الرمية الثالثة :

قول الله تعالى: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا "
المقصود أنه تعالى وفق المؤمنين للحج الذي لم يكن بقي عليهم من أركان الدين غيره ، فحجوا فاكتمل هذا الدين أداء لأركانه وقياما بفرائضه ، خاصة أن الحج قد فرض قبل هذا فى السنة السادسة أو التاسعة على خلاف فى هذا ، إذن فالاكتمال مقصود به اكتمال أداء للشرائع ، أما أصل الإيمان فهو كامل منذ بدء نزول الوحى ، إذن فإن من ماتوا فى بداية البعثة قد ماتوا على دين كامل وإيمان كامل ، أما كون الشرائع لم تنزل دفعة واحدة لتكون تامة منذ البداية ، فليس فى ذلك غضاضة لأن الله عز وجل قد راعى أحوال البشر وطبائعهم ففرض عليهم الفرائض وشرّع لهم الشرائع تدريجا ، وفى ذلك للإسلام كل الفضل ، ومن ثم قال ابن عباس في قوله تعالى : " هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم " { الفتح:4 } قال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلا الله ، فلما صدق بها المؤمنون زادهم الصلاة ، فلما صدقوا بها،زادهم الصيام ، فلما صدقوا به زادهم الزكاة ، فلما صدقوا بها زادهم الحج 0000ثم أكمل لهم دينهم فقال: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا "

ولنا أن نصوِّر ذلك برجل يبلغه الله مائة سنة فيقال: أكمل الله عمره ولا يترتب على ذلك أن يقال: إنه حين كان ابن ستين كان ناقصا نقص قصور0

هذا هو إكمال الدين وأما إتمام النعمة ففى تصورى أنه مرتبط بسابقه ولاحقه ، فلا معنى لبتر هذه الفقرة عن جارتيها ، وعلى ذلك يكون إتمام النعمة مرادا به نعمة الإسلام فكفى بها نعمة ، حيث إن من خلالها يعيش المرء فى معية الله يتنعم بنعيم القرب من الله ، ويرتوى من بحار الفضل الإلهى ، وتلك هى النعمة الحقيقية ، وفى ذلك يقول واحد ممن ذاقوا لذة القرب من الله: إننا لفى نعمة لو علمها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف0 فقد جربت السعادة فى المال فما حصلت ، وفى المنصب فما وجدت ، وفى الحسب والنسب فافتقدت ، وبقى سبب واحد يصل الإنسان براحة البال والسعادة المطلقة ، وهو باب القرب من الله تعالى0

ولما كان الإسلام هو الدين الحق فقد ارتضاه الله تعالى دينا لأحبابه ، وميزانا يميز به الطيب من الخبيث ، وسببا يحقق للعبد رضا الله والفوز بالجنات0 وإن من لوازم التحلى بالإسلام والرضا به دينا الرضا بالله تعالى ربا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ، هنا يسكن الإيمانُ القلبَ ويعمره بحب الله وطاعته ، فتصبح الطاعةُ همَّه ، حيث يسخر المؤمن وقته وجهده وكل ما يملك فى خدمة الدين وفيما يرضى الله ، فهذا وحده هو الذى يحقق السعادة ، يقول النبى صلى الله عليه وسلم: " ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد- صلى الله عليه وسلم –رسولا " أخرجه مسلم0