قال الشيخ ابن العثيمين - رحمه الله تعالى في الشرح الممتع - :
قوله: "أو كانت آية غير الزلزلة لم يصل"
أي: إذا وجدت آية تخويف كالصواعق، والرياح الشديدة، وبياض الليل، وسواد النهار، والحمم، وغير ذلك فإنه لا تصلى صلاة الكسوف إلا الزلزلة، فإنه إذا زلزلت الأرض فإنهم يصلون صلاة الكسوف حتى تتوقف. والمراد بالزلزلة: الزلزلة الدائمة.
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء على أقوال ثلاثة:
القول الأول: ما مشى عليه المؤلف أنه لا يصلى لأي آية تخويف إلا الزلزلة.
وحجة هؤلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت توجد في عهده الرياح العواصف، الأمطار الكثيرة، وغير ذلك مما يكون مخيفا ولم يصل، وأما الزلزلة فدليلهم في ذلك أنه روي عن عبد الله بن عباس ، وعلي بن أبي طالب - -: أنهما كانا يصليان للزلزلة، فتكون حجة الصلاة في الزلزلة هي فعل الصحابة.
القول الثاني: أنه لا يصلى إلا للشمس والقمر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتموهما فصلوا" ، ولا يصلى لغيرهما من آيات التخويف.
وما يروى عن ابن عباس أو علي فإنه - إن صح - اجتهاد في مقابلة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الصلاة للأشياء المخيفة.
القول الثالث: يصلى لكل آية تخويف.
واستدلوا بما يلي:
1- عموم العلة وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "إنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده" ، قالوا: فكل آية يكون فيها التخويف، فإنه يصلى لها.
2- أن الكربة التي تحصل في بعض الآيات أشد من الكربة التي تحصل في الكسوف.
3- أن ما يروى عن ابن عباس وعلي - - يدل على أنه لا يقتصر في ذلك على الكسوف وأن كل شيء فيه التخويف فإنه يصلى له.
4- أن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة" ، أي: إذا كربه وأهمه؛ وإن كان الحديث ضعيفا لكنه مقتضى قوله تعالى: {وإستعينوا بالصبر والصلاة } [البقرة: 45 .
وأما ما ذكر من أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت توجد في عهده العواصف، وقواصف الرعد، فإن هذا لا يدل على ما قلنا؛ لأنه قد تكون هذه رياحا معتادة، والشيء المعتاد لا يخوف وإن كان شديدا، فمثلا في أيام الصيف اعتاد الناس أن الرياح تهب بشدة وتكثر، ولا يعدون هذا شيئا مخيفا.
صحيح أنه أحيانا قد توجد صواعق عظيمة متتابعة تخيف الناس، فهل الصواعق التي وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كهذه؟ لا يستطيع أحد أن يثبت أن هناك صواعق في عهد النبي عليه الصلاة والسلام خرجت عن المعتاد، لكن لو وجدت صواعق عظيمة متتابعة، فإن الناس لا شك سيخافون، وفي هذه الحال يفزعون إلى ربهم - عز وجل - بالصلاة.
وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - -، له قوة عظيمة.
وهذا هو الراجح.أهـ
قلت: فالقول الأول هو قول الحنابلة
والثاني مذهب مالك
والثالث مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد وهو قول ابن حزم
وهناك قول رابع:
أنه لا يصلى لغير الكسوفين جماعة، بل يصلي المرء ويتضرع في بيته وهو مذهب الشافعي رحمه الله.
ويشهد له حديث كان النبي صلى الله عليه و سلم إذاحزبه أمرصلى.
حسنه الشيخ الألباني في سنن أبي داود.
والله تعالى أعلى وأعلم.