السلام عليكم ،
رد سريع لأخي أبو رامي : إيش حكاية الولاء !! ترى الموضوع ليس ملحمة عسكرية بل بيت الجنادرية . وإيش حكاية صبراً آل رحيلة !! تراك خربطت بينهم وبين آل ياسر ، ولكن ان شاء الله كلهم في الجنة . هاهاها .
نكمل حديثنا عن بيت المدينة :
بعد أن أختار كل شخص مكانه في غرف البركس ووضع أغراضه ، وصل العشاء .. فأتعشينا كالوحوش من شدة البرد . وبعد الانتهاء أحضر أحد المعلمين شيشته .. وقام آخر بإشعال فحم للتدفئة في وسط البركس .. وأخذ كل واحد من المعلمين عدة بطانيات تدثر بها وتحلقوا جميعهم يتبادلون الأحاديث والنكات . اختنقت أنا من ثاني أكسيد الكربون بسبب احتراق الفحم وقلت لهم سيؤذيكم هذا الفحم فلا تناموا وهو مشتعل . وذهبنا أنا والمهندس حازم لغرفة أخرى للنوم .. ولكن كيف يأتي النوم في ذلك الزمهرير .
أصبحت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ولم استطع النوم ، فقمت أنظر للغرفة الأخرى للاطمئنان بأنهم أطفئوا الفحم المشتعل ، فوجدتهم يشخرون والفحم مطفأ والشيشة كذلك ، فعدت لمكاني لمحاولة النوم . وبعد غفوة لمدة ساعة .. فتحت عيني متألماً من شعوري بأنني نائم على قالب ثلج .. وأطرافي متجمدة لاتتحرك .. وقلبي يكاد يتوقف عن الخفقان ، ماهذا !! نحن في المدينة المنورة متعودين على البرد القارس ، وأنا سافرت كثيراً لمدن أوربية في الشتاء والثلوج .. ولم يحدث لي قط أن شعرت بمثل هذا البرد . قاتل الله برد صحراء الجنادرية .. ليس مثل أي برد . ماذا أفعل ؟ جاهدت نفسي لتحريك أطرافي وقمت وأنا ملتفاً بثلاثة بطاطين وأخذت مفتاح السيارة التي استأجرتها من المطار وخرجت إليها وأدرت المدفأة وجلست منتظراً الدفء .. ولكنه عشم إبليس في الجنة ، فحتى المدفأة لايخرج منها هواء حار . فرجعت للبركس محاولاً استخدام ماء السخان في دورة المياه لتدفئة أطرافي ، ولكن لم يكن هناك سخان .. بل أن الماء أصلاً لايخرج من الصنبور .. فقد تجمد في الخزان المعدني الملحق بالبركس . ماهذا العذاب !! عدت لفراشي وجلست متكوماً على نفسي حتى آذان الفجر .
بدأ المعلمون يستيقظون واحداً تلو الآخر لصلاة الفجر ، فخرجت إليهم وعيناي محمرتان متورمتان من عدم النوم وسياط البرد ، ولم أنتظر حتى يفيقوا من نعاسهم .. وهاجمتهم بسؤالي .. كيف استطعتم النوم في هذا الصقيع ؟ فرد علي أحدهم .. نحن أهل السمن البري والعسل وأجسادنا ألفت الشقاء . فقلت لهم .. والله إنه لفراق بيني وبينكم .. ولن أبيت هنا مرةً أخرى .. ومن أراد أن يأتي معي للفندق فأهلاً به .. ومن أراد البقاء فالله يعينه . فلمحت على طرف شفاه أحدهم ابتسامة ساخرة .. فهمت معناها فوراً !! لايهم .. فليظنوا ماشاءوا ، ولكن ياروح مابعدك روح . فقلت لهم .. سأذهب للفندق لأنام عدة ساعات وسأبعث لكم بسيارة وسائق وإفطار وبإمكانكم التجول والتعرف على الجنادرية لحين وصول شاحنات الأحجار واللوازم من المدينة مع عمر جراح . وفور وصولي للفندق قمت بعدة اتصالات لترتيب أمورهم ووضعت رأسي على المخدة حتى العصر . والله لايعودها من ليلة .
حديثي هذا .. عما مررت به في تلك الليلة الشنيعة .. ليس إلا بهدف التوضيح بأن ذلك البرد القاتل الذي عانيت أنا منه .. وفررت منه مثل الغزال .. ، تحملوه أولئك الرجال طيلة أربعين يوماً لحين اكتمال البيت . كيف .. لا أدري !!
( وإلى المرة القادمة .. )