قَالَ الْمُؤَلِفُ ابْنِ غُنَيْم الْمَرِوْاتِيّ :
قَالَ الرَّافِضِيّ الْخَبِيث جَعْفَرِ مُرْتَضَى الْعَامِلِيّ فِي كِتَابِهِ « الصّحِيح مِنْ سِيرَةُ النَّبِيِّ الْأَعْظَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي الرَّدّ عَلَى الْمُنْحَرِفِين » : فِي الطَبْعَة الْأُولَى ؛ سَنَةَ 1427هـ :
يَرْضَى اللَّهُ لِرِضَا جُهَيْنَةَ وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهَا !! ثَنَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَلَى جُهَيْنَةَ بِقَوْلِهِ: « جُهَيْنَةُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ؛ غَضِبُوا لِغَضَبِي وَرَضُوا لِرِضَائِي ؛ أَغْضَبُ لِغَضَبِهِمْ وَأَرْضَى لِرِضَاهُمْ ؛ مَنْ أَغْضَبَهُمْ فَقَدْ أَغْضَبَنِي؛ وَمَنْ أَغْضَبَنِي فَقَدْ أَغْضَبَ اللَّهَ » نَقُول أَنَّنَا لَا نَرْتَابُ فِي أَنَّ ذَلِكَ مَكْذُوبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ؛ وَذَلِكَ لِمّا يَلي :
أَوَّلاً: أَنَّ جُهَيْنَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عِكْرِمَة كَانَتْ مِنْ قَبَائِلُ النِّفَاقِ الَّتِي تَسْكُنُ بِالْقُرْبِ مِنْ المَدِينَةِ ؛ كَمَا قَالَ عِكْرِمَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ؛ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيم } قَالَ: هُمْ جُهَيْنَةَ ؛ وَمُزَيْنَةَ ؛ وَأَسْلَمَ ؛ وَغِفَار .
قَالَ الْجُهَنِيّ :
هَذِهِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ التّوْبَةَ وَسِيَاق الْآيَة جَاءَ فِي قَوْلهُ تَعَالَى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ؛ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم ؛ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ؛ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ؛ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ؛ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ؛ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
وَهِيَ تَرُدّ قَوْل مَنْ حَكَى مِنْ الْمُفَسِّرِينَ كَالْقُرْطُبِيِّ وَغَيرِه بِأَنَّ قَوْلُه { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ } الْمَقْصُود بِهَا : جُهَيْنَةَ ؛ وَلقَدْ أَبْعَدَ النُّجْعَةَ مَنْ قَالَ هَذَا الرَّأْيَ ؛ وَهُوَ إمَّا مُلْغِزٌ وَإِمَّا مُفَسّرًا الآْيِ عَلَى غَيْرِ مُرَادهَا ؛ وَقَدْ أَنْزَلَهَا عَلَى غَيْر مَوْضِعِهَا ؛ حَيْثُ أَنَّ الْمُرَاد بِهَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ : فَزَارَةُ ؛ وَغَطَفَانَ ؛ وَمُرّةَ ؛ وَكُلُّ هَذِهِ الْقَبَائِلَ مَسَاكِنَهَا مِنْ حَوْل الْمَدِينَةِ ؛ وَهُمْ مِنَ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ وَإِسْلَامِهِمْ مُتَأَخِّر ؛ وَقَد ارْتَدّوا جَمِيعَهُمْ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وَحَكَى الْوَاقِدِيّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَال: { وَمِمّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ لْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ } كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْعَرَبِ مِنْهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَقَوْمُهُ مَعَهُ يُرْضُونَ أَصْحَابَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُرُونَهُمْ أَنّهُمْ مَعَهُمْ وَيُرْضُونَ قَوْمَهُمْ
وَأَمّا جُهَيْنَةَ فَقَدْ ثَبَتَتْ وَأَقَامَتْ عَلَى إسْلَامِهَا ؛ وَلَم يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُرْتَدّينَ عَنْ دِينِهِ ؛ وَكَانَوا قَدْ أَسْلَمُوا طَوَاعِيَةً كُلُّهُمْ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي حَدِيثِ عَمْرُو بْنُ مُرّةَ الْجُهَنِيّ الْوَافِدُ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ فِي مَكّةَ وَذَلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ؛ فَأَسْلَمَ وَبَايَعَ النّبِيَّ فَبَعْثهُ رَسُولًا إلَى قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ لِلْإِسْلَامِ ؛ فَاسْتَجَابُوا لَهُ جَمِيعَهُمْ إِلّا رَجُلًا وَاحِداً أَبَى تَرَكَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ؛ فَدّعَاء عَلَيْهِ عَمْرِو فَعمِيَّ وَسَقَطَ فَاهُ ؛ وَلَمَّا جَاءَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُهَاجِراً إلَى الْمَدِينَةِ أَتَتْهُ جُهَيْنَةَ وَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنّصْرَةِ لَهُ ؛ وَلَمْ يَنْكُثْ بَيْعَته بَعْدَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ ؛ وَكَانُوا أَوّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْعَرَبِ قَاطِبَةً وَرَفَضَوا عِبَادَةِ الأَْوْثَانِ مَعَ قَبَائِل الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ .
وَجُهَيْنَةُ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُمْ دَاخِلُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } فَهُمْ أَوَّلُ الْعَالَمِينَ إسْلَامًا ؛ وَلَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ لِنُصْرَتهمْ لِهَذَا الدّينِ كَمَا فِي نَصِّ الْحَدِيثِ السَّابِقِ ؛ وَالْآيَة الْكَرِيمَةِ دَلِيلٌ قَوِيٍّ عَلَى صِحَّةِ مَعْنَى الحَدِيثِ ؛ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فهذه الآية قد نزلت في الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك ؛ وقد مر معنا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لجهينة بالبركة والسلامة وهو نازل بأرض جهينة بذي المروة وكان في طريقه لغزوة تبوك ؛ وقد جاءته جهينة واجتمعت إليه من كل سهل وجبل فدعاء لهم واقطعهم كما في الحديث السابق .
قَالَ الرَّافِضِيّ :
ثَانِياً: إِنَّ هَذَا الْحَدِيث يَدُلُّ عَلَى عِصْمَةِ جُهَيْنَةَ ؛ لِأَنَّ مَنْ يَغْضَبُ اللَّهُ وَرَسُوله لِغَضَبِهِمْ ؛ يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا مَعْصُومِينَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ ؛ لِأَنَّ مَنْ يَفْعَلُ الْمُنْكَر وَيَتْرُكُ الْمَعْرُوف ؛ لَا بُدَّ أَنْ يَنْهَاهُ الْآخَرُونَ عَنْ الْمُنْكَرِ ؛ وَأَنْ يَأْمُرُوهُ بِالْمَعْرُوفِ ؛ حَتَّى لَوْ غَضِبَ مِنْ ذَلِكَ ؛ وَمَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ فَلَا يَغْضَبُ اللَّهُ لِغَضَبِهِ ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّه سُبْحَانَهُ يَرْضَى بِفِعْلِ الْمُنْكَرِ وَتَرْك الْمَعْرُوفِ ؛ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا .
قَالَ الْجُهَنِيّ :
لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى عِصْمَةٌ لِجُهَيْنَةَ ؛ وَلَكِنَّ هَذَا شَأْنُ الْمُحَرِّفِينَ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ ؛ فَلَا عِصْمَة لِغَيْرِ الرُّسُلِ ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَغْضَبُ لأَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ ؛ وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ ؛ وَخَاصَّتِهِ الْمُصْطَفَيْنَ ؛ وَأَنْصَارِهِ الْمُجَاهَدِينَ ؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْته بِالْحَرْبِ . وَلاَ عِصْمَة لِأَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ بَعْدَ الرُّسُلِ ؛ وَلَكِنّ رِضَاً وَسَخَطَاً عَلَى عِبَادِهِ وَخَلْقِهِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ ؛ وَقَدْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنِ تَيْمِيَّة رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: عِبَادَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلِيَاءَهُ الْمُتَّقِينَ هَؤُلَاءِ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ؛ وَيُوَافِقُونَهُ فِيمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيَأْمُرُ بِهِ ؛ فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ؛ وَلَمَّا رَضُوا مَا يَرْضَى ؛ وَسَخِطُوا مَا يَسْخَطُ : كَانَ الْحَقُّ يَرْضَى لِرِضَاهُمْ وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِمْ .
قَالَ الرَّافِضِيّ :
ثَالِثًا: إنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: غَضِبُوا لِغَضَبِي ؛ أَنَّ جُهَيْنَةَ قَد غَضِبَتْ لِغَضَبِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَرَضُوا لِرضَاه ؛ وَهَذَا خَبَرٌ عَنْ أَمْرٌ قَدْ حَصَلَ ؛ فَالسُّؤَال هُوَ مَتَى غَضِبَتْ جُهَيْنَةَ لِغَضَبِهِ وَرَضِيَتْ لِرِضَاه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ؟؟
قَالَ الْجُهَنِيّ :
غَضِبَتْ جُهَيْنَةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ : يَوْم بَدْرٍ ؛ وَأُحُدٍ ؛ وَحُنَيْن ؛ وَتَبُوك ؛ وَيَوْمَ َالْأَحْزَاب ؛ وَعِندَ الْفَتْحِ ؛ وَفِي كُلّ الْمُغَازِي الَّتِي ابْتَلَى اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ وَحَسَمَ بِهَا بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ ؛ فَكَانَتْ رَايَاتِهُمْ خَفَّاقَة وَسَرَايَاهُمْ دهَاقَة ؛ فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ؛ وَقَدْ قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ : اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لاَ تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي ؛ فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ ؛ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ ؛ وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ أَذَانِي ؛ وَمَنْ أَذَانِي فَقَدْ أَذَى اللَّهَ ؛ وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ . وَقَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْمُحِبِّينَ الْمَحْبُوبِينَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } .
قَالَ الرَّافِضِيّ : وَفِي أَيَةِ قَضِيَّةٍ كَانَ ذَلِكَ ؟؟ وَمَا هِيَ وَقَائِعَ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ ؟؟
قَالَ الْجُهَنِيّ: سَبَبُ قَولِ هَذَا الْحَدِيث يُخْبِرُك بِهِ بِشْر بِنْ عِصْمَةَ الْمُزَنِيَّ حِينَ أَنْشَدَ :
وَلَكِنِّي سَمِعْت وَأَنْتَ مَيْتٌ ....... رَسُولَ اللَّهِ يَوْمَ لَوْى شُنَيْنَةْ
يَقُولَ الْقَوْمُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ ........ جُهَيْنَةُ يَوْم خَاصَمَهُ عُيَيْنَةْ
فَمَنْ هُوَ عُيَيْنَةْ الْمَذْكُورُ فِي الْأَبْيَاتِ السَّابِقَةِ وَالّذِي خَاصَمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟؟
وَالْجَوَابُ هُوَ : عُيَيْنَةَ بِن حِصْنٍِ الْفَزَارِيُّ ؛ سَيّدُ بَنِي فَزَارَةَ ؛ أَحَد الْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ ؛ وَخَبَرُ خِصَامه لِلنّبِيّ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ ؛ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ فِي السّلْسِلَةُ الصّحِيحَةِ ؛ وَأَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَقَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ؛ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بِن عَمْروٍ؛ حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بِن عُبَيْدٍ؛ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِن عَائِذٍ الْأَزْدِيِّ؛ عَنْ عَمْرِو بِن عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ يَوْماً خَيْلًا وَعِنْدَهُ عُيَيْنَةُ بِن حِصْنِ بِن بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَفْرَسُ بِالْخَيْلِ مِنْكَ؛ فَقَالَ عُيَيْنَةُ: وَأَنَا أَفْرَسُ بِالرِّجَالِ مِنْكَ !؛ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَكَيْفَ ذَاكَ ؟؟؛ قَالَ: خَيْرُ الرِّجَالِ رِجَالٌ يَحْمِلُونَ سُيُوفَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ جَاعِلِينَ رِمَاحَهُمْ عَلَى مَنَاسِجِ خُيُولِهِمْ؛ لَابِسُو الْبُرُودِ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَبْتَ؛ بَلْ خَيْرُ الرِّجَالِ رِجَالُ أَهْلِ الْيَمَنِ؛ وَالْإِيمَانُ يَمَانٍ؛ إِلَى لَخْمٍ وَجُذَامٍ؛ وَعَامِلَةَ وَمَأْكُولُ؛ حِمْيَرَ خَيْرٌ مِنْ آكِلِهَا؛ وَحَضْرَمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ؛ وَقَبِيلَةٌ خَيْرٌ مِنْ قَبِيلَةٍ؛ وَقَبِيلَةٌ شَرٌّ مِنْ قَبِيلَةٍ؛ وَاللَّهِ مَا أُبَالِي أَنْ يَهْلِكَ الْحَارِثَانِ كِلَاهُمَا؛ لَعَنَ اللَّهُ الْمُلُوكَ الْأَرْبَعَةَ: جَمَدَاءَ؛ وَمِخْوَسَاءَ؛ وَمِشْرَخَاءَ؛ وَأَبْضَعَةَ؛ وَأُخْتَهُمْ الْعَمَرَّدَةَ؛ ثُمَّ قَالَ: أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أَلْعَنَ قُرَيْشًا مَرَّتَيْنِ فَلَعَنْتُهُمْ؛ وَأَمَرَنِي أَنْ أُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ فَصَلَّيْتُ عَلَيْهِمْ مَرَّتَيْنِ؛ ثُمَّ قَالَ: عُصَيَّةُ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؛ غَيْرَ قَيْسٍ؛ وَجَعْدَةَ؛ وَعُصَيَّةَ؛ ثُمَّ قَالَ: لَأَسْلَمُ؛ وَغِفَارُ؛ وَمُزَيْنَةُ؛ وَجُهَيْنَةَ؛ خَيْرٌ مِنْ: بَنِي أَسَدٍ؛ وَتَمِيمٍ؛ وَغَطَفَانَ؛ وَهَوَازِنَ؛ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ ثُمَّ قَالَ: شَرُّ قَبِيلَتَيْنِ فِي الْعَرَبِ؛ نَجْرَانُ؛ وَبَنُو تَغْلِبَ؛ وَأَكْثَرُ الْقَبَائِلِ فِي الْجَنَّةِ: مَذْحِجٌ؛ وَمَأْكُول ) .
وَقَدْ يَتَسْائلُ أَحَدِهِمْ مَا السَّبَبُ الَّذِي دَفَعَ الرَّافِضَة لِتَكْذِيبِ هَذَا الْحَدِيثِ ؟؟
وَالْجَوَابُ : مَا خَتَمَ بِهِ الرَّافِضِيَّ آخِرِ كَلَامِهِ وَزَيْفه فِي هَذَا الْفَصْل حِينَ قَال: فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلهِ لَيْسَ مِنْ جُهَيْنَةَ ؛ لاَ حَقِيقَةً وَلاَ مَجَازًا ؛ فَهُوَ لَيْسَ مِنهَا نَسَبًا ؛ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ ؛ وَلَيْسَ مِنْهَا بِمَا يُمَثِّلُهُ مِنْ دِيْنٍ وَرِسَالَةٍ ؛ لأَِنَّهَا لَيْسَ لهَا أَثَرٌ يُذْكَرْ فِي نَشْرِ الإِْسْلاَمِ ؛ أَو فِي الدِّفَاعُ عَنْهُ ؛ بَل قَدْ تَقَدَّمَ: أَنَّ عِكْرِمَةَ يُصَرِّح بِأَنَّهَا كَانَتْ إِحْدَى الْقَبَائِل الأَْرْبَع الَّتِي عَنَاهَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ }.
وَاَلَّذِي أَرَاهُ هُوَ أَنَّ هَذَا الْمُفْتَرِي عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ ؛ إِمَّا أَنَّهُ كَانَ عَلى دَرَجَةٍ مِنْ الْغَبَاءِ ؛ أَوْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أَعْمَى قَلْبُهُ ؛ وَطَمَسَ عَلَى بَصِيرَتهُ ؛ عَلَى قَاعِدَةِ: {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} فَإِنَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَفْتَرِي وَيَخْتَلِق ؛ لاَبُدَّ أَنْ لَا يَكُون ما يَخْتَلِقَهُ ظَاهِر الخَطَلِ وَالْبُطْلَان ؛ فَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَدَّعِي مَثلاً: أَنَّ الْمِسْكَ سَيْءُ الرّائِحَةِ ، وَلَا أَنْ يَقُولَ: وَإِنَّ الذَّهَبَ خَشَبٍ ؛ وَالتُّفَّاحَة دَجَاجَةٍ ؛ وَمَا إِلَى ذَلِكَ ؛ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ؛ فَقَدْ سَعَى إِلَى حَتْفِهِ بِظِلْفِهِ ؛ وَفَضَحَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ ؛ وَإِنَّمَا عَلَى نَفْسِهَا جَنَتْ بَرَاقِش ؛ وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ أَمْرٍ ؛ فَإِنّ أَحَدًا لاَ يَجْهَل أَنَّ عِبَارَةَ: « مَنْ أَغْضَبَهُمْ فَقَدْ أَغْضَبَنِي ؛ وَمَنْ أَغْضَبَنِي فَقَدْ أَغْضَبَ اللَّهَ » قَدْ قَالَهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - فِي حَقِّ الزَّهْرَاءِ عَلَيْهَا السَّلَام ؛ وَهَذَا مَا أَوْجَبَ مَا يُوجِب الطَّعْنِ عَلَى مَنْ أَغْضَبَهَا بِأَنَّهُ قَدْ أَغْضَبَ اللَّهَ وَرَسُولِهِ ؛ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَهْلاً فِي مَقَامِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ! .
قَالَ الْجُهَنِيّ :
هَاذَا وَاللَّهِ مِنْ أَعْظَمِ الْكَذِبِ وَالْبُهْتَان وَالْخِيَانَةِ نَسْأَل اللَّه السَّلَامَة ؛ وَلَعَمْرِي لَقَدْ صَدَقَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ حِينَ قَالَ عَنْهُمْ: وَالرَّافِضَةَ أُمَّةٌ لَيْسَ لَهَا عَقْلٌ صَرِيحٌ ؛ وَلَا نَقْلٌ صَحِيحٌ ؛ وَلَا دِينٌ مَقْبُول ؛ بَلْ هُمْ مِنْ أَعْظَمِ الطَّوَائِفِ كَذِباً وَجَهْلاً ؛ وَيَعْمِدُونَ إلَى الصِّدْقِ الظَّاهِرِ الْمُتَوَاتِرِ يَدْفَعُونَهُ ؛ وَإِلَى الْكَذِبِ الْمُخْتَلَقِ الَّذِي يُعْلَمُ فَسَادُهُ يُقِيمُونَهُ ؛ فَهُمْ كَمَا قَالَ فِيهِمْ الشَّعْبِيُّ وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِهِمْ: لَوْ كَانُوا مِنْ الْبَهَائِمِ لَكَانُوا حُمْراً ؛ وَلَوْ كَانُوا مِنْ الطَّيْرِ لَكَانُوا رَخَماً . فَقَوْلِ الرَّافِضِيُّ الْأَفَّاك أََنَّ جُهَيْنَةَ لَيْسَ لهَا أَثَرٌ يُذْكَرْ فِي نَشْرِ الإِْسْلاَمِ ؛ أَوْ الدِّفَاعُ عَنْهُ ؛ هُوَ كَذِبًا ظَاهِرٌ مَحْضٌ ؛ وَتَدْلِيسٌ وَتَلْبِيسٌ وَاضِحٌ كَالشَّمْسِ بِيَقِين ؛ وَعِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَر الْيَقِين .
ثُمّ أَوَلَمْ يَقُلْ الْمَوْلَى فِي كِتَابِهِ { مِلَّة أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيم } فَهَذِهِ أُبُوةٌ فِي الدِّينِ لاَ أَبُوةُ نَسَبٍ ؛ وَلَيْسَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَلَد إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ ؛ فَفِيهِمْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاء: هُوَ النّسَبُ الدِّينِيُّ وَلَيْسَ النّسَب الطِّينِيّ ؛ وَلِهَذَا فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جُهَيْنَةُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ ؛ هَذِهِ فَضِيلَةٌ مَعْلُومَةٌ لِجُهَيْنَةَ عَلَى أَصْلِهِمْ ؛ وَأَنَّهُمْ مِنْ أَهْل التَّوْحِيدِ وَالْإِسْلَامِ ؛ ؛ وَقَد قَالَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَان الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السّلَام: { فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } وَقَالَ لِقَوْمِهِ: { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ؛ وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي } .
المفضلات