قَالَ ابِنُ غُنَيْم الْجُهَنِيّ - عَفَا اللّهُ عَنْهُ - :
وَيَحْسُنُ أَنْ نُورِد قَصِيدَةً جُهَنِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِسُوَيْقةَََ مِنْ أَرْضِ يَنْبُعَ؛ بَعْدَ مَا جَرَى مِنْ تَخْرِيبِهَا فِي ثَوْرَةَ مُحَمّد بْن عَبْدِ اللّهِ بْن الْحَسَنِ الْطَالِبِيُّ فِي عَهْدِ الْخَلِيفَةَ الْمَنْصُور؛ قَالَهَا شَاعِرٌ يَنْبُعِيّ جُهَنِيّ؛ هُوَ سَعِيد ابْنُ عُقْبَةَ الْجُهَنِيّ، أَوْرَدَ الْبَكْرِيّ فِي مُعْجَمِهِ سَبْعَةً مِنْ أَبْيَاتِهَا؛ وَأَوْرَدَهَا كَامِلَةً أَبُو حَيَّان التّوحِيدِيّ فِي كِتَابِ « الْبَصَائِر وَالذَّخَائِرِ » وَلَكِنّهُ سَمّى الشّاعِرَ شَدّاد بْن عُقْبَةَ؛ وَهُوَ سَعِيد كَمَا فِي « الْأَغَانِي » لِلْأَصْبَهَانِيّ؛ « وَمُعْجَمِ مَا اسْتَعْجَمَ » لِلْبَكْرِيّ ؛ « وَالْأَمَالِي » لِيَمُوتَ بِن الْمُزْرِع؛ قَالَ الشّاعِرُ الْجُهَنِيّ : مِنْ البَسِيطِ - :
إنّي مَرَرْتُ عَلَى دَارٍ فَأَحْزَنَنِي .... لَمَّا مَرَرْتُ عَلَيْهَا مَنْظَرُ الدّارِ
وَحْشٌ خَلَاءٍ كَأَنْ لَمْ يَغْنَ سَاكِنِهَا ...... لِمُعْتَفِينَ وَقُطَّانٍ وَزُوَارِ
مَنْ لِلْأَرَامِلِ وَالأَْيْتَامِ يَجْمَعُهُم ...... شَتّى الْمَوَارِدِ مِنْ حَِلْسٍ وَأَكْوَارِ
مَأْوَى الْغَرِيبُ وَسَارِيَ اللّيْلُ مُعْتَسِفاً ...... وَعِصْمَةُ الضّيْفِ وَالْمِسْكِينِ وَالْجَارِ
بِهَا مَسَاكِنَ كَانَ الضَّيْفُ يَألفُهَا ...... عِنْدَ التَّنَسُّمِ مِنْ نَكْبَاءَ مِهْمَارِ
فِيهَا مَرَابِطُ أَفْرَاسٍ وَمُعْتلَجٌ ...... وَحَامِلٌ أُخْرَيَاتِ اللَّيْل منْ مَارِ
فِيهَا مَعَالِمٌ إلّا أَنّهَا دَرَسَتْ ...... مِنْ وَاردِيِنَ ونُزَّالٍ وَصدَّارِ
فِيهَا مَغَانٍ وَآيَاتٌ وَمُخْتَلفٌ ...... فِي سَالِفِ الدّهْرُِ مِن بَادٍ وَحُضَّارِ
ثُمَّ انْجَلَتْ وَهِيَ قَدْ بَادَتْ مَعَالِمُهَا ...... أَلْقَى الْمَرَاسِى فِيهَا وَابِلٌ سَارِ
وَخَاوِيَاتٍ كَسَاهَا الدّهْرُ أَغْشِيَةً ...... مِنْ الْبِلَى بَعْدَ سُكّانٌ وَعُمَّارِ
جارَ الزَّمَانُ عَلَيْهَا فَهِيَ خَاشِعَةً ...... طَوْرَينِ مِنْ رَائِحٍ يَسْرِي وَإِمْطَارِ
فَغَاضَتْ الْعَيْنُ لَمَّا عِيلَ مَجرَّعهَا ...... فَيْضَ القَرِيّ جَفَّتْ عَنْهُ يَدُ القَارِي
وَدَارَتْ الْأَرْضُ بِي حَتّى اعْتَصَمْتُ بِهَا ...... وَأًستَكَّ سَمْعِي بِِعْرفَانٍ وَإِنْكَارِ
حَتّى إذَا طَالَ يَوْمٌ مَا يُفَارِقُنِي ...... مَا أَوْجَعَ الْقَلْبُ مِنْ حُزْنٍ وَتَذكارِ
وَحَانَ مِنّي انْصِرَافُ الْقَلْبِ وَانْكَشَفَتْ ...... عَمْياءُ قَلْبٍ شَراهُ النّوْمَ مِهْجَارِ
لَا يُبْعِدِ اللّهُ حَيّاً كَانَ يَجْمَعْهُمُ ...... مُنَدَّى سُوَيْقةَََ أَخْيَاراٌ لأَخْيَارِ
البَاذِليْنَ إِذَا مَا الثَّقْلَ أَعْدَمهُمُ ...... جَادَتْ أَكُّفُهُمُ بِالْجُودِ مِدْرَارِ
وَالرّافِعِينَ لِسَارِيَ اللّيْلِ نَارَهُمُ ...... حَتَّى يَجِيءَ عَلَى سِدْرٍ مِنْ النّارِ
وَالْدَّافِعِينَ عَنْ الْمُحْتَاجِ خَلَّتَهُ ...... حَتَّى يَحُوزَ الْغِنَى مِنْ بَعْدِ إِقْتارِ
وَالْقَائِلِينَ لَهُ أَهْلًا بِمَرْحَبْةٍ ...... لُجْ فِي اِنِفسَاحٍ وَرَحبٍ أَيُّهَا الْسَّارِي
وَالْضَّامِنينَ الْقِرَى فِي كُلِّ رَاكِدَةٍ ...... فِيهَا سَدِيفُ شَظَايا تَامِكٍ وَارِي
وَالْمُدْرِكِينَ حُلُوماً غَيْرَ عَازِبَةٍ ...... الْنَاهِضِيْنَ بِجَدٍّ غَيْرِ مِعْثَارِ
وَالْعَاطِفِيْنَ عَلَى الْمَوْلَى حُلومَهُمُ ...... حَتَّى يَفِيءَ بِحِلْمٍ بَعْدَ إِدْبَارِ
وَالْعَائِدينَ إذْا ضَنَّتْ بِدَرَّتِهَا ...... أُمُّ الْفَصِيلُ فَلَمْ تَعْطِفْ بِإِدْرَارِ
وَاليَاسِرِينَ إذَا مَا شَتْوةٌ جَمَدَتْ ...... فَلَمْ يُحَسَّ بِنَارٍ قِدْرُ أََيْسَارِ
وَالْمَانِعِينَ غَدَاةَ الرّوْعِ جَارَهُمُ ...... بِكُلِّ أَجْرَدَ أَوْ جَرْدَاءَ مِخْطَارِ
وَالْرّافِعِينَ صُُدُورَ الْعِيْسِ لاَغِبَةً ...... تَبْغِي الْإِلَهُ بِحُجَّاجٍ وَعُمَّارِ
عَلَى حَرَاجيجَ أَظْلاَعٌ مُعَّودَةٍ ...... تَرْمِي الفِجَاجَ بِرُكْبَانٍ وَأَكْوَارِ
فَلَيْتَنِي قَبْلَ مَا آسَى لِحُزْنِكُم ...... وَكُلُّ شَيءٍ بِمِيْقَاتٍ وَمِقْدارِ
لفَّتْ عَلََيَّ شِفَاهُ الْقَبْرِ فِي جَدَثٍ ...... عُرَى الْمَنُونِ فُرَادَى تَحْتَ أَحْجَارِ
وَلَمْ أَرَ العَيْشَ فِي الدّنْيَا وَلَمْ يَرَني ...... وَلَمْ يَجيئْني بِأَنْيَابٍ وَأَظْفَارِ
وَلَمْ أُفِضْ عَبَراتٍ مِنْ مُواكَلَةً ...... عَلَى كَرِيمٍ بِسَفْحِ الوَاكِفِ الْجَارِي


قَالَ ابِنُ غُنَيْم الْمَرْوَنِيَّ :
هَذَا مَا رَأَيْتَهُ مِنْ الْقَصِيدَة وَالَّتِي جَاءَتْ فِي 32 بَيْتًا؛ وَلَمْ أَرَهَا مَضْبُوطَةً فِي الْمَصَادِرِ الَّتِي ذَكَرَتْهَا؛ وَقَدْ اجْتَهَدْتُ فِي ضَبْطِهَا وَتَحْرِير أَلْفَاظِهَا؛ وَالشّاعِر مَجْهُولٌ عِنْدِي؛ وَكَنّاهُ ابْنُ ظَافِرٍ الْأَزْدِيّ فِي كِتَابِهِ « بَدائِعِ البَدائِه » بِأَبِي الْمُجِيب؛ وَأَوْرَدَ لهُ قِصّةُ الْقَتَال الْكِلَابِيّ مِنْ رِوَايَتِهِ؛ وَالْمَرَثيّ بِالْقَصِيدَةِ يُكَنّى أَبَا عَبْدِ اللّهِ الْمَدَنِيّ؛ وَهُوَ مُحَمّد بْن عَبْدِ اللّهِ بْن حَسَنِ بْن حَسَنٍ ابْنُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ الْقُرَشِيّ؛
وَبِهِ عَنَى الشّاعِر سَلَمَةُ بْن أَسْلَمَ الْجُهَنِيّ بِقَوْلِهِ :
إنّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ مُحَمّدٌ إِمَامَا ...... بِهِ يَحْيَى الْكِتَابِ الْمُنَزّلِ
بِهِ يَصْلُحُ الْإِسْلَامِ بَعْدَ فَسَادِهِ ....... وَيَحْيَى يَتِيمٌ بَائِسٍ وَمَعُولِ
وَيَمْلَأُ عَدْلًا أَرْضِنَا بَعْدَ مِلْئِهَا ..... ضَلَالاً وَيَأْتِينَا الّذِي كُنْت أَمُلِ



وَمِمّا أَلْفَيْته عِنْدَ يَمُوتَ بِن الْمُزْرِعِ فِي « كِتَابِ الْأَمَالِي » نُسْخَةِ مَجَلَّةُ مَجْمَعِ اللُّغَةِ الْعِلْمِيِّ بِدِمَشْقَ؛ عَنْ سَبَبِ قَوْلِ شَاعِرِنَا لِهَذِهِ الْقَصِيدَةِ؛ مَا يَلِي :
قَالَ يَمُوتَ بْنِ الْمُزْرِعِ؛ عَنْ ابْنِ الْمَلاَّح؛ عَنْ أَبِيهِ؛ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْن جَعْفَرِ بْن إبْرَاهِيمَ؛ عَنْ مُوسَى بْن عَبْدُ اللّهِ بْن حَسَنِ؛ قَالَ : خَرَجْتُ مِنْ مَنَازِلَنَا بِسُوَيْقَةََ جُِنْحَ لَيْلٍ؛ وَذَلِكَ قَبْلَ خُرُوج مُحَمَّدٌ أَخِي؛ فَإِذَا أَنَا بِنِسْوَةٍ تَوَهَّمْتُ أَنَّهُنَّ خَرَجْنَ مِنْ دَارِنَا؛ فَأَدْرَكَتْنِي الْغَيْرَةُ؛ فَاتَّبعْتُهُنَّ لَأَنْظُرَ حَيْثْ يُرِدْنَ حَتَّى إِذَا كَانَا بِطَرَفِ الجَمِير ؟؛ الْتَفَتَتْ إحْدَاهُنَّ وَهِيَ تَقُولُ :
سُوَيْقةََُ بَعْدَ سَاكِنِهَا يَبَابُ ....... لَقَدْ أَمْسَتْ أَجَدَّ بِهَا الْخَرَابُ
فَقُلْتُ لَهُنّ : أَمِنْ الْإِنْسُ أَنْتُنَّ ؟؟؛ فَلَمْ يُرَاجِعْنَنِى؛ فَخَرَجَ مُحَمَّدٍ بَعْدَ هَذَا؛ فَقُتِلَ؛ وخُرِّبَتْ دِيَارُنَا !؛ وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ إسْمَاعِيلَ [الْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّمِ] قََال : لَقِيَنِي مُوسَى بْن عَبْدُ اللّهِ؛ فَقَال : هَلُمَّ حَتَّى أُرِيكَ مَا صُُنِعَ بِنَا بِسُوَيْقَةََ؛ فَانْطَلَقْت مَعَهُ؛ فَإِذَا بِنَخْلِهَا قَدْ عُضِدَ عَنْ آخِره؛ وَمَصَانِعُها قَدْ خُرِّبَتْ؛ فَخَنَقَتْني العَبْرَةُ؛ فَقَال : إلَيْك؛ فَنَحْنُ وَاَللّهِ كَمَا قَالَ دُرَيدُ بْن الصِّمَّةِ :
تَقُولُ أَلأَ تَبْكِي أَخَاكَ وَقَدْ أَرَى ....... مَكْانَ الْبُكَا لَكِنْ جُبلتُ عَلَى الْصَّبْرِ

وَقَالَ سَعِيدِ بْن عُقْبَةَ الْجُهَنِيّ : نَزَلَتُ بِبَطْحَاءِ سُوَيْقَةَُ؛ فَاسْتَوْحَشْتُ لِخَرَابِهَا؛ إِلَى أَنْ خَرَجتْ ضَبْعٌ مِنْ دَارِ عَبْدُ اللّهِ بْن حَسَنِ؛ فَقُلْتُ :
إنّي مَرَرْتُ عَلَى دَارٍ فَأَحْزَنَنِي .... لمَّا مَرَرْتُ عَلَيْهَا مَنْظَرُ الدّارِ
وَحْشًا خَرَاباً كأنْ لمْ تَغْنَ عَامِرَةً ...... بِخَيْرِ أَهْلٍ لِمُعْتَرٍّ وَزُوَّارِ
لا يُبعدِ اللهُ قَوْماً كَانَ يَجْمَعْهُمُ...... جَنْبا سُوَيْقةَََ أَخْيَاراً لأَخْيَارِ
الْرّافِعِينَ لِسَارِي اللّيْلِ نارَهُم ...... حَتَّى يَؤُم عَلَى ضَوءٍ مِنْ النّارِ
وَالْرَّافعين عَنْ الْمُحْتَاجِ خَلَّتَهُ ...... حَتَّى يَجُوزَ الْغِنَى مِنْ بَعْدِ إِقْتارِ

.


[/QUOTE]