قصيدة رثاء لابن الرومي


بكاؤكما يشفي وان كان لا يجدي *** فجودا فقد أودى نظيركما عندي


بُنَيَّ الذي أهدْتهُ كَفَّايَ للثَّرَى *** فيا عزَّةَ المُهْدَى ويا حَسْرَةَ المُهْدِي



ألا قَاتَلَ الله المنايا وَرَمْيَها *** منِ القومِ حَبّاتِ القلوبِ على عَمْدِ



توخَّى حِمَامُ الموتِ أوسطَ صبيتي *** فلله كيف اخْتارَ واسطةَ العِقْدِ



على حين شمتُ الخيرَ مِنْ لَمَحاتِهِ *** وآنستُ مِن أفعالِه آيةَ الرُّشدِ



طواهُ الرَّدى عنِّي فأضحى مَزَارُهُ *** بعيدًا على قُربٍ قريبًا على بُعدِ



لقد أنجزتْ فيه المنايا وعيدَها *** وأخْلَفَتِ الآمالُ ماكان مِنْ وَعْدِ



لقد قلَّ بين الْمَهْدِ واللَّحْدِ لُبْثُهُ *** فلم ينسَ عهْدَ المهدِ إذ ضمَّ في اللَّحدِ



تنغَّصَ قَبلَ الرِّيِّ ماءُ حَياتِهِ *** وفُجِّعَ منه بالعُذُوبَةِ والبَرْدِ



ألحَّ عليه النَّزفُ حتى أحالَهُ *** إلى صُفرةِ الجاديِّ عَنْ حُمْرَةِ الوردِ



وظلَّ على الأيدي تَسَاقَطُ نَفْسُه *** ويَذْوِي كما يَذْوِي القضيبُ مِن الرَّنْدِ



ِفَيالكِ مِنْ نَفْسٍ تَسَاقَطُ أنفسًا *** تَسَاقُطَ دُرٍّ مِنْ نِظَامٍ بلا عِقْدِ



عَجبتُ لقلبي كيف لم ينفطرْ لهُ *** ولوْ أنَّهُ أقسى من الحَجَرِ الصَّلد



ِبودِّيَ أني كنتُ قُدِّمْتُ قَبْلَهُ *** وأنَّ المنايا دُونَهُ صَمَدَتْ صَمْدِي



ولكنَّ ربِّي شاءَ غيرَ مشيئتي *** وللرَّبِّ إمضاءُ المشيئةِ لا العبدِ



وما سرَّني أَنْ بِعْتُهُ بثوابِه *** ولوْ أنَّه التَّخْليدُ في جنَّةِ الخُلدِ



ولا بِعْتُهُ طَوعًا ولكن غُصِبْتُه *** وليس على ظُلْمِ الحوادثِ مِنْ مُعْدي



ِوإنّي وإن مُتِّعْتُ بابْنَيَّ بعْده *** لَذاكرُه ما حنَّتِ النِّيبُ في نجدِ



وأولادُنا مثلُ الجَوارحِ أيُّها *** فقدناه كان الفاجعَ البَيِّنَ الفَقْدِ



لكلٍّ مكانٌ لا يسُدُّ اخْتِلاَلَهُ *** مكانُ أخيه في جَزُوعٍ ولا جَلْدِ



هلِ العينُ بعدَ السَّمْعِ تكفي مكانَهُ *** أم السَّمعُ بعد العينِ يَهْدِي كما تَهْدي



لَعمْري:لقد حالتْ بيَ الحالُ بعدهُ *** فيا ليتَ شِعري كيف حالتْ به بعدِي



ثَكِلتُ سُرُوري كُلَّه إذْ ثَكِلْتُهُ *** وأصبحتُ في لذَّاتِ عيشي أَخا زُهْدِ



أرَيحانَةَ العَينينِ والأنفِ والحشا *** ألا ليتَ شعري هلْ تغيَّرتَ عنْ عَهْدي



سأسقيكَ ماءَ العين ما أَسْعدتْ به *** وإن كانَتِ السُّقيا مِنَ الدَّمعِ لا تُجدي



أعينيَّ:جودا لي فقد جُدْتُ للثَّرى *** بأنْفَسَ ممَّا تُسأَلانِ من الرِّفدِ



أعينيَّ:إنْ لا تُسعداني أَلُمْكُما *** وإن تُسعداني اليومَ تَستوجِبَا حَمْدي



عذرتُكما لو تُشْغلانِ عَنِ البكا *** بنومٍ وما نومُ الشَّجِيِّ أخي الجَهْدِ



أَقُرَّةَ عَيْني:قدْ أَطَلْتَ بُكاءَها *** وغادرْتَها أقْذَى مِنَ الأعْيُنِ الرُّمْدِ



أَقُرَّةَ عيني:لو فَدى الحَيُّ ميِّتًا *** فديتُك بالحوباء أوَّلَ مَنْ يَفْدِي



كأنِّيَ ما استَمْتَعتُ منك بنظرة *** ولا قُبلَةٍ أحلى مذَاقًا مِن الشَّهدِ



كأنَّيَ ما استمتعتُ منك بِضَمَّةِ *** ولا شمَّةٍ في ملْعبٍ لك أو مَهْدِ



ألامُ لِمَا أُبدي عليْك مِنَ الأسى *** وإني لأخفي منه أضعافَ ما أبدي



محمَّدُ:ما شيءٌ تُوهِّمُ سَلوةً *** لقلبي إلاَّ زاد قلبي مِنَ الوجْدِ



أرى أَخَوَيْكَ الباقِيَيْنِ فإنما *** يكونان للأحزَانِ أوْرَى مِنَ الزَّنْدِ



إذا لعِبا في مَلْعَبٍ لك لذَّعا *** فؤادي بمثْلِ النارِ عنْ غيرِ ما قَصدِ



فما فيهما لي سَلوةٌ بلْ حَزَازَةٌ *** يَهيجانِها دُوني وأَشقى بها وحدي



وأنتَ وإن أُفردْتَ في دار وحْشةٍ *** فإنِّي بدارِ الأنسِ في وَحْشَةِ الفرد



أودُّ إذا ما الموتُ أوفدَ مَعشَرًا *** إلى عَسْكِر الأمواتِ أنِّي مِنَ الوفْدِ



ومَنْ كانَ يَستَهْدي حَبِيبًا هَديَّةً *** فطيفُ خيالٍ منكَ في النومِ أستهدي



عليك سلامُ الله منِّي تَحِيَّةً *** ومِنْ كلِّ غيثٍ صادقِ البرْقِ والرَّعدِ


رحمك الله أبا طلال رحمة واسعة وجمعنا واياك في عليين رب العالمين