الصحابي الجليل البراء بن مالك الأنصاري رضي الله عنه
وهذه قصته :
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والتحاقه بالرفيق الأعلى ، طفقت قبائل العرب تخرج من دين الله أفواجا ولم يبق إلا من ثبت الله قلبه على الإيمان.
صمد الصديق رضي الله عنه ، لهذه الفتنة المدمرة العمياء ، صمود الجبال الراسيات ، وجهز من المهاجرين والأنصار أحد عشر جيشا ، وعقد لقادة هذه الجيوش أحد عشر لواء ، ودفع بهم في أرجاء جزيرة العرب ليعيدوا المرتدين إلى سبيل الهدى والحق ، وليحملوا المنحرفين على الجادة بحد السيف.
وكان أقوى المرتدين بأسا ، وأكثرهم عددا ، بنو حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب ، فقد اجتمع لمسيلمة من قومه وحلفائهم أربعون الفا من أشداء المحاربين . وكان أكثر هؤلاء قد اتبعوه عصبية له لا إيمانا به ، فقد كان بعضهم يقول : أشهد أن مسيلمة كذاب ، ومحمدا صادق .. لكن كذاب ربيعة (مسيلمة) ، أحب إلينا من صادق مضر (محمد صلى الله عليه وسلم).
هزم مسيلمة أول جيش خرج إليه من جيوش المسلمين بقيادة عكرمة بن أبي جهل ورده على أعقابه . فأرسل له الصديق جيشا ثانيا بقيادة خالد بن الوليد ، حشد فيه وجوه الصحابة ، من الأنصار والمهاجرين ، وكان في طليعة هؤلاء وهؤلاء البراء بن مالك الأنصاري .
التقى الجيشان على أرض اليمامة في نجد ، فما هو إلا قليل حتى رجحت كفة مسيلمة وأصحابه ، وزلزلت الأرض تحت أقدام جنود المسلمين ، وطفقوا يتراجعون عن مواقفهم ، حتى اقتحم أصحاب مسيلمة فسطاط خالد بن الوليد رضي الله عنه ، واقتلعوه من أصوله ، وكادوا يقتلون زوجته لولا ان أجارها أحد منهم. عند ذلك شعر المسلمون بالخطر الداهم ، وأدركوا أنهم إن يهزموا امام مسيلمة فلن تقوم للإسلام قائمة بعد اليوم ، ولن يعبد الله وحده لا شريك له في جزيرة العرب . وهب خالد إلى جيشه ، فأعاد تنظيمه ، حيث ميز المهاجرين عن الأنصار ، وميزأبناء البوادي عن هؤلاء وهؤلاء ، وجمع أبناء كل أب تحت راية واحد منهم ، ليعرف بلاء كل فريق في المعركة ، وليعلم من أين يؤتى المسلمين.
ودارت بين الفريقين رحى معركة ضروس لم تعرف حروب المسلمين لها نظيرا من قبل ، وثبت قوم مسيلمة في ساحات الوغى ثبات الجبال الراسيات ولم يأبهوا لكثرة ما أصابهم من القتل . وأبدى المسلمون من خوارق البطولات ما لو جمع لكان ملحمة من روائع الملاحم. ولكن كل هذه البطولات تتضاءل أمام بطولة البراء بن مالك رضي الله عنه وعنهم أجمعين. ذلك أن خالدا حين رأى وطيس المعركة يحمى ويشتد ، التفت إلى البراء بن مالك وقال : إليهم يا فتى الأنصار ... فالتفت البراء إلى قومه وقال :
يا معشر الأنصار لا يفكرن أحد منكم بالرجوع إلى المدينة ، فلا مدينة لكم اليوم ، وإنما هو الله وحده ... ثم الجنة .. ثم حمل على المشركين وحملوا معه ، وانبرى يشق الصفوف ، ويعمل السيف في رقاب أعداء الله حتى زلزلت أقدام مسيلمة وأصحابه ، فلجأوا إلى حديقة التي عرفت في التاريخ بعد ذلك باسم حديقة الموت لكثرة من قتل فيها في ذلك اليوم.
كانت حديقة الموت هذه رحبة الأرجاء عالية الجدران ، فأغلق مسيلمة والآلاف المؤلفة جنده عليهم أبوابها ، وتحصنوا بعالي جدرانها ، وجعلوا يمطرون المسلمين بنبالهم من داخلها فتتساقط عليهم تساقط المطر. عند ذلك تقدم مغوار المسلمين الباسل البراء بن مالك وقال : يا قوم ، ضعوني على ترس ، وارفعوا الترس على الرماح ، ثم اقذفوني إلى الحديقة قريبا من بابها ، فإما أن أستشهد وإما أن أفتح لكم الباب ..
المفضلات