنعم بالكهرباء ووجود المدارس يصح ان تدخل ضمن التطور المنشود والذي ذكره ابن خلدون ؟