وَحَكَى ابْنُ بَهْرَامَ الدِّمَشْقِيِّ فِي كِتَابِهِ الْجُغْرَافِيَا الْكُبْرَى :
الْفَحْلَتَيْنِ : وَهُمَا تَلانِ صَغِيرَانِ, وَهُوَ مَكَانٌ بِلاَ مَاءٍ، وَبِالْقُرْبِ مِنْهُ جَبَلٌ مُرْتَفِع, وَهُنَاكَ وَقَفَ الْحِصَارِ, وَمِنْهُ إِِلَى وَادِيَ الْقُرَى، وَلاَ يُوجَدُ بِهِ مَاءٌ جَارٍ, وَلَكِنْ تَكْثُرُ فِي أَرْضِهَا أَشْجَارٌ نَابِتَةً, وَمِنْ هُنَاكَ إِلَى آبَيارِ حَمْزَةَ، حَيْثُ يُوجَد مَسْجِدٌ لِلرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَقَال ابْنُ فَضْل الْيَعْمُرِيّ فِي الْمَسَالِكِ وَالمَمالِكِ :
وَأَرْض الْفَحْلَتَيْنِ : وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي شِعْر الشُّعَرَاء بِالأَبرَقَيْن, وَقَدْ تَأْتِي مَضَايِقَهُ سُيُولٌ, فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقَيْظ مَنَعْتهمْ الْجِبَال أَنْ يَسْتَرِيحُوا بِنَسِيمٍ, وَتَقْدَحَتْ رِمَالِهِ وَأَحْجَارِ الصَّوَّان بِهِ نَارًا تَتَوَقَّد, وَهَبَّتْ مِنْ فِجَاجِهِ رِيحُ السَّمُوم, فَنَشَّفَت الْقِرْب وَأهْلَكْت النَّاس وَالإِْبِل .

وَقَالَ اُوْلِيَاء جَلَبِي الْمُتَوَفَّى بِسَنَةِ 1081 لِلْهِجْرَةِ فِي كِتَابَةِ « الرِّحْلَةُ الْحِجَازِيَّة » :
قَلْعَة الْفَحْلَتَيْن : يُسَمِّيهَا الأَهْالي وَسُكَّانُ الْمِنْطَقَةِ أَيْضاً « صَخْرَة السَّلاَمِ », وَيَقُولُونَ أَنَّ الرَّسُول الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا كَانَ يَمُرُّ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ أَلْقَى السَّلاَمَ قَائِلاً : « السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا جَبَل منَّور » فَجَاءَهُ صَوْتٍ مِنْ الْجَبَل مُجِيْباً : « وَعَلَيْكُمُ السَّلاَم يَا رَسُول اللَّه », وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمِنْطَقَةِ أَيْضاً وِلاَيَةِ بِلاَد خَيْبَرَ, وَالْقَلْعَةُ مُقَامَةً فَوْقَ صَخْرَةٍ مُدَببةً, وَيُقَال أَنَّ أَوَّل مَنْ أَقَامَهَا عَنْتَرَةَ, وَلَمْ يَكُنْ بِهَا أَحَدٌ, وَلَمْ نَشَأَ أَنْ نَصْعَدهَا أَوْ نَتَفْحَصُها, فِي شَرْقِ هَذِهِ الْمِنْطَقَةِ تُوجَدُ جِبَال بِهَا عُيُونٌ مَائِيَّةٌ عَذَبَةٍ مِنْ الْقَاعِ, وَقَدْ قَامَ الْجَمِيع بِمِلْئِ قِرْبَهُمْ مِنْهَا .

وَقَالَ ابْنُ طُولُونَ الْمُتَوَفَّى بِالْقَرْنِ التَّاسِعِ الْهِجْرِيِّ فِي كِتَابِهِ « الْبَرْقُ السَّامِي فِي تعْدَادِ مَنَازِلِ الْحَجّ الشَّامِي » :
ثَمَّ وَصَلْنَا هَدِيَّة عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَوَجَدْنَا بِهَا آثَارِ سَيْلٌ كَبِيرٌ أَتَى مِنْ شَرْقِيِّهَا مِنْ جِهَةِ أَرْضُ خَيْبَرَ, ثَمَّ رَحَلْنا مِنْهَا قَبْلَ فَجْرِ الْغَدِ, فَمَرَرْنا عَلَى الْعَقَبَةِ السَّوْدَاء ، ثُمَّ عَلَى وَادِي الْجَمَاجِمِ وَالرِّمَمْ، ثُمَّ عَلَى وَادِي الإضان ؟, ثَمَّ عَشينَا بِقُرْبِ الْفَحْلَتَيْن : وَهُمَا قِطْعَتَانِ كَبِيرَتَانِ عَلَى رَأْسِ جَبَلٌ غَرْبِيِّ الطَّرِيقِ، يَرَاهُمَا الْحَاجِّ مِنْ بُعْدٍ، « وَبَعْضُ النَّاسِ يَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعَدهُما », ثَمَّ رَحَلْنا فِي ثُلُث هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ، فَدَخَلْنَا وَادِي الْقُرَى، ثَمَّ عَشينَا فِي أَوَاخِره .

يَقُول الْمُؤَلِفُ بْن غُنَيْم الجُهَنِيَّ :
وَالْفَحْلَتَيْن هَذَا أَحَدُ عَجَائِبِ جِبَالِ الْحِجَازِ, وَقَدْ تَلَقَّفْتُ مِنَ أَهْلِ الْبَادِيَةُ بَعْضَ أَخْبَاره,
وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي خَبَر صُعُودِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلجَبَلِ, وَسَلاَمِ الْجَبَلِ عَلَيْهِ وَرَدُّهُ السَّلاَمَ عَلَى الْجَبَل وَتَسْمِيَتُهُ إِيَّاهُ بِجَبَلِ منَّور, فَلَمْ أَجِدهُ فِي كُتُبِ المُتقَدِّمِينَ الَّذِينَ ذَكَرُوهُ, وَلَكِنْ مِمَّا لاَ شَكَّ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَرَّا بِجِوَارِ الْجَبَل فِي طَرِيقِهِ إلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ, وَابْتَنَى مَسْجِدًا لَهُ هُنَاكَ وَصَلَّى فِيهِ مَعَ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ, كَمَا فِي كُتُبِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي وَالْبُلْدَانِيَّاتِ وَغَيْرِهَا, هَذَا مَعَ مَعَ وُرُودِ خَبَرُ صُعُودُهُ لِلْجَبَل عِنْدَ ابْنِ طُولُونَ وَهُوَ مِنْ أَعْلاَمِِ الْقَرْنِ الثَّامِنِ الْهِجْرِيِّ, وَلَمْ يَنْتَشِرُ ذَلِكَ الْخَبَرَ لاِنْقِطَاعِ الرُّوَاةِ وَضَيَاعِ الْكُتُبُ الَّتِي أَخَذْت عَن رُوَاةَ الْبَادِيَةِ, وَلِذَلِكَ وَجَدْنَا ابْنِ طُولُونَ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةُ, ثُمَّ جَاءَ مِنْ بَعْدِهِ الْمُؤَرِّخُ جَلَبِي بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَذَكَرَ أَنَّ أَهْل تِلْكَ الْبَلْدَةِ يَرْوُونَ ذَلِكَ الْخَبَرِ, وَيَظْهَرُ أَنَّ رِوَايَةِ هَذَا الأَْثَرِ أَوِ الْخَبَرَ كَانَتْ مِنْ مَوْرُوثِ أَهْل تِلْكَ الْبِلاَدِ وَهُمْ جُهَيْنَةَ, يَرْوِيَهَا الأَْجْدَادُ لِلأَْبْنَاءِ كُل تِلْكَ الْقُرُونِ .

فَإِنْ قََالَ قَائِلٌ : أَلَيْسَ مِنْ الإِْجْحَافِ قَبُولكُمْ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لِلجَبَلِ وَتَسْمِيَةُ النَّبِيّ لَهُ, وَرَفَضِ خَبَرَ وَرِوَايَة تَسْمِيَةُ الْجَبَلِ بِجَبَلِ عَنْتَرَ, مَعَ أَنَّهُ لاَ زَال الْجَبَل مَعْرُوفًا بِهَذَا الاِسْمِ, وَكِلَيْهِمَا رِوَايَات مُسَمَّاهُ أُخِذَتْ مِنْ طَرِيقِ الرِّوَايَةِ الْشَفَهَّيَةَ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْ رُّوَاةِ أَهْل الْبِلاَدِ, وَلَمْ تَرِدَ فِيهَا نُصُوصٌ مُعْتَمِدَةً تَدُل عَلَيْها ؟؟

قُلْنَا: شَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا, وَذَلِكَ لسَّبَبَيْنِ, أَوَّلاً : لأَِنَّنِي لَمْ أَجِدْ فِيمَا اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَوِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا يَدُل عَلَى سُكْنَى أَوِ تَرَدُّدَ عَنْتَرَةَ الْعَبْسِيَّ لِهَذِهِ الْجِهَات مِنْ الْحِجَازِ, ثُمَّ إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ مَنَازِل قَوْمِ عَنْتَرَةَ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَحَدِيثِهِ, ثَانِيًا: عَنْتَرَةَ نُسِبَتْ إِلَيْهِ أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ وَعَدِيدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ, حَتَّى أََنَّ سَدَّ بَطِحَانَ الْقَدِيمِ الَّذِي فِي عَالِيَةِ الْمَدِينَةِ, أَطْلَقُوا عَلَيْهِ اسْمُ سَدَّ عَنْتَرَ, كَمَا عِنْدَ الْمَرَاغِي فِي مَعَالِمِ دَارِ الْهِجْرَةِ, ثَالِثًا: الْغَالِب عَلَى الظَّنّ أَنَّهَا مِنَ قَصَصَ إخْوَانُنَا الْمَغَارِبَةُ, لأَِنَّ هَذَا طَرِيقِهِمْ الَّذِي يَسَلُكُوه فِي رِحْلَتِهِمْ لِلْحَجِّ, وَهُمْ مُوَلَّعُونَ بِأَسَاطِير عَنْتَرَةُ وَعَبْلَةَ !! .

وَأَمَّا مُرُورِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانُ فَهُوَ ثَابِتٌ بِلاَ شَكٍّ, وَكُتُبِ الأَْحَادِيثِ وَالتَّأْرِيخِ وَالسِّيرَةِ وَالْمَعَاجِمِ وَالْبُلْدَانِ مُلئَّ بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَضَافِرَةِ, وَقَدْ نَقَلْنَا تِلْكَ النُّصُوصِ, فَلاَ يُسْتَغْرَبُ مَعَهَا صُعُودِهِ لِلجَبَلِ وَتَسْمِيَةُ إِيَّاهُ, وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيث صَحِيحَة صَرِيحَةٍ بِأَنَّهُ قَدْ تَكَلَّمَ مَعَ بَعْضِ الْجِبَالِ كَجَبَلِ أُحُدٍ, وَحِرَاءَ, وَمَسْأَلَةِ تَكْلِيمُ الْجَمَادَاتِ لَهُ هِيَ مِنْ دَلاَئِل نُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسِّلاَمُ, وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَسَمِعْتُ أَبِي رَحِمَهُ اللَّه وَهُوَ مَعَ رُفْقَةً لَنَا يَتَحَدَّثُونَ عَنْهُ وَكُنَّا نُزُولٌ بِسَفْحِ الْجَبَلِ الشَّرْقِيِّ فِي صَبَاحٌ بَارِدٍ وَكُنْتُ يَوْمَهَا صَبِيًّا لَمْ اُجَاوَّزَ الْعَاشِرَةِ, وَيَرْوُونَ أَنَّ تِلْكَ الْفَحْلَتَان مِنْ بِنَاءِ الجِنَّ لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ, وَكَانُوا يَدْعُونَهُ بِجَبَلِ الفحْلَةَ, وَأَحْسَبُ أَنَّنِي قَرَأْتُ مِثْل هَذَا الْخَبَرُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهّابِ المِكْنَاسِيِّ فِي كِتَابِهِ « إِحْرَازُ الْمُعَلَّى وَالرَّقِيبْ », وَاَللّهُ أَعْلَمْ .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْن كِبْرِيتُ الْمَدَنِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 1070 مِنْ الْهِجْرَةِ في « رِحْلَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ » :
ثَمَّ رَحَلْنا فَلَمْ نَزَل نَطْوِي بِالسَّيْرِ الْفَيَافِي وَالْقِفَارُ, فَمَرَرْنا بِالْعَقَبَةِ السَّوْدَاء, وَمِنْهَا تَرَى الْفَحْلَتَان, ثُمَّ أَتَيْنَا عَلَى الْفَحْلَتَيْن: وَهُمَا قُنّتانِ عَلَى شَاهِقِ جَبَلٍ مِنْ غَرْبِيّ الْجَادَّةِ, ثُمَّ أَتَيْنَا عَلَى وَادِيَ الْقُرَى, « قِيلَ: كَانَ بِهَا أَلْفِ قَرْيَةٍ », وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا غَيْرَ الْأَطْلَال, وَمِنْهَا كُثَيّرِ عَزّةَ .

وَقَالَ عَلِيُّ غَبْان فِي كِتَاب الْآثَار الْإِسْلَامِيَّةِ شَمَالَ غَرْبِ الْمَمْلَكَةِ :
قَلْعَة الْفَحْلَتَيْن : تَقَعُ بَيْنَ اسْطَبْل عَنْتَر وَآبَارِ نَصِيف, وَهِيَ أَيْضاً مِنْ الْقِلاعِ الْعُثْمَانِيَّةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا حَاكِمُ دِمَشْق وَأَمِير الْحَجِّ الشَّامِيِّ عُثْمَان بَاشَا .

قَالَ الْمُؤَلِف ابْنُ الغُنَيْم :
وَفِي ذَيْل الْكِتَابِ مَرْجِعُهُ arl Barbir, op p.140 , وَعُثْمَان بَاشَا مِنْ أَعْيَانِ الْقَرْنِ الْحَادِيَ عَشَرَ الْهِجْرِيِّ, تَرْجَمَ لَهُ عَارِف عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي تَارِيخه أُمَرَاءِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ, فَقَال : شَيْخُ الْحَرَم النَّبَوِيِّ الشَّرِيف فِي حُدُودِ سَنَةَ 1251هـ، إلَى سَنَةِ 1256هـ، ثُمَّ أَصْبَحَ وَالي الْحِجَازِ فِي سَنَةِ 1256هـ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 1261هـ .

وَقَالَ الخِيَارِيّ الْمَدَنِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 1080 لِلْهِجْرَةِ, فِي رِحْلَتِهِ « تُحْفَةُ الْأُدَبَاء وَسَلْوَةُ الْغُرَبَاء » :
الْفَحْلَتَيْن : وَيُسَمَّى حِصْنُ عَنْتَرَ, مَنْزِلٌ كُلَّهُ رَمَل, قَابَلْنَا بِوَجْهٍ مَرَد مِنَ النَّبَات, قَلَّ مَاؤُهُ, وَتَعَطَّل حَيَاؤُهُ, وَهَذِهِ الْبِلاَد كَثِيرَة الْحِجَارَةُ, وَالطَّرِيقُ فِيهَا مَارَّةٌ بَيْنَ جِبَالٍ, فَقِلنا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ إِلَى أَنْ صَلَّيْنَا الْعَصْرِ, وَسَافَرْنَا إِلَى ضَحْوَة الْغَدِ, وَمَسْجِدٌ فَيْفَاءِ الْفَحْلَتَيْنِ مِنْ أَعْمَال الْمَدِينَةِ .

وَنَقَل الْبِلَادِيّ فِي مُصَنَّفِهِ الْمَعَالِمِ الْجُغْرَافِيَّةِ الْوَارِدَةِ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ :
فَيْفَاءُ الْفَحْلَتَيْنِ : جَاءَتْ فِي ذِكْرِ غَزْوَةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ جُذَامَ، وَخَبَرِ دِحْيَةَ وَالْهُنَيْدِ، أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ لَقِيَ جَيْشَ زَيْدِ بِفَيْفَاءِ الْفَحْلَتَيْنِ, قُلْت : لَا تُعْرَفُ الْيَوْمَ الْفَحْلَتَانِ، أَمَّا الْفَيَافِي هِيَ أَرَاضٍ وَاسِعَةٌ تُضَافُ إلَى مَا جَاوَرَهَا، فَهِيَ كَالْخَبْتِ تَمَامًا، وَسِيَاقُ الرِّوَايَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ إلَى بِلَادِ جُذَامَ، وَلَكِنَّهُ إلَى الْمَدِينَةِ أَقْرَبُ وَيُخَيَّلُ إلَيَّ أَنَّهَا بَيْنَ إضَمٍ وَالْعُلَا .

قََالَ عَاتِق غَيْث الْبِلَادِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَبِير « مُعْجَمِ مَعَالِمِ الْحِجَاز » :
شِدَّادِ عَنْتَر : جَبَلٌ عَالٍ ذُو رَأْسَيْنِ, كغزالي؟ الشِّدَادِ, تَحْتَهُ مَحَطَّةَ عَنْتَر لِسِكَّةِ حَدِيدِ الْحِجَازِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالْعُلَا, .. وَلَيْسَ هُوَ اسْطَبْل عَنْتَر, ذَاكَ فِي تُهَامَةِ بَلِيٍّ, وَهَذَا فِي الدَّاخِلِ قُرْبَ الْعُلَا .

قَالَ الْمُؤَلِفُ ابْنُ الغُنَيْم الجُهَنِيَّ :
لَيْسَ الْجَبَلُ الْمَذْكُور مِِنْ حَوْل الْعُلَا أَوْ بِقُرْبِهِ, إنَّمَا يَبْعُدُ عَنْ الْعُلَا قُرَابَةِ 170 كَيْلًا وَيَزِيد !, وَقَدْ وَهِمَ الْبِلَادِيُّ حِينَ جَعَل اسْطَبْل عَنْتَر اسْمٌ يُطْلَقُ عَلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ, وَإِنَّمَا هُمَا اسْطَبْلانِ مُتَغَايِرَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا الْمَقْصُودَ وَالآْخَرُ بِقُرْبِ أُمِّ لَجٍّ, لَهُ ذِكْرٌ كَثِيرٌ فِي كُتُبِ الرِّحَلاتِ, وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ ذِكْرِهِ .

وَلَهُ أَنْشَدَ النَّابُلُسِيَّ :
تَشَبَّهْنَا بِأَهْل الْبَدْوِ حَتَّى ............. أكَلْنَا الخُبْزَ مأَدُوْماً بصَعْتَرْ
وَسُقنا الخيْلَ خَيْلَ بَنِي تَمِيمٍ ....... وَقَدْ جِئْنَا إِلَى إصْطَبْل عَنْتَرْ


وَأَنْشَدَ الصَّلاحَ الصَّفَديَّ فِيهِ :
رَكْبُ الْحِجَازِ تَرَاهُ ........... إِذَا مَشَى يَتَبَخْتَرْ
كَمْ فِيهِ عَبْلَة رِدْفٍ ......... تَخَافُ وَادِي عَنْتَرْ
إذَا رَنَّتْ لمُحبٍّ ............... صَالَتْ عَلَيْهِ بِأَبْتَرْ
وَلَيْسَ يَحْمَى الْمُعَنَّى ...... لَوْ بالدُّرُوْعِ تَسَتَرْ


وَتَمَثَّلَ النَّابُلُسِيَّ بِبَيْتِ شَعْرٍ عَنْهُ :
سِرْتُ نَحْوَ الْحِجَازِ مِنْ مِصْرَ أَسْعَى ... بِخُيُولٍ رِهَانٌ لُجَمٍ وَحَبْلِ
وَبِإصْطَبْل عَنْتَرٍ قَدْ نَزَلْنَا ...... إنَّ مَثْوَى الْخُيُولِ بِالإِْصْطَبْلِ


وَحَكَى أَيُّوب صَبْرِي بَاشَا فِي كِتَابِهِ « مِرْآةُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ » :
مَنْزِل فَحْلَتَيْن : عِبَارَةٌ عَنْ هَضْبَتْينِ صَغِيرتَيْنِ تَخْلُوانِ تَمَامًا مِنْ الْمِيَاهِ, وَيُوجَدُ بِالْقُرْبِ مِنَ فَحْلَتَيْنِ جَبَلٌ مُرْتَفَعٌ فَوْقَ قِمَّتَهُ حِصْنٌ حَصِيْن, وَالْقَائِمُونَ مِنْ فَحْلَتَيْنِ يَمُرُّونَ بِوَادِي الْقُرَى, وَمِنْهُ وَمِنْهُ إلَى آبَيارِ حَمْزَةَ, وَبَعْدَ ذَلِكَ يَصِلُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ, ثُمَّ تَسْتَمِرُّ حَرَكَتِهِمْ إلَى بِيَار عَلِيٍّ .

وَقَالَ مُحَمَّدُ صَادِق فِي مَخْطُوطَته مِشْعَل الْمَحْمَل:
وَمَحَطَّةُ الْشَجْوَةَ عَلَى بُعْدٍ, وَفِي س9 نَزَلَ السَّيْل؟ [الْمَطَرِ] عَلَى الرَّكْبُ وَامْتَدَّ وَاشْتَدَّ, وَفِي س9 ق50 [دَقِيقَة] أَنَاخُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَطَر, وَنُصِبَتْ الْخِيَامِ عَلَى الْبَلَل, مَعَ اسْتِمْرَارِ نُزُول الْمَطَرِ, وََغُمِرَتْ الأَْحْمَالِ وَالْفُرُشِ بِالْمِيَاهِ, وَلَمْ يُوضَعْ شَيْءٍ عَلَى الأَْرْضِ لِيُجْلسَ عَلَيْهِ عَلَيْهِ إلَّا ابْتَل أَسْفَلَهُ وَأَعْلاَهُ, وَفِي نُصْفِ السَّاعَةِ الأَْوْلَى مِنْ اللَّيْلِ امْتَنَعَ الْمَطَر, وَأَمْضَى كُل شَخْصٍ لَيْلَتهُ بِقَضَاهِ, وَقَدْرٌ بَيْنَ رُطُوبَةِ الْأَرْضِ وَفَرْشَهُ, وَمِنْ كَانَتْ لَهُ سحارة ؟ وَنَامَ عَلَيْهَا صَارَتْ كَنَعْشِهِ, وَأَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْقَمِيص وَمَالَهُ خَيْمَةً وَلَا غِطَاء فَكَانَ فَرْشَهُ الْمَاء: أَعْنِي الْأَرْضُ بِبَلَلِهَا, وَغِطَاؤُهُ الْهَوَاءِ, وَخَيْمَتَهُ السَّمَاء, وَيَفْعَلُ الله بِخَلْقِهِ مَا يَشَاءُ, وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ 21 مِنْهُ بَعْدَ مُضِيِّ عِشْرِينَ دَقِيقَةٍ مِنْ السَّاعَةِ الْأُولَى سَارَ الرَّكْبُ, وَفِي س1 ق45 وَصَل إِِلَى أَكَمَةٌ عَالِيَةٍ فَوْقَ جَبَلٍ شَاهِقٍ تُسَمَّى: باصْْطَبْلِ عَنْتَرَ, أَوْ قَصْرُ عَبْلَةَ ؟ .


[/QUOTE]