1- عن ابن عباس قال : قالت قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك . قال : " وتفعلون ؟ " . قالوا : نعم قال : فدعا ، فأتاه جبريل ، فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : إن شئت أصبح الصفا لهم ذهبا ، فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، وإن شئت فتحت لهم باب الرحمة والتوبة . قال : " بل التوبة والرحمة " . وهذان إسنادان جيدان ، وقد جاء مرسلا عن جماعة من التابعين ; منهم سعيد بن جبير وقتادة وابن جريج وغير واحد .

2-عن ابن عباس قال : بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة ، فقالوا لهما : سلوهم عن محمد وصفا لهم صفته ، وأخبراهم بقوله ، فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء . فخرجا حتى قدما المدينة ، فسألا أحبار يهود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووصفا لهم أمره وبعض قوله ، وقالا : إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا . قال : فقالت لهم أحبار يهود : سلوه عن ثلاث نأمركم بهن ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل متقول ، فروا فيه رأيكم ; سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم ؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب ، وسلوه عن رجل طواف [ ص: 133 ] طاف مشارق الأرض ومغاربها ، ما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح ، ما هي ؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه ، وإن لم يخبركم فهو رجل متقول ، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم . فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش ، فقالا : يا معشر قريش ، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور . فأخبراهم بها . فجاءوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا محمد ، أخبرنا . فسألوه عما أمروهم به . فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أخبركم غدا بما سألتم عنه " . ولم يستثن ، فانصرفوا عنه ، ومكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة ليلة ، لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ، ولا يأتيه جبريل ، حتى أرجف أهل مكة ، وقالوا : وعدنا محمد غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة ، قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه ، وحتى أحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث الوحي عنه ، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ، ثم جاءه جبريل عليه السلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف ، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم ، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف ، وقول الله تعالى : ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [ الإسراء : 85 ] وقد تكلمنا على ذلك كله في " التفسير " مطولا فمن أراده فعليه بكشفه من هناك . [ ص: 134 ] ونزل قوله : أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا [ الكهف : 9 ] . ثم شرع في تفصيل أمرهم ، واعترض في الوسط بتعليمه الاستثناء ، تحقيقا لا تعليقا ، في قوله ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت [ الكهف : 23 ، 24 ] ثم ذكر قصة موسى ; لتعلقها بقصة الخضر ثم ذي القرنين ثم قال : ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا [ الكهف : 83 ] ثم شرح أمره ، وحكى خبره ، وقال في سورة " سبحان " : ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي أي خلق عجيب من خلقه ، وأمر من أمره ، قال لها : كوني . فكانت ، وليس لكم الاطلاع على كل ما خلقه ، وتفسير كيفيته في نفس الأمر يصعب عليكم ، بالنسبة إلى قدرة الله تعالى وحكمته ; ولهذا قال وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [ الإسراء : 85 ]