اللجان الجمركية
في ظل الانضمام لمنظمة التجارة العالمية
إعداد الدكتور. علي بن عيد الحصيني


لقد ترتب على انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية تطوير الكثير من الأنظمة والتشريعات حيث اتخذت المملكة حزمة من الاجراءات القانونية والادارية ذات الصلة بالتجارة والاستثمار لتواكب متطلبات ذلك الانضمام وذلك بوجود جهات قضائية وادارية متطورة تعمل بشفافية عالية وينطبق ذلك على اللجان الجمركية فهي محاكم جمركية ابتدائية واستئنافية وهي الجهات القضائية الاقتصادية التي تحكم تنفيذ التعليمات الخاصة بالاقتصاد عند الاستيراد أو التصدير وهي جهات حيادية لكونها تفصل في خلافات قانونية يكون طرفاها المستورد أو المصدر من جهة، والجمارك من جهة أخرى وتتولى المحكمة الجمركية الابتدائية النظر في جميع جرائم وقضايا التهريب أو الشروع فيه وما في حكمه والنظر في جميع الجرائم والمخالفات التي ترتكب ضد أحكام نظام الجمارك ولائحته التنفيذية وكذلك النظر في الاعتراضات على قرارات التحصيل الخاصة بالغرامات الجمركية.
ومعظم القوانين والاتفاقيات الدولية نصت بشكل صريح على ضرورة وجود جهات قضائية يرجع إليها المستوردون أو المصدرون في حال نشوب خلافات بينهم وبين الدوائر الجمركية واشترطت في معظم الأحيان ضمان وجود جهات استئنافية لضمان عدالة ما يصدر عن تلك الجهات واعطاء المستوردين أو المصدرين فرصة الدفاع وإبداء وجهات نظرهم بشكل يضمن لهم سلامة القرارات التي قد تحملهم غرامات مالية كبيرة. ومع أن اللجان الجمركية الابتدائية أو الاستئنافية عرفت مع بداية تنفيذ النظم الجمركية إلا ان هذا النوع من اللجان قد حظي بأهمية خاصة مع تشابك وتوسع الخلافات الاقتصادية الدولية وازدادت أهميته بعد قيام منظمة التجارة العالمية والتوسع في الاتحادات الجمركية بين دول العالم وأصبح ينظر إلى اللجان الجمركية بنظرة خاصة بين دول العالم فعدالة تلك اللجان عامل مشجع للتعامل مع الدولة التي ترعى وتنظم وجود مثل هذه اللجان.. وهنا اكتسبت تلك اللجان اهمية اضافية إلى الأهمية التي كانت عليها في السابق.
والمهام التي يناط تنفيذها إلى تلك اللجان قد طرأ عليها تغير كبير عما كانت عليه في السابق حيث كانت مسؤولة عن تنفيذ القوانين والنظم المحلية الخاصة بشروط الاستيراد أو التصدير والمواصفات المعتمدة محلياً للسلع على مختلف أنواعها وأشكالها ومن خلال هذه المهمة لتلك اللجان لم يكن صعباً على اعضائها معرفة وفهم واستيعاب مثل تلك القواعد والأنظمة لاسيما وانها تصل إليهم على شكل قرارات أو تعاميم ومن خلال الطرق المعروفة لنشر التعليمات.
أما حالياً فلقد توسعت مهام اللجان الجمركية واصبح نطاقها الجغرافي يمتد إلى أكثر من حدود دولتها لتشمل وتغطي الاقليم الجغرافي المترابط مع بعضه البعض باتحاد جمركي مثل الاتحاد الجمركي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. واصبح من بين مسؤوليات اللجان ضمان تنفيذ الاتفاقيات الدولية التي تلتزم فيها الدولة مثل اتفاقية النظام المنسق، واتفاقية القيمة للأغراض الجمركية واتفاقية حقوق الملكية الفكرية وغيرها من الاتفاقيات الدولية خصوصاً وان معظم تلك الاتفاقيات قد أفردت بنوداً خاصة في مواثيقها على ضرورة التزام الدولة العضو بإيجاد قنوات تقاضٍ محايدة تحتكم لديها الجهات التي يقع بينها الخلاف حول مفهوم أو تطبيق أو تفسير بنود الاتفاقيات مثلاً الاتفاق بشأن تطبيق المادة السابعة من الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة 1994م حيث نصت في المادة (11) على ضرورة وجود جهات تقاضٍ استئنافية يلجأ إليها المستورد للتظلم من أي قرارات جمركية مجحفة بحق السلع التي يستوردها وهو نص ملزم للدول الأطراف في منظمة التجارة العالمية. وفي اجراءات مقاومة الاغراق في الاتفاقية ذاتها. نصت المادة (13) على ضرورة ان يقيم العضو في الاتفاقية محاكم قضائية أو محاكم ادارية أو تحكيماً أو إجراءات مستقلة عن السلطات المسؤولة عن تنفيذ الاجراءات والتي قد تكون خصماً للمستورد.
وفي الاتفاق الخاص بالإعانات والتدابير المقابلة نصت المادة (23) فيه على «كل عضو لابد ان يحتوي تشريعه الوطني على أحكام بشأن تدابير الرسوم المقابلة ويجب ان تكون له محاكم أو تدابير قضائية أو تحكيمية أو ادارية لغرض إعادة النظر بدون ابطاء، ومن بين جملة أمور، وفي الاجراءات الادارية المتعلقة بالأحكام النهائية واستعراض الأحكام في مفهوم المادة 21 تكون هذه المحاكم أو الاجراءات مستقلة عن السلطات المسؤولة عن المحاكم، وتوفر فرصة الوصول إلى الاستعراض للأطراف المهتمة التي تشارك في الاجراءات الادارية والتي تتأثر بطريقة مباشرة وفردية بتلك الاجراءات.
واللجان الجمركية القائمة في المملكة ينطبق عليها كل ما ذكرناه سابقاً من توسع في أهدافها وفي نطاقها وان مسؤولياتها اصبحت اضعافاً مضاعفة عما كانت عليه سابقاً فالمملكة العربية السعودية هي الدولة الكبرى في منظومة الاتحاد الجمركي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وهي من الدول الأقوى اقتصادياً بين دول منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية. والمملكة العربية السعودية تبنت الآن فتح مجال الاستثمار لديها .. كل هذه الأمور جعلتها تخطو خطوات عظيمة نحو تأكيد جاهزيتها لهذا التغير الدولي وقد طرأت تطورات كثيرة على معظم الأنظمة المحلية حتى تستطيع ان تكون قادرة على دفع عجلة التقدم الاقتصادي ودخولها فلك العولمة.
إلا ان هذا التطور وهذا التقدم لم يطل اللجان الجمركية والتي بقيت على ما هي عليه تسير وفق نظم تغير كل ما حولها إلا هي.
فاللجان الجمركية الابتدائية لسان حالها يقول: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم وذلك لكونها لا تتصف بأبسط مواصفات الاستقلالية فحال تلك المحاكم أو اللجان كما يحلو للبعض ان يسميها كحال اللجان أو المحاكم العمالية أو محاكم المرور ينطبق عليها ما ينطبق على ما يسمى بالمحاكم الخاصة فالجمارك هي الجهة التي تقوم بعملية تطبيق الأنظمة وهي التي تقوم بالتفتيش وهي التي تقوم بعملية الضبط وهي ذاتها التي تقوم بالتحقيق وهي التي تحاكم وهي التي تصدر الأحكام. حيث إن جميع اللجان الجمركية بدءاً من رئيسها ونائبه وسكرتيرها وأعضائها هم من موظفي الجمارك وقد يكونون من الجمرك الذي وقعت فيه المخالفة وقد يكون من بين أعضاء اللجنة من قام بالضبط أو التحقيق ..
ومع أنني لا أشك اطلاقاً في نزاهة جميع العاملين في تلك اللجان إلا ان تركيبها بالشكل الذي ذكرناه قد يجعلها غير مستقلة حيث لا يوجد بين اعضائها اعضاء مستقلون لذلك فإن توحيدها تحت مظلة جهة مختصة أو إشراك جهة ذات اختصاص من بين أعضائها قد يكون من الأنسب لها وأكثر صواباً واستقلالية للقرارات والأحكام التي تصدر عنها.