وَرَوَى جون لويس بيركهارت فِي « رَحَلَات فِي الدِّيَارِ الْمُقَدَّسَةِ؛ وَالنُّوبَة؛ وَالْحِجَاز » وَذَلِكَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمائَتَيْنِ بَعْدَ الأَْلْفِ مِن الْهِجْرَةِ لِلْمَدِينَةِ :
الْفَحْلَتَيْنِ : وَتَكْثُرُ فِيهَا الْقِرَدَة؛ وَالَّتِي يَدْعُوهَا الْبَدْو الْفُهُود !؛ وَبِهَا بِنَاءٌ قَدِيمٌ مُقَام بِحِجَارَةٍ سَوْدَاء؛ وَتُسَمَّى : اِصْْطَبْل عَنْتَر؛ وَتُعْتَبَرُ الْفَحْلَتَيْنِ آخِر الْقِلاَعِ عَلَى طَرِيقِ الْحَجِّ الشَّامِيّ؛ وَجَمِيعُ الْقِلاَعِ الْمَذْكُورَةِ عِبَارَةً عَنْ حُصُونٌ صَغِيرَةٍ؛ وَغَالِبًا مَا تَكُونُ إِلَى جِوَار بِرْكِ مَاءِ الْمَطَرِ؛ أَمَّا إِذَا كَانَتْ هُنَالِكَ آبَارٌ فَغَالِباً مَا تَكُونُ دَاخِلَ أَسْوَارِ الْقَلْعَةَ؛ وَيُسْتَخْرَجُ مِنْهَا الْمَاءُ بِوَاسِطَةِ الْجِمَال الَّتِي تَسْحَبُ الْحِبَال عَلَى البكرات [الْمَكَرات: بِالْمِيمِ]؛ فَتَنتشِلَ الدِّلاَء الَّتِي تَصبُ فِي قَنَاةٍ تَخْرُجُ إِلَى الْبِرْكَةِ أَوْ الْحَوْضِ؛ الْمُقَامُ خَارِجِ سُور الْحِصْنِ مُبَاشَرَةً؛ حَيْثُ تَسْتَقِي قَافِلَةَ الْحَجِّ؛ كَمَا وَأَنَّ الْحَجَّاجِ كي [لِكَيْ] يَتَخَفَّفوا مِنْ بَعْضِ أَثْقَالهمْ؛ فَإِنَّهُمْ يَتْرُكُونَ بَعْض مَتَاعِهِمْ أَمَانَةً دَاخِل هَذِهِ الْقِلاَع؛ حَيْث يَسْتَرِدُّونَهَا فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِمْ؛ وَفِي كُل قَلْعَةٍ أَرْبَعَةِ أَوِ خَمْسَةِ رِجَالٍ مِنْ جُنُودِ دِمَشْق

وَهُمْ طِوَال فَتْرَةِ وُجُودِهِمْ فِي الْحِصْنِ لاَ يَخْرُجُونَ مِنْهُ؛ وَلاَ يَفْتَحُونَ أَبْوَابِهِ؛ وَيَأْتِيَهُمْ الْبَدِيل مَعَ قَافِلَةَ الْحَجِّ؛ وَنَادِرًا مَا تَجَد الْقَافِلَةِ عَدَدِ رِجَالِ الْحُصُونِ بِكَامِلهم؛ فَأَغْلَبُهُمْ يَمُوتَ قَبْل أَنْ يَحُل عَلَيْهِ الْحَوْل؛ وَقَبْل وُصُول الْقَافِلَةِ؛ وَذَلِكَ إِمَّا قَتْلاً مِنْ الْبَدْو الَّذِينَ لاَ يَنْثَنون عَنْ مُهَاجَمتِهِمْ وَإِطْلَاق النَّار عَلَيْهِمْ كُلَّمَا لاحَتْ الْفُرْصَة؛ أَوْ يَمُوتُونَ كَمَدًا مِنَ السِّجْنِ؛ أَوْ مَرَضًا؛ وَجَمِيع الْجُنُودِ الَّذِينَ يَحِلُّونَ فِي هَذِهِ الْحُصُونِ هُمْ رِجَال منْطَقَةِ الْمَيْدَانِ فِي دِمَشْقَ؛ وَهُمْ مِنْ الأَشِدَّاءُ الَّذِينَ قَلَّمَا رَأَيْتُ مِثْلِهِمْ بَأْسًا وَشَجَاعَةٍ ؛ وَمَعَ أَنَّ الرَّوَاتِب الَّتِي تُصْرَف لَهُمْ قَلِيلَةً جِدًّا بِالنِّسْبَةِ لِمُعَانَاتِهِمْ وَقَسَاوَة الْمُهِمَّةِ المُوَكَّلَةُ إِلَيْهِمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ يَخْدِمُون؛ بِاعْتِبَارِ الْمُهِمَّةِ إِحْدَى فُرُوعِ الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ؛ فَأَحَدَهُمْ بَقِيَ مُدَاومَاً فِي الْفَحْلَتَيْن لِمُدَّةٍ [بَيَاضٌ بِنَحْوِ كَلِمَتَيْنِ] وَعِشْرِينَ عَامًا مُتَوَاصِلَةٍ؛ كَمَا وَأَنَّ أَحَدُهُمْ وَيُدْعَى ابْنُ الوَزَّة يُعْتَبَرُ رَئِيسُ الْجُنْدِ الْمَوْجُودِينَ [بَيَاضٌ عِنْدِي] الْحُصُونِ الْمُوَزَّعَةِ عَلَى طَرِيقُ الْحَجّ؛ وَهُوَ الْآن يُقِيمَ فِي قَلْعَةَ الْحِسَا .

وَيَذْكُرُ عَبْدِ اللَّهِ السُّوَيْدِيّ الْبَغْدَادِيِّ الْمُتَوَفَّى مِنْ سَنَةِ 1174 لِلْهِجْرَةِ الْمُبَارَكَةِ؛ فِي كِتَابِهِ « النَّفْحَةُ الْمَسكَّيةِ فِي الرِّحْلَةُ الْمَكِّيَّةِ » :
وَتَلِيهَا مَرْحَلَةُ الْفَحْلَتَيْنِ : بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْحَاء؛ فَفَتْحُ اللَّامِ فَتَاءٌ مَفْتُوحَةٍ؛ فَمُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ؛ وَآخِر الْحُرُوف عَلَى صِيغَةِ التَّثْنِيَةِ؛ قَالَ فِي الْقَامُوس : وَالْفَحْلَتَانِ مَوْضِعٌ؛ وَلَعَلَّ وَجْهُ التَّسْمِيَةِ انْفِرَادِهَا عَنْ الْعِمَارَاتِ؛ وَاعْتِزَالِهَا عَنْهَا كَالْفَحْلِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا قَرْعَ الْإِبِل اعْتَزَلَهَا؛ وَفِيهَا آبَارٌ عَذْبَةَ حُلْوَةً غَيْرَ مَطْوِيّةٍ وَلَا مَحْفُورَه؛ وَإِنَّمَا يَحْفِرُهَا الْحُجَّاجِ قَدَرَ قَامَةً؛ فَيَخْرُجُ الْمَاءُ مِنْ تَحْتِ الرَّمْلِ؛ وَلَعَلَّهُ مَاءُ مَطَرٍ كَامِنٌ تَحْت الرَّمْلِ؛ وَالْبَدْو تُسَمّيهَا شَجْوَى؛ مِنْ الشَّجْوِ؛ [وَ]هُوَ الْحُزْن؛ وَيَحِقُّ لَهَا ذَلِكَ حَيْثُ إِنَّهَا لمْ تَكُنْ مَوْطِئ أَقْدَامَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؛ وَلاَ دَار سُكْنَاهُ مَعَ قُرْبِهَا مِنْ طَابَةَ؛ وَمِمّا وَقَعَ لِي أَنِّي لَمَّا وَصَلْتُ إلَى تَبُوكَ أَخَذَنِي الْحَزْنُ وَالْقَلَقَ وَالْخَوْفُ وَالرّعْبِ وَالِاضْطِرَابِ؛ مَعَ كَثْرَةِ الْبُكَاءِ وَالنَّحِيبَ وَالْعَوِيل

وَلَمْ يَزَل هَذَا الْحَال يَعْتَرِينِي كُلَّ سَاعَةٍ؛ لاََ تَهَدأ عَيْنَيّ مِنَ الْبُكَاءِ؛ وَلاَ يَبْرُد قَلْبِي مِنْ حَرّ الْفِرَاقِ وَالْخَوْف؛ إلَى أَنْ خَرَجَتْ مِنْ طَابَةَ الطّيّبَةُ؛ وَمَا كَانَ ذَلِكَ إِلاَّ خَوْفًا مِنَ أَنْ أَكُونَ مَطْرُودًا مَحْرُومًا خَائِبًا مَأْيُوسًا؛ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَلاَ مَرْضِيٍّ؛ وَخَوْفًا مِنْ أَنْ أَكُونَ مُقَصِّرًا فِي تَعْظِيمِهِ وَتَوْقِيره وَالتَّأَدُّبُ مَعَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَمَعَ ذَلِكَ كُل سَاعَةٍ أَلُوم وَأَقُول : بِأَيِّ وَجْهٍ أوَاجِهَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَأَنَا ذُو جُرْمٌ كَبِيرٍ؛ كَثِير التَّقْصِير؛ مُنْهَمِكً فِي اللَّذَّاتِ؛ غارق فِي بِحَارِ الغفلات؛ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِالطَّاعَاتِ؛ وَلَا مُجِدٍ عَلَى الْعِبَادَاتِ؛ وَلَمْ يَزَل هَذَا الْوَارِد مَعِي لَا يُفَارِقنِي؛ فَاَللَّه أَسْاَلُ أَنْ يَجْعَلنِي من الْمَقْبُولِينَ الْمَرْضِيِّينَ غَيْر الْمَطْرُودِين الْمَحْرومِين؛ وَأَنّ يَنْفَعُنِي بِزِيَارَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَيَحْشُرَنِي تَحْتَ لِوَائِهِ؛ آمِين .

وَقَال الْبَغْدَادِيِّ فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِ مِنَ الْحَجِّ إِلَى الشَّامِ أَيْضا :
وَلَمّا وَصَلْنَا إِلَى مَرْحَلَة الْفَحْلَتَيْن جَاءَ الْخَبَر إلَى أَمِير الْحَاجّ بِأَنّ عَشِيرَة بَنِي صَخْر والشارة [الشرارات] وَغَيْرُهُمْ حَاصَرُوا الْجَرْدة فِي تَبُوكَ؛ وَمَنَعُوهَا مَن الْمَسِيرَ؛ فَحَصَلَ غَمٌّ عَظِيمٍ وَاضْطِرَابٍ؛ وَتَيَقَّنُوا الْهَلاَكَ؛ وَاضْطَرَبَت الآْرَاءِ وَالأَْفْكَار؛ فَسَلَّمُوا أَمْرَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَفَوَّضُوهُ إلَيْهِ إلَى أَنْ جِئْنَا إِلَى بِيَار الْغَنَمِ؛ فَجَاءَ الْبَشِيرُ بِأَنْ الْجَرْدة صَبَاحَ غَدٍ تُوَافِيَ الْحَاجِّ فِي العُلى [الْعُلَا]؛ فَحَصَل السُّرُورِ وَالأَْفْرَاحِ؛ وَزَالَت الْهُمُومُ وَالأَتْرَاح؛ وَسَبَبُ خَلاَص الْجَرْدة أَنَّ أُولَئِكَ الْأَشْقِيَاء حَاصَرُوهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ؛ فَدَفَعَ أَمِيرُ الْجَرْدة الْوَزِيرَ كوسي عَلِيّ بَاشَا وَالَيَّ صَيْدا دَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ لِِيُخِلُّوا لَهُمْ الطَّرِيقُ؛ فَلَمْ يَقْبَلُوا؛ وَقَلَّتْ ذَخِيرَتَهُمْ؛ فَطَلَبُوا مِنَ الأَْمِيرِ مَا دَفَعَهُ أَوَّلا فَلَمْ يَقْبَل؛ وَتَفَرَّقُوا .

قََالَ الْمُصَنِف ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَنِيَّ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ وَالِدَيْهِ - :
قَوْل بيركهارت بِأَنَّ بَدْوِ جُهَيْنَةَ يَدَّعُونَ الْفَحْلَتَيْن بِشَجْوَى؛ لَيْسَ قَوْلاً مُتَعَيِّنا كَمَا تَوَهَّمَ الْمُسْتَشْرِقِ؛ فَالْفَحْلَتَيْن وَاقِعٌ بِأَرْضِ شَجْوَةَ؛ وَاسْمُ شَجْوَى لَمْ نَهْتَدِ إِلَيْهِ فِيمَا لَدَيْنَا مِنْ مُؤَلَّفَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ؛ عَدَا مَا قَالُوهُ عَنْ جَبَلِ فَحْلٌ؛ حَيْثُ قَالَ الغُدَّةَ الأَْصْفَهَانِيُّ فِي كِتَابِهِ « بِلَادِ الْعَرَبِ » : جبَلٌ لهُذَيْلٍ؛ يَصبُّ مِنْهُ وَادِي شَجْوَةَ؛ أسفلُه لقومٍ مِنْ بَني أًميّة؛ انْتَهَى؛ وَقَالَهُ نَصْرٌ أَيْضا فِي « الْأَمْكِنَةِ وَالْمِيَاهِ وَالْجِبَالِ »؛ وَلاَ أَرَاهُ هُوَ الْمَقْصُود؛ إِذْ أَنَّ بِلاَدِ هُذَيْل هِيَ تِهَامَةَ وَمَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَمَا جَاوَرَهَا؛ وَلاَ تَزَال هُذَيْلٌ مِنَ الْقَبَائِل الْعَظِيمَةِ الْقَلِيلَةِ الَّتِي تَنْزِلُ فِي أَرَاضِيهَا الْقَدِيمَةِ؛ وَحَالُهَا كَجُهَيْنَةَ فِي بِلَادهَا؛ وَشَجْوَةَ كَانَتْ تُسَمَّى عِنْدَ عُلَمَائِنَا السَّابِقِينَ فَيْفَاءُ الْفَحْلَتَيْنِ؛ وَقَدْ يَدْعُونَهَا بِالْمَقرح الَّذِي يَحُدُّهَا إِلَى مُغَيْرِبَانِ الشَّمْس؛ وَهَذَيْنِ الاِسْمَيْنِ يُسْتَعْمَلاَنِ حَتَّى الآْن عِنْدَ جَمِيع الْجُهَنِيِّين؛ مِنْ شَرْقِ الْجُهَنِيَّةِ إِلَى غَرْبِهَا .

وَنَقَلَ مُحَمَّد صَادِق فِي مَخْطُوطِهِ « اسْتِكْشَافِ طَرِيقِ الْأَرْضِ الْحِجَازِيَّةَ » :
وَفِي صَبَاح يَوْمُ الْجُمُعَةِ 28 رَجَبٍ قُمْنَا مِنْ هَذَا الْمَحَل فِي السَّاعَةِ [الْ]وَاحِدَة وَنِصْف؛ وَبَعْدَ مَسَافَةً قَلِيلَةٌ انْتَهَى الْوَادِي لِتِّلٍ يَتَخَطَّاهُ الطَّرِيق؛ وَمِنْهُ دَخَلْنَا فِي طَرِيقٍ مُتَّسَعٍ ذِي أَشْجَارِ صنط وعبل؟ [حَمْضٍ وَأَثْلٍ]؛ وَتَرآئ لَنَا مِنْ بُعْدٍ عَنْ جِهَةِ الْيَمِينِ جَبَلٌ شَاهِقٍ فِي ارْتِفَاعَ 500 مِتْرٍ؛ وَفَوْقَهُ صَخْرَةٌ عَظِيمَةً؛ كَهَيَّأَةُ أَعْظَمَ مَا يَكُونُ مِنَ الطوابى الْعَسْكَرِيَةَ؛ يَظُنُّهَا الرَّائِي مُرَكَّبَةٌ مِنْ بِنَاءٍ, تُعْرَفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ باصْْطَبْلِ عَنْتَرَ؛ وَهُوَ عَلَى مَسِيرِ 19 أَلْفَ مِتْرٍ مِنْ سَيْر هَذَا الْيَوْمِ؛ وَمَا زَال مِنَّا بِمَرآى الْعَيْنِ لِثَّانِي يَوْمٍ؛ وَفِي السَّاعَة 7 وَ 50 دَقِيقَةٍ وَصَلْنَا إِلَى مَرْحَلَة الْشَجْوَى؛ عَلَى مَسِيرِ 11 أَلْفٍ وَ 500 مِتْرٍ مِنْ اصْْطَبْلِ عَنْتَر؛ وَبِهَذِهِ الْمَحْطة آبَارٍ وَقَلْعَةٍ مَهْجُورَةً؛ قِيلَ إِنَّهَا مُنْذُ سَنَتَيْن نَهْبَتهَا الْعُرْبَان؛ وَشتَّتَ مُحَافِظيهَا؛ وَعِنْدَهَا يَجْتَمِعُ وَيَفْتَرِقُ طَرِيقَا الْحَجّ الشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيّ .

وَجَاءَ عِنْدَ إبْرَاهِيم بَاشَا فِي « الْرَحَلَات الْحِجَازِيَّةِ؛ وَالْحَجّ وَمَشَاعِرِهِ الدِّينِيَّةِ » :
الْمرَحَّلَةُ الْخَامِسَةِ مِنْ بِئْرِ الْعَيْنِ إلَى « الْمَقْرَحَ؛ أَوْ الْشَجْوَة »؛ قُمْنَا مِنْ بِئْرِ الْعَيْنِ عِنْدَ تَمَامِ السَّاعَةِ الثَّامِنَة مِنْ لَيْلِ الْجُمُعَةِ؛ وَسِرْنَا إلَى السَّاعَةِ 12 لَيْلاً فِي أَرْضٍ أَكْثَرَهَا حَجَرَّي؛ وَقَلِيلٌ مِنْهَا رمْلِيّ؛ وَمِن السَّاعَةِ 12 تَغَيَّرَ الاِتِّجَاه إِلَى دَرَجَة 120 وَاتَّسَعَ الطَّرِيق؛ وَرَأَيْنَا قَصَّرَ عَبْلَةُ ؟؟؛ عَلَى مَبَعِّدَةٌ؛ وَزَادَ اتِّسَاع الطَّرِيقَ؛ وَوُجِدَ بِهِ الأَْحْجَارِ وَالْحَصَى الْكَبِير الأَْمْلَسِ؛ وَقَدْ اِسْتَرَحْنَا بِالطَّرِيقِ, وَبَعْدَ 5 دَقَائِق مِن مَسِيرِنَا تَغَيَّرَ الاِتِّجَاه إِلَى 145 [دَرَجَةً]؛ وَسَهْلَت الْأَرْضَ؛ وَتَخْصَبَتْ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ ووَقتََئِذٍ بَلَغْنَا مَحَلًّا يُقَالُ لَهُ: الْمَقْرَح أَوْ الْشَجْوَةِ؛ بِحِذَاءِ قَصْرُ عَبْلَة !؛ أَوْ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهُ .

وَقَالَ الْبَاشَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ نُسْخَة مِصْرَ لِسَنَة 1344 هِجْرِيِّ :
مِنْ الملاليح [المُلَيْلِيح] إلَى قَصَّرِ عَبْلَةَ أَوْ الْشَجْوَةَ؛ سِرْنَا السَّاعَة 9 وَالدَّقِيقَة 40 مِنْ لَيْلَة الْخَمِيس الْمُحَرَّم؛ وَبَلَغْنَا قَصَّر عَبْلَةَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِسَاعَةٍ؛ بَعْدَ أَنْ اِسْتَرَحْنَا بِالطَّرِيقِ خَمْس سَاعَاتٍ؛ وَكَانَ سَيْرَنَا إلَى الشَّمَالِ الْغَرْبِيِّ 6 سَاعَاتٍ؛ وَالطَّرِيقُ وَادٍ مُتَّسَعٌ يُسَمَّى : وَادِي الْحَمْض؛ بِهِ حَنْظَلٍ كَثِير؛ وَخَشَبٍ [حَطَبٍ] لِلْحَرِيقِ؛ وَأَكْثَرُ الْأَرْضِ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ؛ وَفِي مُنْتَهَى الطَّرِيق أَرْضٌ حَجَرِيَّةٍ سَهْلَةٌ؛ ذَاتُ مَسَالِك؛ قَطَّعْنَاهَا فِي سَاعَتَيْنِ .

وَأَلْفَيْت فِي كِتَابِ مُحَمَّد بْن عُثْمَان السَّنُوسِيّ التُّونِسِيُّ « الرِّحْلَةُ الْحِجَازِيَّة » :
ارْتَحَلْنَا بَاكَّرَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ 19 الْمُحَرَّمِ؛ مِنْ آبَارِ نَصِيف, اِصْْطَبْل عَنْتَرَةَ بْن شَدّادٍ الْعَبْسِيّ؛ مِنْ أَشْهَرِ شُجْعانِ العَرَبِ وَفُرْسَانِهِم؛ وَمَنْزِلُهُ بَيْنَ جِبَالٍ فِي هَاتِه الْجِهَةِ؛ نَزَّلْنَا حَوْلَهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ؛ ارْتَحَلْنَا مِن اِصْْطَبْل عَنْتَرَ السَّاعَة التَّاسِعَة مِنَ اللَّيْل؛ فَوَصَّلْنَا الْفَحْلَتَيْن عِنْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ؛ وَصَلَّيْنَا هُنَاكَ؛ وَسِرْنَا إلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ نَهَار الْجُمُعَةِ 20 الْمُحَرَّمِ .

وَعَنْ الْحَمْض قَالَ أَبُو حَنِيفَة الدِّينَوَرِيّ فِي « كِتَابِ النَّبَات » :
الْحَمْض : لَيْسَ بِاسْم نَبَتٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ؛ وَلَكِنَّهُ اسْمٌ لِجِنْسٍ مِنَ النَّبَاتِ؛ وَهُوَ كُل مَا كَانَ فِيهِ مُلُوحَةٍ؛ دقَّ أوْ جَلّ .

قَالَ ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَنِيَّ :
وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ الدِّينَوَرِيّ رَحِمَهُ اللّهُ؛ اتّبَعَهُ فِيه الْكَثِيرِينَ؛ وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْء؛ وَالصّوَابُ أَنَّ هُنَاكَ شَجَرَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِعَيْنِهَا تُدْعَى شَجَرَةُ الْحَمْضه؛ وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَشْجَارُ تَنْمُو بِكَثْرَةٍ فِي وَادِي إضَمٍ « وَادِي الْحَمْض الْيَوْمَ »؛ وَقَدْ اجْتَثَّها سَيْلُ الْجَزْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ سَابِق؛ وَكَانَ الْوَادِي حَرِجٌ بِأَشْجَارِ الْحَمْض قَبْلَ السَّيْلُ الْمَذْكُورِ؛ حَتَّى إِنَّهُمْ قَالُوا : إِذَا سَامَتْ فِيهِ النَّاقَةُ لَا تَرَى مِنْهَا إلَّا حِرْدُ السّنَامِ؛ وَحَدّثَنِي بِكُل هَذَا أَعْرَابِيٌّ مِنْ الْمَرَاوِين؛ الْتَقَيْتَهُ عِنْدَ بِئْرٍ يُدْعَى الكَوْد بِذِي الْمَرْوَةِ .

وَوَقَعَ فِي كِتَابِ « عُمْدَةِ الطَّبِيبِ فِي مَعْرِفَةِ النَّبَاتِ » لأَبُو الْخَيْر الإِْشْبِيلِيّ :
وَمِنْ أَنْوَاع الْحَمْض؛ القُطْب : هَذَا الِاسْم يَقَعُ عَلَى أَنْوَاعِ الْحَمْض كُلُّهَا؛ وَمِنْ أَنْوَاعِ الْحَمْض : القَرْمَل : نَبَاتٌ لَهُ سَاقٌ قَصِيرَةً مَائِلَةٌ إِِلَى الْخُضْرَةِ؛ لَهُ زَهْرٌ صَغِير؛ لَوْنَهُ إِلَى الصُّفْرَةِ؛ كَثِيرُ الرُّطُوبَةِ؛ إِذَا مَشَى الْإِنْسَان عَلَيْهِ فِي مَنَبْتِة اخْضَرَّتْ قَدَمَاهُ؛ وَإِذَا إِلْْتَقَمَهُ الْبَعِيرَ سَالَتْ رُطُوبَتِهِ فِي فَمِهِ؛ يَمْلأَ الأَْصْل الْوَاحِدِ مِنْهُ فَمِ الْبَعِيرِ؛ نَبَاتُهُ الرَّمْلِ؛ وَالغَضَى : شَجَرٌ يَنْبُتُ بِالرَّمْلِ؛ دَائِمُ الْخُضْرَةِ؛ كَثِيرٍ بِالْحِجَازِ؛ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْحَمْض؛ وَرَقَهُ مُهدَّبُ؛ يَعْلُو نَحْو الْعُقْدَة .

قَالَ ابْنُ غُنَيْم الْمَرْوَنِيَّ :
وَفِي نَبَاتَاتِ الْحَمْضِ وَالْمُلُوحَةِ شِفَاءٌ لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَسْقَام وَالْأَوْجَاع؛ وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَلْفِيّتَهُ فِي « كِتَابِ طِبّ الْعَرَب » لِعَبْدِ اللَّه بْن حَبِيب السُّلَمِيّ الْأَنْدَلُسِيّ: قَال عَبْد الْمَلِك بْن حَبِيب؛ حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد؛ عَنْ أَبِيهِ؛ عَنْ جَدّهِ؛ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَال : « اجْعَلُوا الْمِلْحَ أَوَّلَ طَعَامِك؛ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءٌ مِنْ إِثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ دَاءٌ؛ مِنْهَا : الْجُنُون, وَالْجُذَام, وَالْبَرَص, وَوَجَع الْأَضْرَاس, وَوَجَع الْبَطْن »؛ وَذَكَرَ الْأَصْمَعِيّ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَمْض فِي كِتَابِهِ « النَّبَاتِ وَالشَّجَر » : الرِمْث؛ وَالنَّجِيلُ؛ والدُّعَاعُ؛ وَالقُلَّام، وَالرُّغْلُ؛ وَالعِكْرِشُ؛ وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ؛ وَلَيْسَ هَذَا مَحَل الإِْفَاضَةِ .

[/QUOTE]