الرابعة


والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب‏*‏
الذين يحسبون أنهم علي شئ من الأعمال والاعتقادات‏,‏ وليسوا في نفس الأمر علي شئ فمثلهم في ذلك كالسراب الذي يري في القيعان من الأرض من بعد كأنه بحر طام‏;‏ والقيعة جمع قاع كجار وجيرة‏,‏
وهي الأرض المستوية المتسعة المنبسطة وفيه يكون السراب‏,‏
يري كأنه ماء بين السماء والأرض‏,‏ فإذا رأي السراب من هو محتاج إلي الماء يحسبه ماء قصده
ليشرب منه‏,‏ فلما انتهي إليه‏(‏ لم يجده شيئا‏),‏
فكذلك الكافر‏,‏ يحسب أنه قد عمل عملا وأنه قد حصل شيئا‏,‏ فإذا وافي الله يوم القيامة وحاسبه عليها ونوقش علي أفعاله لم يجد له شيئا بالكلية‏,‏
كما قال‏:(‏ وقدمنا إلي ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا‏),‏ وقال ههنا‏:
(‏ ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب‏,)‏
وفي الصحيحين‏:‏ أنه يقال يوم القيامة لليهود ما كنتم تعبدون؟ فيقولون‏:‏ كنا نعبد عزير ابن الله‏,‏
فيقال‏:‏ كذبتم ما اتخذ الله من ولد ماذا تبغون؟
فيقولون‏:‏ يارب عطشنا فاسقنا‏,‏ فيقال‏:‏ ألا ترون؟ فتمثل لهم النار كأنها سراب يحطم بعضه بعضا
فينطلقون فيتهافتون فيها‏.‏ وهذا المثال مثال لذوي الجهل المركب‏.‏
فأما أصحاب الجهل البسيط‏,‏ وهم الأغشام المقلدون لأئمة الكفر الصم البكم الذين لا يعقلون

والله اعلم