المحاولة الثانية

قوم صالح وعقر الناقة

القصة

فأوحى الله إلى صالح أنّ قومك

سيعقرون الناقة . فقال لهم ذلك ، فقالوا : ما كنا لنفعل . قال : لا تعقروها أنتم ، يوشك أن يولد فيكم مولود يعقرها . قالوا : وما علامته فوالله لا نجده إلا قتلناه . قال : فإنه غلام أشقر، أزرق ، أصهب ، أحمر. قال فكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان لأحدهما ابن رغب له عن المناكح وللآخر ابنة لا يجد لها كفؤاً فزوج أحدهما ابنه بابنة الآخر فولد بينهما المولود فلما قال لهم صالح : إنما يعقرها مولود فيكم اختاروا قوابل من القرية وجعلوا معهن شرطاً يطوفون في القرية فإذا وجدوا امرأة تلد نظروا ولدها ما هو، فلما وجدوا ذلك المولود صرخ النسوة وقلن هذا الذي يريد نبي الله صالح . فأراد الشرط أن يأخذوه فحال جِدَّاه بينهم وبينه ، وقالوا : لو أراد صالح هذا لقتلناه .
فكان شر مولود، وكان يشب في اليوم شباب غيره في الجمعة، فاجتمع تسعة
رهط منهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون كانوا قتلوا أبناءهم حين ولدوا خوفاً أن يكون عاقر الناقة منهم ثم ندموا فأقسموا ليقتلن صالحاً وأهله . وقالوا : نخرج فنرى الناس أننا نريد السفر فنأتي النار الذي علن طريق صالح فنكون فيه فإذا جاء الليل وخرج صالح إلى مسجده قتلناه ثم رجعنا إلى الغار ثم انصرفنا إلى رحالنا وقلنا: ما شهدنا قتله فيصدقنا قومه وكان صالح لا يبيت معهم كان يخرج إلى مسجد له يعرف بمسجد صالح فيبيت فيه فلما دخلوا الغار سقطت عليهم صخرة فقتلتهم فانطلق رجال ممن عرف الحال إلى الغار فرأوهم هلكى ، فعادوا يصيحون أنّ صالحاً أمرهم بقتل أولادهم ثم قتلهم . وقيل : إنما كان تقاسم التسعة على قتل صالح بعد عقر الناقة وإنذار صالح إياهم بالعذاب وذلك أنّ التسعة الذين عقروا الناقة قالوا : تعالوا فلنقتل صالحاً فإن كان صادقاً عجلنا قتله وإن كان كاذباً ألحقناه بالناقة فأتوه ليلاً في أهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة فهلكوا فأتى أصحابهم فرأوهم هلكى فقالوا لصالح : أنت قتلتهم وأرادوا قتله فمنعهم عشيرته وقالوا ة إنه قد أنذركم العذاب فإن كان صادقاً فلا تزيدوا ربكم غضباً وإن كان كاذباً فنحن نسلمه إليكم فعادوا عنه .

على قتلها، وقيل : إنّ ثموداً كان فيهم امرأتان يقال لأحداهما قطام وللأخرى قبال وكان قدار يهوى قطام ومصدع يهوى قبال ويجتمعان بهما ففي بعض الليالي قالتا لقدار ومصاغ لا سبيل لكما إلينا حتى تقتلا الناقة فقالا : نعم وخرجا وجمعا أصحابهما وقصدا الناقة وهي عك حوضها. فقال الشقي لأحدهم اذهب فاعقرها فأتاها فتعاظمه ذلك فأصرت عنه ، وبعث آخر بأعظم ذلك ، وجعل لا يبعث أحداً إلا تعاظمه قتلها حتى مشى هو إليها فتطاول فضرب عرقوبها فوقعت تركض وكان قتلها يوم الأربعاء واسمه بلغتهم جبار، وكان هلاكهم يوم الأحد وهو عندهم أول فلما قتلت أتى رجل منهم صالحاً فقال : أدرك الناقة فقد عقروها فأقبل وخرجوا يتلقونه يعتذرون إليه يا نبي الله إنما عقرها فلان إنه لا ذنب لنا قال : أنظروا هل تدركون فصيلها؟ فإن أدركتموه فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب فخرجوا يطلبونه ولما رأى الفصيل أمه تضطرب قصد جبلاً يقال له القارة قصيراً فصعده وذهبوا يطلبونه فأوحى الله إلى الجبل فطال في السماء حتى ما يناله الطير ودخل صالح القرية ولما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ثم استقبل صالحاً فرِغاً ثلاثاً فقال صالح لكل رغوة أجل يوم { تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُم ثَلَاثَةَ أيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غيْر مَكْذُوب } (1) وآية العذاب أن وجوهكم تصبح في اليوم الأول مصفرة وتصبح في اليوم الثاني محمرة وتصبح في اليوم الثالث مسودة فلما أصبحوا إذا وجوههم كأنما طليت بالخلوق صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم فلما أصبحوا في اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة، فلما أصبحوا في اليوم الثالث إذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار فتكفنوا وتحنطوا وكان حنوطهم الصبر والمر وكانت أكفانهم الأنطاع ثم ألقوا أنفسهم إلى الأرض فجعلوا يقلبون أبصارهم إلى السماء والأرض لا يدرون من أين يأتيهم العذاب ؟ فلما أصبحوا في اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كالصاعقة، فتقطعت قلوبهم في صدورهم فاصبحوا في ديارهم جاثمين ، وأهلك الله من كان بين المشارق والمغارب منهم إلا رجلًا كان في الحرم فمنعه الحرم . قيل : ومن هو؟ قيل : هو أبو رغال وهو أبو ثقيف في قول ، ولما سار النبي صلى الله عليه وسلم (2) أتى على قرية ثمود فقال لأصحابه :لا يدخلن أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائها، وأراهم مرتقى الفصيل في الجبل ، واراهم الفج الذي كانت الناقة ترد منه الماء .