بيان وحكم وعقوبة المستهزئين بالله وآياته ورسوله والمؤمنين
إن علماء الأمة رحمهم الله قد انعقد إجماعهم في الماضي والحاضر على أن الاستهزاء بالله وبدينه وبآياته ورسوله , كفر بواح يخرج صاحبه من الملة بالكلية ولكي يتضح الأمر نتأمل حال المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار نجد أنهم من أشد الناس هزءاً وسخرية بالله وآياته ورسوله والمؤمنين وذلك أمر مخرج لهم عن الدين بالكلية .
ومن أجل خطورة الاستهزاء فقد أبرز العلماء رحمهم الله في مباحث الكلام عن الردة من كتب الفقه الإسلامي ولا شك أن الردة أعظم كفراً من الكفر الأصلي كما هو معلوم عند أهل العلم .
وفيما يلي أقوال بعض العلماء في هذا الخصوص :
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فقد عقد باباً في كتابه القيم كتاب التوحيد عنونه بقوله باب من هزل بشيءٍ فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول فقد كفر فقد جعل الشيخ الاستهزاء ناقضاَ صريحاً من نواقض الإسلام فإنه حين عدد نواقض الإسلام العشرة ذكر أن الناقض السادس هو
الاستهزاء بشيء من دين الرسول أو ثوابه أو عقابه .
يقول ابن قدامة رحمه الله : " من سب الله تعالى كفر سواءُ أكان مازحاً أو جاداً وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو آياته أو رسله أو كتبه " .
يقول النووي رحمه الله : " والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن عمدٍ واستهزاءٍ الدين صريح
قال القرطبي رحمه الله عن القاضي أبي بكر بن العربي وهو يشرح موقف المستهزئين في غزوة تبوك قوله لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جَداً أو هزلاً وهو كيفما كان كفر فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة فإن التحقيق أخو العلم والحق والهزل أخو الباطل والجهل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : إن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد الإيمان
هذا وممن قال بكفر المستهزئ بالدين الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز , والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهم الله جميعاً . فقد اتفقت فتاواهم على أنه كافر خارج عن الملة . وهذه فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى
وفيها شيء من التفصيل قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى : " هذا العمل وهو الاستهزاء بالله أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو كتابه أو دينه ولو كان على سبيل المزاح ولو كان على سبيل إضحاك القوم كفر ونفاق وهو نفس الذي وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في الذين قالوا : ما رأينا مثل قراءنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء يعني الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء فنزلت وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لأنهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقولون , إنما كنا نتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق , فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم ما أمره الله به قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ
فجانب الربوبية والرسالة والوحي والدين جانب محترم لا يجوز لأحد أن يعبث به لا باستهزاء ولا باضحاك ولا بسخرية فإن فعل فإنه كافر لأنه يدل على استهانته بالله ورسله وكتبه وشرعه وعلى من فعل هذا أن يتوب إلى الله ويستغفر ويصلح عمله ويجعل في قلبه خشية الله وتعظيمه وخوفه محبته فليحذر الذين يسخرون من أهل الحق لكونهم من أهل الدين لأن الله سبحانه وتعالى يقول : إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
فهؤلاء المستهزأون فيهم نفاق لأن الله تعالى قال عن المنافقين الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلآ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
عقوبة المستهزأ بالله وآياته ورسوله والمؤمنين في الشريعة الإسلامية
أـ في الدنيا .
إن الاستهزاء بالله ورسوله ردة عن الإسلام وكفر بالله وبدينه فالاستهزاء بدين الله أو سب دين الله أو سب الله ورسوله أو الاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة ومن فعل ذلك من سب الله أو سب رسوله , يقتل كافراً , ولا يصلى عليه , ولا يدعى له بالرحمة , ويدفن في محل بعيد عن مقابر المسلمين .
ب ـ في الآخرة .
إن عقوبة المستهزئين بالله وبرسوله وبالمؤمنين في الآخرة وخيمة , والآيات العظيمة التي وردت في كتاب الله التي ذكر فيها عقوبة المستهزئين وعقاب الله الأليم المحيط بهم , أمراً عظيماً تنفطر منه القلوب , وتنخلع لهوله الأفئدة .
خزي في الدنيا وعذاب في الآخرة , هلاك ودمار في العجالة , وعذاب مقيم في الآخرة . ومما ذكره الله تعالى من عقاب المستهزئين يوم القيامة . قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِي * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ
فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون
إن الاستهزاء والسخرية بالمؤمنين والمؤمنات من أشد أنواع الأذى , ولهذا توعد الله من يؤذي المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا , فقال إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا .
المفضلات