الحاجب المنصور محمد ابن أبي عامر
محمد ابن أبي عامر ( الحمار الذي أصبح خليفة)
هذه القصة حدثت تفاصيلها في الأندلس في الدولة الأموية يرويها لنا التاريخ..
وهي تحكي ثلاثة من الشباب كانوا يعملون حمّارين _يحملون البضائع للناس من الأسواق إلى البيوت على الحمير_
وفي ليلة من الليالي وبعد يوم من العمل الشاق, تناولوا طعام العشاء وجلس الثلاثة يتسامرون فقال أحدهم واسمه "محمد": افترضا أني خليفة, ماذا تتمنيا.؟
فقالا: يا محمد إن هذا غير ممكن.!
فقال: افترضا جدلاً أني خليفة.!
فقال أحدهم: هذا مُحال.
وقال الآخر: يا محمد أنت تصلح حمّار أما الخليفة فيختلف عنك كثيرًا..
قال محمد: قلت لكما افترضا جدلاً أني خليفة, وهام محمد في أحلام اليقظة وتخيل نفسه على عرش الخلافة, وقال لأحدهما: ماذا تتمنى أيها الرجل؟
فقال: أريد حدائق غنّاء, وماذا بعد.؟ قال الرجل: اسطبلاً من الخيل, وماذا بعد.؟ قال الرجل: أريد مائة جارية, وماذا بعد أيها الرجل.؟ قال: مائة ألف دينار ذهب, ثم ماذا بعد.؟ يكفي ذلك يا أمير المؤمنين.
كل ذلك ومحمد ابن أبي عامر يسبح في خياله الطموح ويرى نفسه على عرش الخلافة, ويسمع نفسه وهو يعطي العطاءات الكبيرة ويشعر بمشاعر السعادة وهو يعطي بعد أن كان يأخذ, وهو ينفق بعد أن كان يطلب, وهو يأمر بعد أن كان ينفذ..
وبينما هو كذلك التفت إلى صاحبه الآخر وقال: ماذا تريد أيها الرجل.؟
فقال: يا محمد إنما أنت حمّار, والحمّار لا يصلح أن يكون خليفة..!
فقال محمد: يا أخي افترض جدلاً أني الخليفة ماذا تتمنى.؟
فقال الرجل: أن تقع السماء على الأرض أيسر من وصولك إلى الخلافة..!
فقال محمد: دعني من هذا كله, ماذا تتمنى أيها الرجل.؟
فقال الرجل: اسمع يا محمد إذا أصبحت خليفة فـ اجعلني على حمار ووجه وجهي إلى الوراء وأأمر منادي يمشي معي في أزقة المدينة وينادي أيها الناااس.. أيها النااااااس هذا دجال مُحتال من يمشي معه أو يحدثه أودعته السجن..
وانتهى الحوار ونام الجميع, ومع بزوغ الفجر استيقظ محمد وصلى صلاة الفجر وجلس يفكر.. صحيح الذي يعمل حمّارًا لن يصل إلى الخلافة.؟, الشخص الذي يستمر دون تطوير لمهاراته بلا تحديد لأهدافه وطموحاته لن يتقدم بل يتقادم.؟
فكر محمد كثيرًا ما هي الخطوة الأولى للوصول إلى الهدف المنشود.؟ وتوصل إلى قناعة رائعة جدًا وهي: تحديد الخطوة الأولى حيث قرر أنه يجب بيع الحمار..! وفعلاً باع الحمار, وانطلق ابن أبي عامر بكل إصرار وجد يبحث عن الطريق الموصل إلى الهدف, وقرر أن يعمل في الشرطة بكل جد ونشاط. أعجب به الرؤساء والزملاء والناس وترقى في عمله حتى أصبح رئيسًا لقسم الشرطة في الدولة الأموية في الأندلس..
ثم يموت الخليفة الأموي ويتولى الخلافة بعده ابنه هشام المؤيد بالله وعمره في ذلك الوقت عشر سنوات.. وهل يُمكن لهذا الطفل الصغير من إدارة شئون الدولة.!
وأجمعوا على أن يجعلوا عليه وصيًا ولكن خافوا أن يجعلوا عليه وصيًا من بني أمية فيأخذ الملك منه, فقرروا أن يكون مجموعة من الأوصياء من غير بني أمية, وتم الاختيار على محمد ابن أبي عامر و ابن أبي غالب و المصحفي, وكان محمد ابن أبي عامر مقرب إلى صبح أم الخليفة واستطاع أن يمتلك ثقتها ووشى بالمصحفي عندها وأزيل المصحفي من الوصاية, وزوج محمد ابنه بابنة ابن أبي غالب ثم أصبح بعد ذلك هو الوصي الوحيد واتخذ مجموعة من القرارات؛ فقرر أن الخليفة لا يخرج إلا بإذنه, وقرر انتقال شئون الحكم إلى قصره, وجيش الجيوش وفتح الأمصار واتسعت دولة بني أمية في عهده وحقق من الانتصارات ما لم يُحققه خلفاء بني أمية في الأندلس. حتى اعتبر بعض المؤرخين أن تلك الفترة فترة انقطاع في الدولة الأموية, وسميت بـ "الدولة العامرية"
هكذا صنع الحاجب المنصور محمد ابن أبي عامر, واستطاع بتوكله على الله واستغلاله القدرات الكامنة التي منحه الله إياها أن يحقق أهدافه.
وفي يوم من الأيام وبعد ثلاثين سنة من بيع الحمار والحاجب المنصور يعتلي عرش الخلافة وحوله الفقهاء والأمراء والعلماء. تذكر صاحبيه الحمّارين فأرسل أحد الجند وقال له: اذهب إلى مكان كذا فإذا وجدت رجلين صفتهما كذا وكذا فأتي بهما. أمرك سيدي..
ووصل الجندي ووجد الرجلين بنفس الصفة وفي نفس المكان. العمل هو هو, المقر هو هو, المهارات هي هي بنفس العقلية حمّار منذ ثلاثين سنة..!
قال الجندي: إن أمير المؤمنين يطلبكما, أمير المؤمنين..! إننا لم نذنب, لم نفعل شيئًا, ما جرمنا.؟
قال الجندي: أمرني أن آتي بكما..
ووصلوا إلى القصر, دخلوا القصر, نظرا إلى الخليفة, قالا باستغراب إنه صاحبنا محمد..!
قال الحاجب المنصور: اعرفتماني.؟
قالا: نعم يا أمير المؤمنين, ولكن نخشى أنك لم تعرفنا..!
قال: بل عرفتكما, ثم نظر إلى الحاشية وقال: كنت أنا وهذين الرجلين سويًا قبل ثلاثين سنة وكنا نعمل حمّارين, وفي ليلة من الليالي جلسنا نتسامر فقلت لهما إذا كنت خليفة فماذا تتمنيا.؟ فتمنيا..
ثم التفت إلى أحدهما وقال: ماذا تمنيت يا فلان؟
قال الرجل: حدائق غنّاء, فقال الخليفة: لك حديقة كذا وكذا, وماذا بعد.؟ قال الرجل: اسطبل من الخيل, قال الخليفة: لك ذلك, وماذا بعد.؟ قال: مائة جارية, قال الخليفة: لك مائة من الجواري, ثم ماذا.؟ قال الرجل: مائة ألف دينار ذهب, قال: هو لك, وماذا بعد.؟ قال الرجل: كفى يا أمير المؤمنين. قال الحاجب المنصور ولك راتب مقطوع _يعني بدون عمل_ وتدخل عليّ بغير حجاب.
ثم التفت إلى الآخر وقال له ماذا تمنيت.؟ قال الرجل: اعفني يا أمير المؤمنين, قال: لا والله حتى تخبرهم قال الرجل: الصحبة يا أمير المؤمنين, قال حتى تخبرهم, فقال الرجل: قلت إن أصبحت خليفة فاجعلني على حمار واجعل وجهي إلى الوراء وأمر منادي ينادي في الناس أيها الناس هذا دجال محتال من يمشي معه أو يحدثه أودعته السجن, قال الحاجب المنصور محمد ابن أبي عامر: افعلوا به ما تمنى حتى يعلم (أن الله على كل شيء قدير)
المفضلات