الرمية الثانية

فقد ثبت بالكتاب العزيز والسنة الصحيحة أن الملائكة شاركت في قتال المشركين يوم بدر، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ. بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران:123ـ125].

وقال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12].

وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم الملائكة في غزوة بدر، ففي صحيح البخاري: باب شهود الملائكة بدرًا، أن رسول الله تعالى قال: 'هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب'.

بل إن رؤيتهم لم تكن مقتصرة على النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص قال: 'رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض لم أرهما قبل ولا بعد'.

قال ابن حجر في الفتح؛ هما جبريل وميكائيل كذا وقع في مسلم من طريق أخرى.

وجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال :'ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين، قال جبريل: وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة'.

وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه: 'بينما رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم، إذ نظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيًا قال: فنظر إليه فإذا هو قد حطم وشق وجهه كضربة السوط, فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة'.

ولم تكن مشاركتهم مقتصرة على غزوة بدر، فقد حاربت الملائكة في مواقع أخرى، ففي غزوة الخندق أرسل الله ملائكة تقاتل في صفوف أهل الإيمان كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} [الأحزاب:9].

والمراد بالجنود التي لم يروها الملائكة.

وقد ثبت في الصحيح أنهم يقاتلون بأسلحتهم, ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل عليه السلام فقال: 'أوضعتم سلاحكم، فإننا لم نضع سلاحنا بعد، فقال: إلى أين؟ فأشار إلى بني قريظة'.

وقال أبو داود المازني: 'إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي, فعرفت أنه قد قتله غيري'. وجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيرًا فقال العباس: إن هذا ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجهًا، على فرس أبلق ما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: 'اسكت فقد أيدك الله بملك كريم'.

فإذا علم ذلك فإن الملائكة خلق من خلق الله تعالى، وقد أوتوا من القدرة ما يعجز عن الوصف، كما قال تعالى عن ملائكة النار: {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ} [التحريم:6].