[dci]شكرا على التفاعل .. يا أغلى من الألماس

الحلقة الخامسة


[align=justify]المتتبع لإنتاج الشاعر يلاحظ دون عناء أن كل قصائد الشاعر التي يذكر فيها ينبع ويصور فيها حرارة الشوق ولواعج الاشتياق والتحسر على أيامه الماضية فيها وحنينه إلى العودة إليها ماهي إلا مدخل لمدح أمير ينبع إبراهيم باشا عواد أو نجله زارع أو أديبها الكبير محمود لافي
هذا الملحظ موجود في كل القصائد دون استثناء ففي قصيدة السفينة بعد أن مر على ذكر ينبع والشوق إليها خلص إلى المديح والإطراء لوالي ينبع[/align]

[poem=font="Simplified Arabic,5,#000000,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]
لقد سبقت لله فيكم محبة = فصار " ابن عواد " لكم والي الأمر
كثير الندا رب الصنيعة في العدا = طويل المدا وافي الجدا واحد العصر
كريم حوى في بطن راح يمينه = سبيلا بها الأرزاق تنساب كالتبر
سخي إذا ما الغيث سح بودقه = يسيح لنا من جوده وابل القطر
على المال بذلا سلط الله كفه = فلم يبق منه في الديار سوى الذكر
وإن جئت تبغي منه أية حاجة = رأيت محياه تهلل بالدر
فمن وجهه تبدو السماحة للورى = ومن كفه للناس أمن من الفقر
مضت لي أويقات بها كنت أجتني = ثمار الهنا من روض أيامه الغر
وكنت أنا الأوفى لتحرير نطقه = وكنت أمين القول في السر والجهر
أروح أجر الذيل تيها بعزة = وأغدو قرير الطرف منشرح الصدر
أما لو وهبت الروح شكرا لفضله = لما قمت بالمعشار من واجب الشكر
ولن أنسى طول الدهر حسن صنيعه = إذا عشت أو إن ضمني اللحد في القبر
فكم غمرتني بالنوال يمينه = وكم توجتني بالمهابة والبر
فنذرا إذا جاد الزمان بعودتي = ونوديت بالترحيب من جانب القصر
لأدخل من أبواب ساحة جوده = وأملأ من أصناف أمواله حجري
وأرفل بعد الفقر في حلل الغنى= وأغمد سيف اليسر في هامة العسر
ألا أن " عوادا " تعود كلما = تجلى له وجه السعادة في الدهر
تمنى على الرحمن نسلا مباركا = فجاء بـ " إبراهيم " في ليلة القدر
فطين بما يأتي بصير بما أتى = خبير بما يجريه في النهي والأمر
رؤوف على المسكين يبدي بشاشة = ويعظم في عين الذي تاه بالكبر
ويعفو عن الجاني المسئ تكرما = ويقبل أعذار الذي جاء بالعذر
إذا رام أمرا هم فيه بهمة = وعزم قوي جل عن قوة الصخر
لقد حاز بالإجمال كل فضيلة = وفصل في أحكامه حسبما يدري
فلولاه ما كانت " جهينة " تهتدي = إلى الحكم والأحكام في البر والبحر
ولولا أناة فيه عزت لأوقدت = " قبائل حرب " زفرة الحرب بالجمر
يقود زمام العرب باللين والسخا = ومن لم يقد باللين ينقاد بالجبر
ومن يستحق البر أولاه بره = ومن يستحق الزجر وافاه بالزجر
ألا إن " إبراهيم " ساس أمورهم = وألف بين الشاة والذئب في البر
وقدم إنصاف الضعيف على القوي = وقام بنصر العبد رغما من الحر
وقد جد في إصلاح كل قبيلة= وكف أكف المعتدين عن الشر
فأمست به عين الزمان قريرة = كما دهره أضحى به باسم الثغر[/poem]

[align=justify]وبعد أن فرغ من ذكر ينبع في قصيدة " يا قلب دعني " خلص إلى مدح "زارع " أبن إبراهيم عواد[/align]
[poem=font="Simplified Arabic,5,#000000,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]

أولم تر الرحمن أولى أهله = عز الجوار كرامة لبنيه
فأعاد صولة " آل عواد " له = وأقام فيه " زارعا " كأبيه
مولى أقر العدل فيه بعدما = كادت مظالم غيره تفنيه
مرآة والده وبهجة أهله = وسراج عترته وبدر ذويه
حبر إذا لهج اليراع بوصفه = وافته ألسنة الثنا تمليه
يقضي بحق عدوه وصديقه = حتى لو إن الحق عند أخيه
ما في الأفاضل منه أشرف رتبة = كلا ولا في الفضل من يحكيه
لو أن للشمس المنيرة ماله = من رفعة لتخطرت بالتيه
أو لو أتت في كفه يوم الندى = لم يعتبرها درهما يعطيه
أو لو تزوجت الثريا ليلة = بالبدر ما حملت له بشبيه
فطن حوى من كل فن لبه = وروى العلوم وفاق كل بنيه
ما عطر النادي بطيب حديثه = إلا وفاح المسك من ناديه
أو لو سرى في الليل حادثة يرى = نورا بدا من نوره يهديه
فالفضل يعرفه ويشهد أنه = هو عز دولته وفخر ذويه
يا حبر هذا العصر يا مفضاله = يا " زارع " المعروف في أهليه
إذ أنتم كلفتم فكري به = = فغدا بطيب مديحكم ينشيه
الله حسبك حيث قد أنقذتني = من لوعة الشوق الذي أنا فيه
برسالة تشفي العليل كأنها = ريح القميص أتى به ملقيه
ونثرت لي ذكرا علا من بعدما = كان الحسود بزعمه يطويه
فالشعر فني غير أني قاصر = عما إليك قريحتي تهديه
دمع اعترافي بالقصور وما أنا = فيه من الخجل الذي أبديه
هذي رسول لي إليك وليتني = كنت الرسول لها لمن تأتيه
فاستجلها بكرا أتى تاريخها = البأس صار لـ " زارع " وأخيه[/poem]

[align=justify]وفي قصيدة " زمان يابن لافي " يمدح محمود لافي بعد وصف حنينه إلى ينبع طبعا[/align]
[poem=font="Simplified Arabic,5,#000000,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]

فإن عاد الزمـان وعـدت فيـه=كما قد كنت فـي زمـن ائتلافـي
فلا أنعـي هنـاك علـى شيـوخ=سواك من المشائخ يا " ابن لافي "
فأنت الشيخ مقري الضيف مجري=سيـول دم الذبائـح للصـحـاف [/poem]

[align=justify]وفي القصيدة الأخرى " أخا الندمان " كذلك[/align]

[poem=font="Simplified Arabic,5,#000000,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]

وإن تصحب فصاحب كل حر = أخا همم " كمحمود بن لافي "
فتى في المهد أرضع ثدي عزم = وظل عن المراضع في انحراف
وحالفه السلاح فكان منه = بمنزلة الحسام من الغلاف
ولازمه الكمال فشب فيه = على التقوى وشاب على العفاف
وقد دام الوقار له ولفت = عمامته عليه بلا خلاف
وأليس ثوبه " المحرود "تيها = على ثوب من الإجلال صاف
وجر إذا مشى في الأرض ذيلا = من " الفيلان " مسبول الحوافي
فتاه على الشيوخ وراح يبغي = مسامرة الضيوف على الصحاف
وإن يشكو الضعيف إليه ظلما = من الأعدا تعهد بالكفاف
فصفه بالكمال ولا تغالي = على ما فيه من حسن اتصاف
أيا من فاق ذكرا عن " بدين " = وشبه في سماحته " بلافي "
وجرد سيفه في الحي ليلا = فأومض برقه بين الفيافي
وهز الريح في اليمنى فأضحت = به أركان " رضوى " في ارتجاف[/poem]

[align=justify]وهكذا في كل القصائد الخاصة بينبع وتكاد هي أكثر ماأثبته الأستاذ عبد الكريم الخطيب من قصائده

وقد يقول قائل : وما العيب في هذا ؟ فالمدح باب كبير من أبواب الشعر العربي وطرقه كثير من الشعراء العظام ولولاه لما عرفنا حياة أكثر الشخصيات الممدوحة
وهذا القول صحيح بالنظر إلى هدف الممدوح فإن كان القصد منه الثناء على أرباب الفضل وأصحاب المعالي دون النظر إلى مكسب شخصي فلا بأس به بل أنه مطلوب كما كان يفعل زهير بن أبي سلمى في مدح هرم بن سنان والإشادة بدوره في الصلح بين عبس وذبيان حتى لو ناله شيئ من العطاء بعد ذلك فإنه لم يطلبه ولم يكن هو هدفه

"قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابن هرم بن سنان: أنشدنى ما قال فيكم زهير: فانشده فقال: لقد كان يقول فيكم فيحسن! قال: يأميرالمؤمنين و كنا نعطيه فنجزل قال: ذهب ما أعطيتموه و بقى ما أعطاكم"

وهذا كلام حق وينطبق على شاعرنا القفطي فقد خلد ينبع في قصائده وبقي مدحه لإبراهيم وزارع ومحمود لافي ,, وذهب ما وهبوه له من الأموال

نحن لا نتحدث عن هذا ولكن نتحدث عن التكسب بالشعر والاتجاه إلى المدح طمعا في المال والأستاذ الرائد محمد حسن عواد كان يصف شعراء المدح بحملة المباخر وأن شعرهم لا يعبر عن أهداف الشعر وإنما يلبس لكل حالة لبوسا .. وهذا ما كان يعاب على شاعر العربية الكبير المتنبي .. لايعيب الشاعر فنيا ولكنه يقدح في مروءته وينقص من كرامته الشخصية أما فنيا فقد يتقمص الحالة ويكسبها صدق العاطفة وحرارة المشاعر تبعا للقدرة والتمكن الشعري وهو ما كنا نلحظه في مدائح المتنبي وفي مدائح شاعرنا القفطي
ولو قارناها بمدائح زهير لهرم بن سنان وهي مدائح صادقة لا تهدف إلى التكسب كما ذكرنا لوجدنا أن مدائح المتنبي ومدائح شاعرنا القفطي تفوقها بمراحل رغم أنها ليست صادقة

أقول ليست صادقة لأن كل مديح ينتهي باستجداء صريح دون تردد فإنما يعبر عن حالة ليست صادقة حتى لو استطاع الشاعر ببراعته أن يلبسها صدق العاطفة وحرارة المشاعر
أنظر في " السفينة " بعد الفراغ من المدح ماذا قال [/align]

[poem=font="Simplified Arabic,5,#000000,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]
فنذرا إذا جاد الزمان بعودتي = ونوديت بالترحيب من جانب القصر
لأدخل من أبواب ساحة جوده = وأملأ من أصناف أمواله حجري
وأرفل بعد الفقر في حلل الغنى= وأغمد سيف اليسر في هامة العسر[/poem]

وقد بدا الهدف من المدح جليا (أملأ من أصناف أمواله حجري ) ولفظة أمواله هنا تحدد الهدف تماما فهو لم يقل أفضاله أو كرمه أو ما شابهها
وفي المجداف السادس يقول :
[poem=font="Simplified Arabic,5,#000000,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]

من عاش في كنف " ابن عواد " رقى = أوج الكمال وعاش في عيش الهنا
ما في الورى شخص فقير أمه = إلا وبعد الفقر أصبح في غنى [/poem]

[align=justify]ومن قصيدة طويلة يمدح فيها زارع إبراهيم عواد ويطلب منه أن يتوسط له عند والده يختمها بما يلي :[/align]

[poem=font="Simplified Arabic,5,#000000,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]
فاذكره با " زارع "الخيرات فيه لدى = أعتاب والدك السامي على الرتب
وقل لناظمها الراجي مكارمكم = أقبل وأرخ تجد ما شئت عند أبي
[/poem]

[align=justify]وقصيدة إلى كم أقاسي التي يمدح فيها محمود لافي يختمها بهذا البيت الذي يدل على أنه لا يقدم القصائد دون ثمن [/align]

[poem=font="Simplified Arabic,5,#000000,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]
فإن طال فـي ينبـع عمـره=فمنه الهدايا ومنـي القصيـد[/poem]

[align=justify]وقصيدة أخا الندمان يشبهها بالعروس التي تحتاج إلى صداق ويحدد الصداق ( خذ وهات ) وذلك بعد أن يفرغ من مدح ابن لافي [/align]

[poem=font="Simplified Arabic,5,#000000,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]
ودونك يا " ابن لافي " بنت فكر = تهز إليك أرداف القوافي
لها وجب الصداق عليك خمس = من الحاجات حيث الدفع واف
" قزاز " و " الدمالج " ثم " حقو " = يساق مع الخزانة واللحاف
فلا تملك عليها عند قاض = كقاضي ينبع كنز العفاف
يراودها وإن لم يحظ منها = فضى حتما بتحريم الزفاف
فقابلها بوجه الصفو دوما = أخا الندمان إن رمت التصافي [/poem]

[align=justify]والقصيدة الزجلية التي أوردها أخونا المهندس شكري حجازي يختمها بهذه الأبيات التي يصف فيها جلوسه في قهوة الشامي والطلب على حساب زارع أفندي [/align]
[poem=font="Simplified Arabic,5,#000000,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]
قهوة وتعميرة ودخان = وأقول لـ " حامد " ولع لي
وإن خس مصروفي يا فلان = " زارع " أفندي يدفع لي[/poem]

[align=justify]وهو يطلب أي شئ حتى الشاهي إذا اشتهاه[/align]

[poem=font="Simplified Arabic,5,#000000,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]
بحقـك إن دعـوت القـوم ليـلا=لشرب الشاي في حرم التصافـي
لأني قـد مرضـت إليـه شوقـا=وشرب الشاي للأمـراض شافـي [/poem]

[align=justify]هذا مالا حظته في كل قصائده التي تبدأ بذكر ينبع ثم تفضي إلى المدح ثم تنتهي بالسؤال وهو يفرط أحيانا في السؤال فيحدد ما يريد بالضبط دون أن يضع اعتبارا لشخصيته أو كرامته وتأمل معي الخضوع المذل في آخر قصيدة زمان يابن لافي وهو يطلب منه أن يبلغ السلام إلى زارع[/align]

[poem=font="Simplified Arabic,5,#000000,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]
فسلـم لـي عليـه سـلام عبـد=إليـه يقـاد منتعـلا وحـافـي [/poem]

[align=justify]وهذه النماذج من الاستجداء المتواصل تؤيد ما توصلنا إليه في الحلقة الماضية بأن القفطي لم يكن تاجرا وإنما كان يتكسب من الشعر أليس هو القائل:[/align]

[poem=font="Simplified Arabic,5,#000000,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]
تعلمت نظم الشعر قصدا لمدحه = ففقت جريرا وامرأ القيس في شعري
فإن رمت فيه المدح جادت قريحتي = بما تزدري بالدر في النظم والنثر[/poem]




في الحلقة القادمة هل غادر الشاعر ينبع بطوعه واختياره ؟
وما الذي منعه من العودة
[/dci]