قَالَ الْمُؤَلِف ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَانِيُّ الجُهَنِيُّ :
وَيَجْدُرُ بِنَا أَنْ نَعُود إلَى الْمَقْصُود مِنْ كِتَابِنَا؛ وَلَقَدْ اسْتِطْرَدْنَا بِنَقْلِ مَقْطُوعَات مِنْ أَشْعَارِ جُهَيْنَةَ لِدَفْعِ السّأَمْ؛ وَخَشْيَةَ أَنْ يَعْتَرِي الْقَارِئُ مَلَلٌ؛ بِسَبَبِ جَفَافِ ذِكْرَ الْبُلْدَانِ وَالأَْمَاكِن؛ وَأَعْرَضْت عَنْ الْكَثِير إيثَارًا لِلْإِيجَازِ مِنْ الْإِطَالَةِ؛ وَيَكْفِي أَنْ نُشِيرُ إلَى أَنّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ لِقَبِيْلَةِ جُهَيْنَةَ دِيوَانًا مُسْتَوْفِيًا أَشْعَارِهَا وَأَنْسَابِهَا وَأَخْبَارِهَا؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَهَبَ شَيْخُنَا عَالِمُ الْجَزِيرَةِ رَحِمَهُ اللّه فَعَلَّلَ مُجْتَهِدًا قِلَّةِ مَا رُوِيَ مِنْ أَشْعَارِ جُهَيْنَةَ الْقُدَمَاءِ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَالإِْسْلاَم حِينَمَا قَال : أَمَّا فِي مَجَال الْأَدَبِ وَالشِّعْرِ فَقَدْ كَانَتْ الْقَبِيلَةُ تَعِيشُ فِي بِلَادِهَا فِي شِبْهِ عِزْلَةٌ؛ وَإِخْلأَد إلَى السّكُونِ؛ وَهَذَا مِمَّا سَبَبَ قِلّةِ الْمَرْوِيّ مِنْ شِعْرِ شُعَرَائِهَا الْمُتَقَدِّمِينَ؛ وَمَعَ ذَلِكَ فَفِي كُتُبِ الْأَدَبِ طَائِفَةٌ مِنْ الشّعْر الْمَنْسُوب إلَى هَذِهِ الْقَبِيلَةِ؛ انْتَهَى كَلَامِهِ؛ وَهَذَا حَقٌّ جَيّدٌ مِنْ الشّيْخِ لَوْلَا أَنَّ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بِشْرٍ الآْمِدِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 370 مِنْ الْهِجْرَةِ لَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِهِ « الْمُؤْتَلَفِ وَالْمُخْتَلَفِ مِنْ أَسْمَاءِ الشّعَرَاءِ » ضِمْنَ دَوَاوِينِ الْقَبَائِلِ الّتِي ذَكَرَهَا « كِتَابُ جُهَيْنَةَ » .

يَقُولُ نَاصِرُ الدِّينِ الْأَسَدِ فِي كِتَاب « مَصَادِرِ الشّعْرَ الْجَاهِلِيِّ » :
فَكُتُبِ الْقَبَائِلِ فِي جَوْهَرُهَا مَجْمُوعَاتٍ شِعْرِيّة؛ تَضُمَّ بَيْنَ دِفَّتَيّهَا قَصَائِدٌ كَامِلَةً؛ وَمُقَطّعَاتٌ قَصِيرَةً؛ وَأَبْيَاتًا مُتَفَرّقَةً؛ لِشّعْرَاءُ تِلْكَ الْقَبِيلَةُ أَوْ لِبَعْضِ شُعَرَائِهَا؛ وَرُبَّمَا ضَمِنَتْ أَكْثَرَ شِعْرَ هَؤُلَاءِ الشُّعَرَاءِ؛ بَل رُبَّمَا ضَمّتْ جَمِيعَ شِعْرِ شَاعِرٌ مِنْهُمْ وَدِيوَانِهِ كَامِلًا؛ ثُمّ تُضِيفُ إلَى ذَلِكَ أَفْرَادِ قَبِيلَتِهِ؛ مَا يُوَضِّحُ مُنَاسَبَات الْقَصَائِدَ؛ وَيُفَسّرْ بَعْضَ أَبْيَاتِهَا؛ وَيُبَيّنُ مَا فِيهَا مِنْ حَوَادِث تَارِيخِيَّةٍ؛ فَيَجِيءُ كِتَابُ الْقَبِيلَةِ بِذَلِكَ سِجِلاً لِحَوَادِثِهَا وَوَقَائِعَهَا؛ وَدِيوَانًا لِمَّفَاخِرِهَا وَمَنَاقِبهَا؛ وَفِي كِتَابِ الْقَبِيلَةِ أَوْ دِيوَانِهَا نَسَبٌ أَيْضاً؛ وَيَبْدُو ذَلِكَ وَاضِحًا مِنْ الْإِشَارَاتِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الآْمِدِيّ؛ كَأَنْ يَنْفِي أَنّهُ وَجَدَ نَسَبِ فُلَانٍ فِي كِتَابِ الْقَبِيلَةُ أَوْ تِلْكَ؛ مِمَّا يَدُل عَلَى أَنّ نَسَبَ غَيْرِهِمْ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ قَبَائِلَهُمْ فَهُوَ يَقُول : لَمْ يَرْفَعْ فِي كِتَابِ بَلْقَيْنِ نَسَبَهُ؛ وَلَمْ يَرْفَعْ فِي كِتَابِ جُهَيْنَةَ نَسَبِهِ .

وَقَالَ سزكين فِي « تَارِيخِ الأَْدَبِ الْعَرَبِيّ » عِنْدَ ذِكْرِهِ كِتَابِ جُهَيْنَةَ :
وَلَمْ يَصِلْ إلَيْنَا بِكُلّ أَسَفٍ؛ فِي كَثِيرٍ مِنْ عَنَاوِينَ دّوَاوِينَ الْقَبَائِلِ اسْم مَنْ جَمَعَهَا؛ وَمِنْ الْمُرَجِّحِ أَنْ أَقْدَمَ مَا دُونَ فِي هَذَا الضّرْبِ كَانَ غَفْلاً مِن الْأَسْمَاءِ لَقَدْ كَانَتْ أَمْثَالِ هَذِهِ الدّوَاوِينِ فِي الْعَصْرِ الْأُمَوِيّ مُتَدَاوَلَةٌ؛ وَيَتَّضِحُ هَذَا مِنْ الْخَبَرِ التّالِي [ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرْجِ فِي الْأَغَانِي] : قَالَ حَمّادِ الرّاوِيَةِ؛ أَرْسَلَ الْوَلِيدَ بْن يَزِيدَ إلَيَّ بِمَائَتَي دِينَار؛ وَأَمّرَ يُوسُفُ بْن عُمَرَ بِحَمْلِي إلَيْهِ عَلَى الْبَرِيد؛ قَالَ؛ فَقُلْت : لاَ يَسْأَلُنِي إلّا عَنْ مَآثِرَ طَرَفَيْهِ: قُرَيْشٍ؛ وَثَقِيف؛ فَنَظَرْت فِي كِتَابِيَّ: « قُرَيْش » وَ « ثَقِيف »؛ فَلَمّا قَدِمْت عَلَيْه سَأَلَنِي عَنْ أَشْعَارِ بَلِيّ ؟؟؛ فَأَنْشَدْته مِنْهَا مَا اسْتَحْسَنَهُ وَحَفِظْتَهُ .

قَالَ الْمُؤَلِف ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَانِيّ الجُهَنِيُّ :
وَكُنْت قَرَأْت سَابِقاً خَبَرٍ يَرْوِيهِ أَبُو الْمُنْذِرِ لاَ يَحْضُرُنِي مَوْضِعِهِ؛ بِأَنْ لِعُذْرَةَ قُضَاعَةَ النَّازِلِين بِوَادِي الْقُرَى سِجِلًّا مُتَوَارَثًا مِنْ الْجَاهِلِيّةِ؛ يُدَوِّنُونَ فِيهِ أَنْسَابَهُمْ وَأَشْعَارِهِمْ؛ فَإِنْ صَحّ مَا قَالَهُ عَنْ ذَلِكَ الدّيوَانِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ مُنْتَشِرَةً قَبْلَ الْإِسْلَامِ؛ وَلَا غَرَابَةٌ فِي ذَلِكَ إذَا عَلِمْنَا أَنَّ بَنِي عُذْرَةَ وَجُهَيْنَةُ مُجَاوِرِينَ لِمَنَازِلِ الْيَهُودِ؛ وَيَهُودَ هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَأَصْحَابَ قَلَمٍ وَأَسْوَاقٍ لِلتِّجَارَةِ؛ وَتِلْكَ الدّوَاوِينَ الّتِي هِيَ مِنْ عَهْدِ الْجَاهِلِيّةُ الْأُولَى لَمْ يَكُنْ لَهَا جَامِعٌ بِعَيْنِهِ اكْتَتَبَهَا وَسَطَّرهَا؛ بَلْ أَرَ هَذِهِ الدّوَاوِينَ قَدْ جُمِعَتْ عَلَى أَزْمِنَةٌ مُتَبَاعِدَةٍ؛ وَالْمُشَارَكُونَ فِيهَا كُل مُكْتِباً مِنْ أَبْنَاءِ الْقَبِيلَةِ؛ فَتَزَبَّرَتْ تِلْكَ الدّوَاوِينَ الْمَفْقُودَةِ الْيَوْمَ

وَوَجَدْت فِي كِتَابِ « فُتُوحِ الْبُلْدَانِ » : قَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ الْكُتَابِ بِالْعَرَبِيّةِ فِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ قَلِيلًا؛ وَكَانَ بَعْضُ الْيَهُودَ قَدْ عَلَّمَ كِتَاب الْعَرَبِيّةِ؛ وَكَانَ تَعَلّمَهُ الصّبْيَانُ بِالْمَدِينَةِ فِي الزّمَنِ الْأَوّلِ؛ فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَفِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ عِدّةٌ يَكْتُبُونَ؛ انْتَهَى مَا قَالَهُ؛ وَكَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ كَتَبَ عِدّةَ رَسَائِلٌ لِلْقَبَائِلِ عِنْدَ وُفُودُ الْعَرَبِ لِلْإِسْلَامِ يُؤَمِّنْهُمْ فِيهَا؛ فَبَعَثَ لِجُهَيْنَةَ وَهُمْ فِي الْبَادِيَةَ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعَةِ رَسَائِلَ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْض أَفْرَادِ الْقَبِيلَةِ يُحْسِنُوا الْكِتَابَةَ وَالْقِرَاءَةَ؛ فَمَّا الْفَائِدَةِ فِي كِتَابْة تِلْكَ الرَّسَائِل وَبَعَثِهَا لَهُمْ ؟؟؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْ كُفّارِ الْجَاهِلِيّةِ : { وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيّكَ حَتّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ }؛ وَفِي قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ }

وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْ حَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ : دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَدِيمٍ؛ وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ عِنْدَهُ؛ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُمْلِيَ وَعَلِيٌّ يَكْتُبُ حَتّى مَلَأَ بَطْنَ الأَدِيمِ وَظَهْرُهُ وَأَكارِعُهُ؛ وَقَدْ خَرّجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَيْضاً : حَدّثَنَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْلَمَةَ بِن قَعْنَبٍ؛ حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بِن بِلَالٍ؛ عَنْ عُتْبَةَ بْن مُسْلِمٍ؛ عَنْ نَافِعِ بن جُبَيْرٍ : أَنَّ مَرْوَانَ بِن الْحَكَمِ خَطَبَ النّاس فَذَكَرَ مَكَّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا؛ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَدِينَةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا؛ فَنَادَاهُ رَافِعُ بْن خَدِيجٍ فَقَالَ: مَالِي أَسْمَعُكَ ذَكَرْتَ مَكَّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا وَلَمْ تَذْكُرْ الْمَدِينَةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا ؟؟؛ وَقَدْ حَرَّمَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا؛ وَذَلِكَ عِنْدَنَا في « أَدِيمٍ خَوْلَانِيٍّ »؛ إِنْ شِئْتَ أَقْرَأْتُكَهُ؛ انْتَهَى؛ وَرَافِعٌ ابْنُ خَدِيجٍ الْأَنْصَارِيّ هَذَا صَحَابِيٌّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ مِمّنْ تَعْلَمَ الْكِتَابَةَ بِالْجَاهِلِيّةِ؛ فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْد فِي « كِتَابِ الطبقات » : كَانَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ يَكْتُبُ بِالْعَرَبِيّةِ فِي الْجَاهِلِيّةِ؛ وَكَانَتْ الْكِتَابَةَ فِي الْعَرَبِ قَلِيلَةً؛ قَدْ اجْتَمَعَتْ فِي أُسَيْدٍ؛ وَفِي سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ؛ وَرَافِعَ بِن خَدِيجٍ .

وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو ابْنُ أَبِي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ : لَمَّا جَمَعَ أَبِي أَشْعَارِ الْقَبَائِلَِ، كَانَتْ نَيّفاً وَثَمَانِينَ قَبِيلَةً، فَكَانَ كُلَّمَا عَمَلَ مِنْهَا قَبِيلَةً وَأَخْرَجَهَا إلَى النّاس كَتَبَ مُصْحَفًا بِخَطّهِ وَجَعْلُهُ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، حَتَّى كَتَبَ نَيّفًا وَثَمَانِينَ مُصْحَفًا؛ وَمَعَ كُلّ هَذِهِ الدَّوَاوِينِ الّتِي صَنَعَهَا الرّاوِيَةُ الشَّيْبَانِيّ - أَحَدِْ عُلَمَاءِ الْقَرْنِ الأَْوَّل الْهِجْرِيِّ - يَقُول: مَا انْتَهَى إِلَيْكُمْ مِمَّا قَالَتْ الْعَرَبُ إِلَّا أَقَلَّه؛ وَلَوْ جَاءَكُمْ وَافِراً لجَاءَكُمْ عِلْمٌ وَشِعْرٌ كَثِير .

وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا فِي « كِتَابِ جُهَيْنَةَ » مِنْ أَشْعَارٍ لِلْجُهَنِيِّين ضَمّهَا ذَلِكَ الدِّيوَانِ الضَّائِع؛ مَا جَاءَ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى « أَشْعَار جُهَيْنَةَ وَأَيَّامِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالإِْسْلاَمِ »؛ وَإِنْ كَانَ لِسَانُ حَالِي فِيهِ بِالشِّكَايَةِ يَنْطِقُ وَيَقُول :
أَسِيرُ خَلْفَ رِكَابِ الْقَوْم ذَا عَرَجٍ ...... مُؤَمِّلاً كَشْف مَا لاَقَيْتُ مِنْ عِوَجِ
فَإِنْ لَحِقْتُ بِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا سَبَقُوا ...... فَكَمْ لِرَبِّ الْوَرَى فِي ذَاكَ مِنْ فَرْجِ
وَإِنْ بَقِيَتُ بِظَهْرِ الْأَرْضِ مُنْقَطِعًا ...... فَمَا عَلَى عَرَجٌ فِي ذَاكَ مِنْ حَرْجِ


ابْنُ الْسَّجْرَاء الْجُهَنِيّ :
الشّاعِرُ ابْنُ الْسَّجْرَاء: َهُوَ مِنْ حُرْقَةِ جُهَيْنَةَ؛ وَالْحُرْقَةُ هُمْ بَنُو حُمَيْسٍ بْنِ عَامِرٍ بْنِ مَوْدُوعَةَ مِنْ جُهَيْنَةَ؛ كَانُوا حُلَفَاءَ لِلْحُصَيْنِ بِنْ الْحُمَامِ السَّهْمِيِّ؛ وَبَشامَةُ بِنْ الْغَدِيرِ الْسَّهْمِيُّ؛ شَاعِرٌ جَاهِلِيٌّ؛ عُرِفَ وَاشْتَهَرَ بِابْنِ الْسَّجْرَاء؛ وَالْسَّجْرَاءُ أُمّهُ نُسِبَ إلَيْهَا؛ وَهُوَ مِنْ الشّعَرَاءِ الَّذِينَ غَلَبَ لَقَبُهُمْ عَلَى اسْمِهِمْ فَلَمْ يُعَرِّفُوا إِلاَّ بِهِ؛ وَمِنَ الّذِينَ نُسِبُوا إلَى أُمّهَاتُهُمْ؛ وَمِنْ شِعْرِهِ مَا قَالَهُ يَوْمَ دَارَةُ مَوْضُوعٍ :
لَمّا أَتَانَا جَمْعُ قَيْسٍ وَوَاجَهَتْ ....... كَتَائِبُ خُرْسٍ بَيْنَهُنَّ زَفِيْفُ
فَلَمّا عَلَتْ دَعْوَى حُمَيْس بْن عَامِرٍ ..... وَقَدْ كَلَّ مَوْلَانَا وَكَادَ يَحِيفُ
هَمَمْنَا بِهِ ثُمّ ارْعَوَيْنَا حَفِيظَةً ....... فَذَلَّ بِنَا غَاشٍ وَعَزَّ حَلِيْفُ


وَمَوْضُوعٍ مِنْ أَيّامِ جُهَيْنَةَ وَوَقَائِعَهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ الْأُولَى؛ وَقَدْ أَنْشَدَ فِي ذَلِكَ الْيَوْم
البُغَيْتُ الجُهَنِيّ أَحَدُ فُتَّاكِ الْجَاهِلِيّةِ الْصَعَالِيك؛ شَاعِرٌ عَدَّاءٌ شُجاع؛ وَقَعَ فِي اسْمِهِ تَصْحِيفٌ كَبِير؛ وَالصّحِيحَ أَنَهُ البُغَيْت : بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِوَاحِدَةِ مِنْ أَسْفَلَ؛ ثُمَّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ؛ وَآخِره تَاءٌ مُثَنَّاةٌ مَنْقُوطَةً بِاثْنَتَيْنِ مِنْ فَوْق؛ كَذَا قَيّدَهُ الآمِدِيَّ؛ وَرَوَى بِأَنّهُ سُمّيَ البُغَيْت لِأَنّهُ يَأْتِي النّاسَ بَغْتاً؛ وَهُوَ الْقَائِلُ :
وَنَحْنُ وَقَعْنَا فِي مُزَيْنَةَ وَقْعَةً ....... غَدَاةَ الْتَقَيْنَا بَيْنَ غَيقٍ وَعَيْهَمَا
وَنَحْنُ جَلَبْنَا يَوْمَ قُدْسٍ وَآرَةٍ ....... قَنَابِلَ خَيْلٍ تَتْرُك الْجَوَّ أَقْتَمَا
وَنَحْنُ بِمَوْضُوعٍ حَمَيْنا دِيَارَنَا ...... بأَسْيَافِنَا وَالسَّبْيَ أَنْ يُتَقَسَّمَا


وَقَالَ أَيْضا عَبْدُ الرّحْمَنِ ابْنِ حُرَيْثٍ الْجُهَنِيّ؛ مِنْ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيّةِ الْمَغْمُورِينَ وَأَنْشَدَ :
تَرَكْنََا بِذِي أََسْمَاءَ مِنْهُمْ مُحَلَّمَاً ...... وَنَوْقَلَ يَحْبُو وَابْنَ ضَمْرَةَ حِذْيَمَا
وَمَا إِنْ قَتَلنَاهُمْ بِأَكثَرَ مِنْهُمُ ...... وَلكنْ بأَِوْفََى فِي الطّعَانِ وَأََكرَمَا

وَأَوْرَدَ الْأَبْيَاتَ أَبُو الْعَلَاءَ الْمَعَرّي فِي مُصَنّفِهِ « الْصّاهِلُ وَالشَّاحِجُ » وَلَمْ يُسَمّهِ؛
وََقَال: وَالْقَائِلُ فِي قَدِيمِ الأَْزْمَان .

وَأَنْشَدَ سِنَانُ بِن جَابِرٍ الْجُهَنِيُّ فِي وَقْعَةِ مَرْجِ رَاهِطٍ الْمَشْهُورَةِ؛ وَكَانَتْ الْوَاقِعَةُ قَدْ نَشَبْت بَيْنَ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ وَبَنِي كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ وَجُهَيْنَةُ بِن زَيْد الْقُضَاعِيَيْن؛ فَكَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ اشْتَرَكَ مَعَ قَبَائِلُ قَيْسٍ: تَمِيمٍ؛ وَبَنِي سُلَيْمٍ؛ وَمُزَيْنَةَ؛ وَذُبْيَانُ؛ وَبَنِي عَامِرٍ؛ وَعَبْسٍ؛ وَفَزَارَةُ؛ فَانْهَزَمَتْ قَيْسِ وَأَحْلاَفِهَا؛ وَكَانَ قَدْ اسْتَحَرّ الْقَتْلَ فِيهِمْ؛ فَقَالَ الْجُهَنِيّ :
يَا أُخْتَ قَيْسٍ سَلِي عَنَّا عَلَانِيَةً ...... كَيْ تُخْبَرِي مِنْ بَيَانِ الْعَلَمِ تِبْيَانا
إنّا ذَوُو حَسَبٍ مَالٌ وَمَكْرُمَةٌ ...... يَوْمَ الْفَخَارِ وَخَيْرَ النّاسِ فُرْسَانا
مِنَّا اِبْنُ مُرّةَ عَمْروٍ قَدْ سَمِعْت بِهِ ...... غَيْثُ الْأَرَامِلِ لاَ يَرْدِينَ مَا كَانَا
وَالْبُحْدِلي الَّذِي أَرَدْت فَوَارِسُهُ ...... قَيْسًا غَدَاةَ اللِّوَى مِنْ رَمْلِ عَدْنَانا
فَغَادَرْت حِلْبَساً مِنْهَا بِمُعْتَرَكٌ ...... وَالْجَعْدَ مُنْعَفِراً لمْ يُكْسَ أَكْفَانا
كَأَنَّ تَرْكَنَا غَدَاةَ الْعَاهَ مِنْ جَزْرَ ...... لِلطّيْرِ مِنْهُمْ وَمِنْ ثَكْلَى وَثَكْلانا
وَمِنْ غَوانٍ تَبْكِي لاَ حَمِيْمٍ لَهَا ...... بِالعَاهِ تَدْعُو بَنِي عَمٍ وَإِخْوَانا


وَالعَاه وَقْعَةٌ أَصَابَتْهُم أَيْضَا؛ قَالَ يَاقُوتً فِي « مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ » : وَيَوْمُ الْعَاه مِنْ أَيّامِ الْعَرَب؛ أَوْقَعَ فِيهِ حُمَيْد بْنِ حُرَيْثٍ الْكَلْبِيُّ بِبَنِي فَزَارَةَ؛ وَاِبْنُ مُرّةَ هُوَ: عَمْرُو بْن مُرّةَ الْجُهَنِيّ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ؛ وَلّاهُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قِيَادَةَ جُيُوشِ الْفُتُوحَاتِ؛ وَكَانَ مِنْ أَبْطَالِ الْإِسْلَامِ؛ لَقَبَهُ مُعَاوِيَةَ - : « بِأَسَدِ جُهَيْنَةَ »؛ وَالْبُحْدِلي هُوَ: حُمَيْد بْنِ حُرَيْثٍ الْكَلْبِيُّ خَالُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ؛ وَمِنْ أُمَرَاءِ الْعَرَبِ؛ قَوْلُهُ فِي الْأَبْيَاتِ أَنّهُ جُهَنِيَّ؛ فَلَعَلّهُ مِنْ كَلْبِ جُهَيْنَةَ؛ وَقَدْ أَلْفَيْت فِي الْمُجَلَّدةِ الثّالِثَة مِنْ « دِيوَانِ شُعَرَاءِ بَنِي كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ » فِيِ نُسْخَتِهِ الشَّامِيَّة الّتِي صَنَعَهَا البَيْطَار؛ مَا أَنْشَدَهُ عَمْرُو اِبْنُ الْمِخْلاَةِ الْكَلْبِيّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ قَصِيدَتِهِ الَّتِي فِيْهَا :
أَبَحْنَا حِمًى لِلْحَيّ قَيْسٍ بِرَاهِـطِ ...... وَوَلّتْ شِلاَلاً وَاسْتُبِيحَ حَرِيمُهَا
يُبَكِّيهم حَـرانَ تَجْرِي دُمُوعُهُ ...... يُرَجِّي نِزَارًا أََنْ تَئُوبَ حُلُومُهَا
فَمُتْ كَمَدًا أَوْ عِشْ ذَلِيلًا مُهَضَّمًا ...... بِحَسْرَةِ نَفْسٍ لَا تَنَامُ هُمُومُهَا
إذَا خَطَرَتْ حَوْلِي قُضَاعَةَ بِالْقَنَا ...... تَخَبَّطَ فِعْـلَ المُصَعَّبَاتِ قُرُومُـهَا
خَبطْتُ بِهِمْ مَنْ كَأَدْنِي مِنْ قَبِيلَةٍ ...... فَمَنْ ذَا إِذَا عَزَّ الْخُطُوبُ يَرُومُهَا



[/QUOTE]