الرمية الثالثة : الحي أبو رافع سلام بن أبي الحقيق والدار حصنه


مقتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق اليهودي


* عن البراء قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهودي رجالا من الأنصار وأمر عليهم عبد الله بن عتيك ، وكان أبو رافع يؤذي رسول الله ويعين عليه ، وكان في حصن له بأرض الحجاز ، فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس يسرحهم قال عبدالله : اجلسوا مكانكم فإني منطلق متلطف للبواب لعلي أن أدخل . فأقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته وقد دخل الناس ، فهتف به البواب : يا عبد الله إن كنت تريد أن فدخل فإني أريد أن أغلق الباب فدخلت فكمنت ، فلما دخل الناس أغلق الباب ثم علق الأغاليق على ود. قال : فقمت إلى الأقاليد وأخذتها وفتحت الباب ، وكان أبو رافع يسمر عنده وكان في علالي له ، فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه فجعلت كلما فتحت باباً أغلقت علي من داخل ، فقلت : إن القوم نذروا بي لم يخلصوا إلي حتى أقتله . فانتهت إليه فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله لا أدري أين هو من البيت.



قلت أبا رافع : من هذا ؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه بالسيف ضربة وأنا دهش ،فما أغنيت شيئاً ، وصاح فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد ، ثم دخلت إليه فقلت : ما هذا الصوت يا أبا رافع ؟ فقال : لأمك الويل إن رجلاً في البيت ضربني قبل بالسيف . قال : فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله ، ثم وضعت ضبيب السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته ، فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتى انتهيت إلى درجة له فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت ، فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة حتى انطلقت حتى جلست على الباب فقلت : لا أخرج الليلة حتى أعلم .


أقتلته. فلما صاح الديك قام الناعي على السور فقال : أنعي أبا رافع ناصر أهل الحجاز . فانطلقت إلى أصحابي فقلت : النجاء فقد قتل الله أبا رافع . فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال : " ابسط رجلك " . فبسطت رجلي فمسحها فكأنما لم أشتكها قط .


· عن البراء ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة في ناس معهم ، فانطلقوا حتى دنوا من الحصن ،فقال لهم عبد الله بن عتيك : امكثوا أنتم حتىأنطلق أنا فأنظر . قال : فتلطفت حتىأدخل الحصن، ففقدوا حمارا لهم فخرجوا بقبس يطلبونه . قال : فخشيت أن أعرف قال : فغطيت رأسي وجلست كأني أقضي حاجة فقال : من أراد أن يدخل فليدخل أن أغلقة .فدخلت ثم اختبأت في مربط حمار عند باب الحصن ، فتعشوا عند أبي رافع وتحدثوا حتى ذهب ساعة من الليل ، ثم رجعوا إلى بيوتهم .


فلما هدأت الأصوات ولا أسمع حركة خرجت . قال : ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفتاح الحصن في كوة ، فأخذته ، ففتحت به باب الحصن قال : قلت : إن نذر بي القوم انطلقت على مهل . ثم عمدت إلى أبواب بيوتهم فغلقتها عليهم من ظاهر .


ثم صعدت إلى أبي رافع في سلم فإذا البيت مظلم قد طفئ سراجه ، فلم أدر أين الرجل ، فقلت : يا أبا رافع : قال : من هذا ؟ فعمدت نحو الصوت فأضربه ،وصاح فلم تغن شيئاً ؟ قال : ثم جئته كأني أغيثه فقلت : مالك يا أبا رافع . وغيرت صوتي قال : لا أعجبك لأمك الويل ! دخل رجل فضربني بالسيف . قال : فعمدت إليه أيضاً فأضربه أخرى فلم تغن شيئا فصاح وقام أهله . ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المغيث فإذا هو مستلق على ظهره فأضع السيف في بطنه ثم أنكفى عليه حتى سمعت صوت العظم ، ثم خرجت دهشاً حتى أتيت السلم أريد أن أنزل فأسقط منه ، فانخلعت رجلي فعصبتها ، ثم أتيت أصحابي أحجل . فقلت : أنطلقوا فبشورا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية . فلما كان في وجه الصبح صعد الناعية فقال : أنعي أبا رافع . قال : فقمت أمشي ما بي قلبة فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا رسول الله فبشرته .


تفرد به البخاري بهذه السياقات من بين أصحاب الكتب الستة . ثم قال : قال الزهري : قال أبي بن كعب : فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال : "أفلحت الوجوه " .قالوا أفلح وجهك يا رسول الله . قال " افتكتموه " ؟ قالوا : نعم. قال " ناولني السيف " فسله فقال : " أجل هذا طعامه في ذباب السيف " .


قال ابن كثير: يحتمل أن عبد الله بن عتيك لما سقط من تلك الدرجة انفكت قدمه وانكسرت ساقه ووثبت رجله ، فلما عصبها استكن ما به لما هو فيه من الأمر الباهر ، ولما أراد المشي أعين على ذلك لما هو فيه من الجهاد النافع، ثم لما وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقرت نفسه ثاوره الوجع في رجله ، فلما بسط رجله ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ما كان بها من بأس في الماضي ولم يبقى بها وجع يتوقع حصوله في المستقبل ، جمعاً بين الرواية والتي تقدمت ،والله أعلم .