الثانية

نعيم بن مسعود.. مفرق "الأحزاب"

منّ الله على المسلمين باسلام نعيم بن مسعود وهو من غطفان وجاء نعيم الى رسول اللهوقال له: “يا رسول الله اني اسملت ولم يعلم قومي باسلامي فمرني بما شئت” فقال لهرسول الله: “انما انت رجل واحد من غطفان لا تستطيع حربا ولا تملك قوة أو عتادا فلوخرجت اليهم وابتثثت في صفوفهم فخذلتهم عنا واوقعت الرعب في قلوب اعدائنا كان ذلكاحب الينا من بقائك معنا فاخرج اليهم فإن الحرب خدعة” قال نعيم: “سأفعل ما تريد يارسول الله” وذهب نعيم الى يهود بني قريظة وكانوا لا يعلمون انه اسلم وكان لهم نديمافي الجاهلية فذكرهم بما بينه وبينهم من مودة ثم قال لهم: “انكم ظاهرتم قريشا وغطفانعلى محمد وقريش وغطفان ربما لا تطيقان المقام طويلا فترحلان فتخليان ما بينكم وبينمحمد فينكل بكم” ونصح لهم الا يقاتلوا مع القوم حتى يأخذوا عددا من رجالهم رهنايكونون بايديهم حتى لا تتخلى قريش وغطفان عنهم وقد أخذ كلامه من قلوبهم كل مأخذوزعزع من ثقتهم في تحالفهم مع قريش وغطفان. وكان على نعيم بن مسعود ان يتم دورهفذهب الى قريش وذكرهم بما بينهم وبينه من ود وما بينه وبين اصحاب محمد من جفاء. ثماخبرهم انه قد جاءهم ليبلغهم امرا رأى من حقهم عليه ان يبلغهم اياه وان ينصحهم ثمطلب منهم كتمانه حتى تثبت لهم الحوادث صدقة. ثم اخبرهم ان بني قريظة ندموا على مافعلوا من نكث عهد محمد وانهم عاملون على استرضائه وكسب مودته بان يقدموا له مناشراف قريش من يضرب اعناقهم. ثم نصح نعيم قريشا الا يبعثوا منهم أحدا ان بعث اليهوداليهم يلتمسون رهائن من رجالهم ثم ذهب نعيم بن مسعود الى قبيلته غطفان وحدثهم بمثلما حدث به قريشا وحذرهم مثل ما حذرهم
ودبت الشبهة من كلام نعيم في نفوس قريش وغطفان وأصبح اليهود لا يطمئنون الى قريشوغطفان وقريش لا تطمئن الى اليهود فارسل ابو سفيان الى كعب سيد بني قريظه يقول له: “قد طالت اقامتنا وحصارنا هذا الرجل وقد رأيت ان تعمدوا اليه في الغداة ونحن منورائكم فعاد رسول أبي سفيان اليه وقال له: “إن زعيم بني قريظة يقول: “إن غدا السبتوانا لا نستطيع القتال والعمل يوم السبت” فغضب ابو سفيان وصدق حديث نعيم واعادالرسول يقول لبني قريظة: “اجعلوا سبتا مكان هذا السبت فإنه لا بد من قتال محمد غدا. ولئن خرجنا لقتاله ولستم معنا لنبرأ من حلفكم ولنبدأن بكم قبل محمد” فلما سمعتقريظة كلام ابي سفيان كررت انها لا تتحدى السبت. وقد غضب الله على قوم منهم تعدوهفجعلهم قردة وخنازير ثم اشاروا الى الرهائن حتى يطمئنون الى مصيرهم فلما سمع ذلكابو سفيان لم يبق لديه في كلام نعيم ريبة. وبات يفكر فيما عساه ان يصنع وتحدث الىغطفان فإذا هي تتردد في الاقدام على قتال الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم قال ابوسفيان ردا على ما طلبه يهود بني قريظة: “والله لا نعطيكم رهائن أبدا. فإن شئتمفاخرجوا معنا، والا فلا عهد بيننا وبينكم” وقال بنو قريظة: “صدق والله نعيم بنمسعود. وإنا والله لن نحارب معهم ولا عهد بيننا وبينهم. ونجح القائد في التخطيطوالتوجيه ضد العدو. صلى الله عليه وسلم. وخذل الله بينهم، واختلفت كلمتهم

فلما كان الليل عصفت ريح شديدة. وهطل المطر غزيرا وقصف الرعد ولمع البرق واشتدت العاصفة. وارخى الليل ستائره على الكون بظلام دامس فاقتلعت العاصفة خيام الاحزاب. وكفأت قدورهم وادخلت الرعب الى نفوسهم وخيل اليهم ان المسلمين انتهزوها فرصة ليعبروا اليهم وليوقعوا فيهم. فقام طليحة بن خويلد فنادى: “إن محمدا بدأكم بشر فالنجاة النجاة”. وقال ابو سفيان: “يا معشر قريش انكم والله ما اصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف واخلفنا بنو قريظة وبلغنا منهم ما نكره ولقينا من شدة الريح ما ترون فارتحلوا فاني مرتحل”. فحمل القوم ما استطاعوا حمله من متاع وفروا والريح تعصف بهم، وتبعتهم غطفان.