وهذه قراءةسريعة وتعليق من
مراسل بي بي سي في أبو ظبي آنــذاك حيث قال :
وصف أحد أعضاء لجنة التحكيم الرواية بأنها صوت المهمشين
وكالعادة، بدأ الصحفيون الذين وصلوا إلى فندق روتانا بيتش في أبوظبي لحضور حفل إعلان
الفائز بالجائزة الدولية للرواية العربية المعروفة باسم "البوكرالعربية"، بدوأ التخمين في وقت مبكر،
وشهد اللوبي والمقهى المجاور له تساؤلات حول من سيكون صاحب الحظ هذه المرة.

هناك كاتبان من مصر بين المرشحين، فهل تفوز مصر للمرة الثالثة على التوالي؟
وهناك امرأة الى جانب خمسة رجال، فهل ستمنح اللجنة الجائزة للمرأة الوحيدة المرشحة؟
وكذلك هناك كاتب سعودي للمرةالأولى، فهل ستكون هذه فرصة للاحتفاء بأدب الخليج؟

كان رئيس لجنة التحكيم الكاتب الكويتي طالب الرفاعي قد قطع الطريق على تساؤلات كهذه
في بيروت في شهر ديسمبر/كانون أول الماضي، عندإعلان أسماء المرشحين.
قال إن الاعتبار الوحيد الذي يحدد هوية الفائز هو جودةعمله الادبي، لاجنسه ولا جنسيته.

ولكن حين تتنافس ستة أعمال معظمها متقاربة في المستوى الفني، كيف تستطيع اللجنة اتخاذ قرارها؟

تبدا الجلسة الختامية بنقاش حول الأعمال المرشحة،
وما لا يتمكن النقاش من حسمه يحسم بالتصويت في النهاية.

وفي النهاية اختارت اللجنة رواية الكاتب السعودي عبده خال "ترمي بشرر".

المجازوالواقع وصوت المهمشين

الرواية عبارة عن لوحة سوداوية بالغة القتامة، تكاد تخلو حتى من مساحات رمادية أو ظلال ألوان أخرى.

على امتداد مئات الصفحات،نتابع اعترافات شخص يعمل في أحد القصور الغامضة في مدينة جدة،
يسدي خدمات مننوعة خاص لمالك القصر: هو ببساطة يقوم بتأديب أعداء رجل الأعمال المفرط في الثراء
من خلال اغتصابهم جنسيا، بينما تقوم طواقم تصوير بتصوير العملية كاملة.

لا تبوح الرواية بالكثير عن طبيعة العداوة بين مالك القصر وأولئك الأشخاص الذي يشهد ليل القصر
والحي البائس الذي أقيم في وسطه صرخات استغاثتهم، ولكن القارئ يستنتج أنهم ربما منافسون للمالك
في عالم الأعمال التجارية.

القصر هو هنا مسرح لمشاهدالتحلل الإنساني والفساد والشر. ساكنوه ومرتادوه إما رجال أعمال فاسدون
أومومسات أو أشخاص مشوهون يقومون بأعمال تتطلب شخصيات تكون نفسياتها مخزنا للقاذورات،
كما يقول المؤلف عبده خال.

بشاعة المشهد الذي تصوره الرواية جعلني أخمن إنه ربما مشهد مجازي للتعبير عن مقولة فلسفية،
ولكن الكاتب سارع لنفي ذلك، فقد قال إنه لا يؤمن بإقحام المجاز والرمز على العمل الروائي دون أن
يكون لذلك اساس واقعي. إذن فعبده خال يصور لنا واقعا يشبه الخيال في بشاعته،
ويشبه الكابوس في أجوائه المرعبة.

هذه الرواية كغيرها من روايات الكاتب ممنوعة في المملكة العربية السعودية

كان ردعبده خال على سؤال حول تأثير فوزه بالجائزة على كتاباته اللاحقة يفتقر للحماس.

قال إنه يخشى أن تفرض الأضواء واتساع رقعة قرائه عليه مسارا مختلفا عن الذي انتهجه حتى الآن،
حين كان يتحرك بحرية تامة في فضاءات الإبداع.

هذه الرواية هي صوت للمهمشين، كما أكد أحدأعضاء لجنة التحكيم المستشرق الفرنسي فريدريك ليجرانج، فشخصيات الرواية كما يقول ويؤيده المؤلف،نادرا ما تكون في دائرة الضوء: هي شخصيات بائسة، مشوهة،
شبه معدمة، تقدم لك نمطا مغايرا تماما للمتوقع في مجتمع ارتبط اسمه بالثراء والروحا لمحافظة.

ترفع الرواية السجاد الفاخر لترينا ما كنس تحته من قاذورات لم تستطع أن تخفيها ديكورات القصرالبديعة
ولا تمكنت عطوره النفاذة من تغييب رائحتها القذرة.

هذه الرواية أخذت على عاتقها إضاءة البقاع المظلمة في داخل شخصياتها، وفضح المستور ومواجهة القارئ
بحقيقة مؤلمة، يلخصها الكاتب بمقولة فلسفية تعميمية مفادها أن النفس البشرية ليست سوى مخزن قاذورات.

يصرالكاتب على هذا التعميم من خلال استبعاد أي ملامح مشرقة في شخصياته،
وحتى تلك الشخصيات المشرقة التي مرت سريعاعبر المشهد كأنها اطياف،
اختار لهاالكاتب الرحيل المبكر عن المشهد وعن الدنيا على حد سواء،
فهل خاف عبده خال أن تفسد الملامح المضيئة لتلك الشخصيات أجواء البشاعة والظلام التي كرستها الرواية؟
ومن المعلوم أن الرواية كانت ضمن المعروضات في المعرض الدولي للكتاب بالرياض قبل عدة أشهر .