[align=center]وأورد الشيخ حافظ وهبة، وهو من رجال الملك عبد العزيز، عبارات موجزة عن ثرمداء في كتابه «جزيرة العرب في القرن العشرين» حيث قال: (ثرمداء في الجنوب الشرقي من شقراء، وهي تكاد تكون مخربة مما حل بها في سنة 1903م، يبلغ عدد سكانها نحو ألفي نسمة وفيها قلعة وسوق، وكثير من البيوت الجميلة، وبها كثير من البساتين الواسعة وهي تروى من آبار عمقها من 60 ـ 70 قدماً. سجل رحالة مروا بثرمداء معلومات عنها، حيث قال الحاج المرتضى بن علي بن علوان الدمشقي، الذي أدى الحج قبل 309 سنوات من اليوم، وغادر الديار المقدسة مروراً بالأراضي النجدية باتجاه الأحساء: (.. وفي هذه المسافة مررنا على بلاد نجد، فإذا هي بلاد عظيمة رحيبة البقاع عظيمة الاتساع طيبة الهواء لطيفة الماء والرُبا، وردنا منها ثلاثة من البلاد: الأولى يقال لها نفي والثانية يقال لها ثرمداء والثالثة بلدة اسمها العينية وهي أعظم الثلاث وفيها من الحمض الكباد والنقاش ما لا يوجد مثله، إلا في صالحية دمشق، وأما المياه فلا تقاس بغيرها طيباً وصفاء وهضماً..).
وفي عام 1819م قام الكابتن البريطاني سادلير برحلة عبر الجزيرة العربية بهدف مقابلة إبراهيم باشا إثر تدميره للدرعية وتهنئته بانتصاراته ومعرفة مدى مساهمته وتعاونه مع الانجليز في الخليج ضد القواسم في رأس الخيمة الذين كانوا تابعين للسيادة السعودية.. وقد دون سادلير الكثير مما رآه في رحلته الطويلة الشاقة من ساحل الخليج الى ساحل البحر الأحمر مرورا بنجد.
ويقول ضمن مذكراته اليومية في 16 أغسطس 1819م :
«سرنا في الثالثة والنصف من هذا الصباح بطريق غربي ثم شمالي ثم غربي. الصحراء مجدبة، والتربة مخلوطة بالحصى. وفي التاسعة والنصف صباحا وصلنا ثرمداء التي محيت آبارها ودمرت من قبل الباشا. يقطن هذه القرية بعض السكان وترى غيضات النخيل التي فيها من مكان بعيد، ويلاحظ أن الأراضي المجاورة لها محروثة وخاضعة لرعاية كبير».
وفي عام 1288 هـ في أثناء فترة الاضطراب الواقع في نجد والنزاع بين أبناء الإمام فيصل بن تركي، قام الشيخ داوود السعدي (العراقي) برحلته للحج مرورا بالاحساء إلى الرياض فالحجاز وسجل معلومات عن الأماكن والموارد التي تقع على هذا الطريق.. وزار الرياض واستضافه الأمير محمد بن فيصل بن تركي نيابة عن أخيه الإمام عبد الله بن فيصل الذي كان خارج الرياض.
ويقول عندما غادر الرياض في شهر ذي القعدة 1288هـ:
«يوم الثلاثاء: منها إلى الدرعية بلدة عظيمة أثارها وهي كثيرة الماء.
يوم الأربعاء: منها إلى الحيسية قرية بوادي حنيفة قليلة البساتين كثيرة الماء. يوم الخميس: أيضا بوادي حنيفة ومررنا على بساتين وقرى كثيرة
[/align]

[align=center][align=center]مسجد قديم في ثرمدة[/align][/align]

[align=center]يوم الجمعة: إلى قريب ثرمدة ببرٍ أقفر موجود المرعى عديم الماء اسمه العريج (عريق البلدان)
يوم السبت: نزلنا ثرمدة قرية كثيرة المياه والبساتين والأهالي..» وفي أواخر عام 1325هـ صحب عبد الله عبد الإله ألقناعي حامل لقب (خان بهادر) الكولونيل هاملتون المعتمد البريطاني في الكويت في رحلته من الكويت إلى نجد. وسجل القناعي يوميات رحلته التي مرت فيها البعثة على حوالي خمس وثلاثين بلدة وموردا من بينها ثرمداء، وقال في ذلك مستخدماً اللهجة الدراجة: في 9 نوفمبر 1917م الموافق 23 من المحرم 1326هـ يوم الجمعة ثورنا الساعة الواحدة وصلنا إلى ثرمدة الساعة الثالثة أميرها عبد الرحمن بن ناصر العنقري أرسلنا له قدامنا طامي البعير مع سعد العجمي وادم بن سعود وتقهوينا عنده جميعا. وارسل لنا رأسين غنم لأجل العشاء لأننا ما قمنا إلى أخر النهار، كذلك الصاحب أعطاه خمسين روبية وعباءة برقة طيبة وزبون بريم، وأعطى خدامه الثلاثة أربع عشرة روبية.. وثورنا من ثرمدة الساعة الثامنة وعشينا الساعة الحادية عشر في طرف نفود الثويرات ومن عقبنا نفود الثويرات رحنا حدر مطلع الشمس إلى البرة ورأينا خشم الحصان ضلع من ضلع الطويق شرق شمال حول ثادج
وهنا نلاحظ أن القناعي ذكر نفود الثويرات والصحيح نفود عريق البلدان (الرغام) الذي يمتد قبل رمال الثويرات ويذهب جنوبا بمحاذاة غرب المحمل وجنوب الوشم ويسمى طرفه الجنوبي (طريق الحبل).. كما أن القناعي يقصد بالصاحب أي الكابتن هاملتون[/align]



[align=center]قصر العناقرة[/align]
[align=center]وفي عام 1237هـ الموافق 1918م قام الرحالة الشهير سانت جون فيلبي المعروف بعد ذلك بعبد الله فيلبي الذي اصدر عددا من المؤلفات عن تاريخ المملكة وعن رحلاته ومشاهداته، بزيارة لمدن وقرى الوشم ومن بينها ثرمداء، فقال في كتابه «جزيرة العرب الوهابية»: «وبعد مسير قصير (من مرات) باتجاه الشمال وصلنا إلى ثرمداء، حيث وجدنا مخيم ابن سعود إلى الناحية الشرقية من المدينة، قريبا من انقاض حصن كبير بني في أثناء الاحتلال التركي في منتصف القرن الماضي بواسطة خورشيد باشا.. وفي أثناء احتلال ابن رشيد للبلاد الوهابية، كانت ثرمداء أحد معاقله الرئيسية، واحتلت بالتالي تلك القلعة التركية واصبحت تحت سيطرة قواته، ولقد حوّل ابن سعود تلك القلعة إلى انقاض وذلك لرد الجميل ومكافأة لأهالي ثرمداء لولائهم ودعمهم له بدلا من حكم خصمه ابن رشيد.. فالسور الخارجي المنهار والأبراج المتداعية في أركانه لم تعد قادرة على الحماية.. وحوّل الجزء الداخلي من الحصن إلى حقول قمح.
واحة ثرمداء التي هي بشكل قطعة مستطيلة من النخيل يبلغ طولها ميلا واحدا وعرضها نصف ميل، تقع إلى الشمال وجنوب وادي البطين، بينما تبعد عنها رمال النفود حوالي نصف الميل من الشرق، وترتفع هضبة الصخور الرملية مباشرة من مزارع النخيل من الغرب.
يحيط بهذه الواحة كاملة سور مدعم بأبراج على أركانه، وتقع المدينة في داخل هذا المحيط في الركن الشمالي الشرقي، ويميز المدينة وجود سوق يتكون من حوالي خمسة عشر إلى عشرين محلا.. وهي فيما عدا ذلك مكان غير متناسق بمبانيها وبطرقها المتعرجة، ويبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة آلاف نسمة، ويملك معظم اجزائها العناقر من بني تميم وعناصر مختلفة.
وتفصل بين المدينة والحصن مساحة مفتوحة وبوابتان من بوابات السور الخارجي للمدينة توصلان إلى ذلك الحصن، هما البوابتان الجنوبية والشرقية، بينما تقع المقبرة خارج المدينة.
تقع ست من مزارع النخيل خارج الجزء الرئيسي من الواحة على حافة النفود، بينما يوجد في البطين عدد من القصور المهجورة والابار المعطلة في وسط حقول من القمح، أما الماء الذي يوجد على عمق بين ست إلى ثماني اذرع، فهو يميل إلى الملوحة[/align]


[align=center]ثرمداء عام 1918م[/align]
[align=center]كان من بين ضيوف ابن سعود في المخيم الأمير المحلي عبد الرحمن العنقري مصحوبا بوجهاء البلدة الذين حظوا بضيافة وتقدير عاليين منه
وفي عام 1341 هـ الموافق 1922م زار الرحالة العربي الأديب اللبناني أمين الريحاني الجزيرة العربية قادما من أميركا وقابل ملوكها وأمراءها وفي مقدمتهم الملك عبد العزيز الذي أتاح له فرصة تدوين مشاهداته في قلب نجد.
يقول الريحاني بعد مغادرته الرياض باتجاه الوشم: «بعد خروجنا من الحيسية نطل على أول بلد في الوشم، ذاك القاع الكائن بين وادي حنيفة ووادي السر، الذي يمتد غربا من سفح جبل طويق، إن الوشم مشهور بقصوره ومزارعه وتاريخه وتقاليده
أما ثرمدا بعدها، ثرمدا الكثيرة القلبان: فإن الماء المالح والماء القراح يجريان فيها جنبا إلى جنب تحت النخيل، سكانها من بني تميم وأميرها العنقري الذي أضافنا وحدثنا عن العصامي والعظامي من الرجال، هو من بني سعد وهم أطيب جذوع تميم في الزمان الأول.
قال لي هذا العنقري التميمي العصامي وأكد قوله إن عندهم في ثرمدا ثلاثمائة قليب وثلاثة آلاف مجاهد.
وفي عام 1396هـ قام الأستاذ عاتق بن غيث ألبلادي، صاحب كتاب «معجم معالم الحجاز» برحلته التي أطلق عليها عنوانا لكتابه «الرحلة النجدية» فقال عن ثرمداء: «بلدة اصغر من سابقتها في واد ينحدر صوب الشرق إلى سهل قرقري.. وصلناها من بعد ستة أكيال أو زيادة طفيفة، ليس بها ما يلفت النظر، ولم تتقدم كثيرا باستثناء مبان حديثة البناء، مما يدل على أنها مقبلة على تغيير معالمها ككل مدن الجزيرة العربية اليوم، غير أن للمدينة مجدا غابرا، وذلك ما رواه الشيخ عبد الله بن خميس.. فاذن نحن أمام بلدة تجتر أمجادها، كانت أم الوشم فأصبحت مجرد مساكن للذين لم يستطيعوا النزوح إلى معادن الثروة.. والحق أن أهل ثرمداء الذين استوطنوا الرياض وجدة ومكة يكادون ينسون ثرمداء
لقد كان ألبلادي محقا في رأي الباحث من إن أهالي البلدان الذين جذبتهم العاصمة والمدن الكبرى نسوا بلدانهم إلا قليلا منهم.. ولكن يمكن القول أن بوادر العودة والحنين بدأت تتسرب الآن إلى قلوب هؤلاء بعد أن ضاقوا ذرعا بحياة المدينة وصخبها واتساعها وتباعد مسافاتها
من خلال عرض مشاهدات الرحالة السبعة المذكورين عن ثرمداء من عام 1121هـ إلى 1396هـ: وهي مدة تقارب ثلاثة قرون نجد هناك قواسم مشتركة وشهادات متواترة وانطباعات متطابقة تتمثل في: خصب ارض ثرمداء وطيب مائها ووفرة نخيلها ومزروعاتها، ووقوعها على درب المسافرين وطرق الحج والقوافل، وهذا يتيح للبلدة الاستفادة من التبادل التجاري والحضاري، ووجود آثار وبقايا الحصون والقلاع التي أقامها الأتراك والمصريون في ثرمداء في أثناء غزواتهم لنجد واستقرارهم لتكون مركزا عسكريا بديلا للدرعية، ودور أمرائها العناقر في استقبال الضيوف أو الرحالة وإكرامهم والانطباع الحسن لدى الرحالة عن أمراء البلدة وأهلها.
ورغم شح المصادر التي دونت تاريخ نجد وبلدانها في المرحلة التي سبقت قيام الدولة السعودية الأولى في منتصف القرن الثاني عشر الهجري.. إلا أنه قد جرت محاولات ساعدت في رسم ملامح تلك الحقبة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. ونرى ذلك فيما كتبه ابن بسام والمنقور وابن ربيعة وابن يوسف وابن عباد وابن غنام وابن لعبون والفاخري وابن بشر وابن عيسى والذكير وغيرهم في الحوادث التي سجلوها أو التواريخ التي ألفوها وحققها آخرون أصحاب المصادر الأخيرة ابن بشر وابن عيسى والذكير اعتمدوا بشكل كبير على مدونات من سبقهم من المؤرخين، ثم أضافوا لها ما في عهودهم من أحداث
وكان ابن بشر قد انفرد بمنهج جديد هو وضع سوابق لتاريخه أي الحوادث السابقة لما أرخه هو من أحداث عاصرها أو نقلها مشافهة من معاصريه، معللا ذلك بضرورة بيان الفرق بين حوادث السنين المظلمة قبل قيام الدولة السعودية وما تلاها من استقرار في العهد السعودي
ومن جملة هذه المصادر التاريخية نستطيع أن نستخلص سير الأمراء العناقر الذين تولوا الأمارة في ثرمداء والأحداث التي وقعت في عهودهم وهم: عبد الله بن إبراهيم بن جنيفر العنقري. تولى من سنة 1081هـ إلى وفاته 1100هـ. قال ابن بشر (وفيها «أي 1081هـ» شاخ عبد الله بن إبراهيم بن جنيفر العناقر)، ثم قال عن سنة 1100هـ: (ومات فيها عبد الله بن إبراهيم رئيس بلدة ثرمداء)، فتكون مدة ولايته بذلك قريبا من عشرين سنة. وأما الذكير فقال:(وأول أمير تولى فيها حسب ما نعلم هو عبد الله بن إبراهيم العنقري، سطا فيها سنة 1081هـ، واستولى عليها وتولى الإمارة فيها
[/align]