[align=justify] 2- موريس تاميزييه: زار ينبع في طريقه إلى جدة سنة 1249هـ وقال عنها:[/align]
[align=justify](( ظللنا نحاذي شاطئاً رملياً منخفضاً، وقد انتصبت سلسلة من الجبال وهي تقف في مواجهة السهل الآخر. وقد بدأت في الظهور عند "العصر" أعداد معينة من منارات المساجد، بحيث أصبحت بادية للعيان على امتداد الأفق. وبدأت المنازل والأسوار تقترب شيئاً فشيئاً، وأعطتنا نظرة مبدئية عن تلك المدينة ذات الأهمية المتوسطة والمعقولة.
والآن أطلت علينا نسمة هادئة. وإذا بالقبطان ينادي: انتبهوا هناك حاجز على الجانب الأيمن من السفينة. وقامت "أبو جاموس" بكل إذعان بالالتفاف في شكل ربع دائرة، ثم قامت بكل سرعة بعبور المياه الكائنة بين اثنين من السلاسل الصخرة حيث كانت الأمواج تندفع مزمجرة في غضب. ثم نادى الريس مرة أخرى قائلاً: ارم المرساة. وعلى الفور تم إلقاء المرساة في المحيط، حيث هبطنا في ميناء ينبع.
وعند مشاهدة تلك المدينة قام كل حاج بارتداء أبهى حلة لدية من الملابس، وبمجرد وصولنا إلى الميناء بدأت القوارب بنقلنا في رحلات متتابعة نحو اليابسة.
ونظراً لعدم قيام الأتراك بوضع أية عبَّارة يقوم الناس عن طريقها بالعبور بطريقة مريحة، فقد قام أقل المسافرين ثراء بالهبوط في داخل الماء الذي وصل حتى منتصف أفخاذهم، بينما قام البحارة بحمل أولئك الذين بدوا غير قادرين على الخوض فوق أكتافهم لكي يحصلوا منهم على مكافأة مالية.
وقد قام هؤلاء الرفاق الشجعان بنشر أنفسهم في كل أرجاء المكان، في البازارات والمساجد، وآخرون في المقاهي والحمامات، وكان ذلك يتوقف على حاجتهم لتدبير بعض المواد التموينية اللازمة لوجباتهم، وكانوا يقومون بتوجيه صلواتهم لله عز وجل أو يقومون بإنعاش أجسادهم بالاستحمام للتخفيف عنها من مآسي رحلة السفر الطويلة بالبحر.
ظللنا في ينبع بعض الوقت. وقد كانت أكثر المدن الساحلية أهمية بعد السويس. وهي محاطة كلية بسور جرى ترميمه حديثاً، وهو محروس بعدة أبراج مراقبة مزودة بالمدافع التي تم استيرادها حديثاً من مصر. وهي تحتوي على بوابتين تطلان على اليابسة، إضافة إلى عدة بوابات أخرى تطل على البحر من ناحية الميناء.
أما بالنسبة للأرض التي شيدت عليها، والتي تأخذ شكلاً مستديراً، فهي قاحلة. ومع ذلك فيجري تزويدها بالمواد الغذائية بواسطة البدو الذين يقومون بزراعة السهول والأودية المجاورة.
وقد قام المفرطون في الثراء من البدو القاطنين بهذا الجزء من الجزيرة العربية بالاستقرار في بقعة يطلق عليها "ينبع النخل" (أي ينبع المشهورة بأشجار نخيلها)، وذلك بغرض تميزها كشيء منفصل عن تلك التي كنا نوجد بها، والتي تحمل اسم "ينبع البحر" (أي ينبع المواجهة أو المطلة على البحر). ويمتلك المواطنين أعداداً هائلة من صهاريج تخزين المياه، إضافة إلى ذلك يتم جلب المزيد من المياه النقية من الآبار الموجودة بداخل البلد.
ويعود الفضل إلى اكتساب ينبع أهميتها إلى المدينة المنورة التي يتوجه إليها المسلمون لزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد لاحظت الليمون ضمن البضائع المعروضة للبيع في أحد البازارات، كما لاحظت أيضاً الملح الأبيض الذي يتم تجميعه على الشواطئ الساحلية، إضافة إلى نوع آخر وجميل من الملح الذي يميل إلى اللون الوردي والذي يتم جلبه من الجبال المجاورة.
وتعمل المدينة كسوق ومركز تجاري لرجال الأعمال من تجار المدينة. والميناء عميق ومصمم بطريقة متقنة. لدرجة تعطي السفن القادمة ميزة الوصول بجوار المنازل بأعمدتها المائلة الضخمة.
مع ذلك نجد أن مدخل الميناء خطير إلى حد ما عند انحسار المد، وذلك ناتج عن كونه محاطاً بالصخور البارزة على سطح الماء.
وتتكون الحامية العسكرية التي تتولى حراسة مدينة ينبع من كتيبة تضم (300) جندي نظامي من المشاة.
بمجرد فراغ البحارة من إنجازهم لأعمالهم تمت إعادة الحجيج إلى الباخرة. تم رفع المرساة وعاودنا الاستمرار في مواصلة رحلتنا مرة أخرى)). [/align]
...
المفضلات