يعدّ ولع الكتاب والإعلاميين بالمجالس الثقافية والأدبية من الأمور المألوفة، فيما يظل السعي الحثيث إلى صناع القرار وأساطين السياسة محط أنظار عشاق السبق ونجوم الأولوية، إلا أن التوجه إلى منزل قاطع الأعناق «السياف» أبو بدر ومشاركته طعامه مع أسرته، يحتاج إلى جسارة لتجاوز دواعي الوجل، ويستلزم الاستعداد الباكر لكسر حاجز الرهبة للوصول إلى تفاصيل مهنة السياف في السعودية.
ولنقل صورة حية عن يوميات «منفذ القصاص» في رمضان، شاركت «الحياة» أشهر متخصص في تنفيذ أحكام القصاص في محافظة جدة عبدالله البيشي، جلسة إفطار رمضانية، لم تكن مألوفة شأن سائر الجلسات الأخرى من حيث ملامح الرجل وطريقة تعبيره وما يتلفظ به من كلمات معدودة متعلقة بالمهنة المشوبة بالرهبة، على رغم أنه يعمل فيها منذ أعوام عدة.
وقال البيشي لـ «الحياة»: «إن برنامجه اليومي خلال شهر رمضان متسم بالروحانية، ومخصص بفترة توقف رسمية عن «قطع الرؤوس» الصادرة في حقهم أحكاماً قضائية بالقصاص، ويوزع أوقاته بين قراءة القرآن الكريم، وصلاة التراويح، وزيارة الأقارب من دون شعور بالحنين للمهنة التي ورثها عن والده».وأشار إلى عدم وجود مانع من تنفيذ القصاص خلال الصيام في بعض الأحيان والحالات متى دعت الحاجة إلى ذلك، إذ إنه نفّذ قبل خمسة أعوام حد القتل في أحد المحكوم عليهم بالقتل وهو صائم وذلك في منطقة المدينة المنورة غرب السعودية، مضيفاً أنه اعتاد الصوم عن تنفيذ حد القتل في رمضان، مع استعداده الدائم لتنفيذ الأحكام في أي وقت خلال أيام العام. وأشار إلى أنه يخصص وقتاً كافياً للجلوس مع عائلته وأولاده خلال شهر رمضان، ويمرر «سر» المهنة للراغبين من الأبناء، خصوصاً ابنه بدر المؤهل بقدرات موروثة لحمل الإرث، إضافة إلى التفرغ لأعماله الخاصة، والتقرب إلى الله. واستعاد البيشي ذكريات الماضي، مقارناً بين أيام خلت ولم تخل من تعب وشدة وبين المعاش حالياً، مستشهداً بمائدة رمضان المتنوعة والعامرة بما لذ وطاب من مأكولات ومشروبات قياساً بما مضى من الأيام.
كما استرجع بذاكرته تأثره الشديد وتعاطفه مع محكوم تجاوز سن الـ89 عاماً نفذ فيه الحكم قبل ثلاثة أشهر في منطقة المدينة المنورة، بسبب كبر سنه، مع تفهمه لحيثيات القصاص، مشيراً إلى أنه يفرح بالعفو عن أي محكوم في ساحة القصاص ولا يتعطش للتنفيذ.
وأعرب عن شعوره بالراحة في رمضان من دون فقدانه لحساسية سيفه ومهارة يده، مشيراً إلى أن العودة بعد رمضان لتنفيذ الأحكام طبيعية ولا تتأثر بالتوقف، خصوصاً أنها مهنته التي يمارسها طوال أيام حياته، كون فترة التوقف تمنحه قوة إضافية عند العودة.
وقال: «يستمر سيفي حاداً وأحفظه في جرابه، ولا أحرص على تجريده والنظر إليه، أو صيانته إلا عند تكليفي بتنفيذ حكم قصاص».
وعن نوعية من يلتقي بهم في رمضان وما يتعرض له من إحراج الناس له بسؤالهم عن مهنته، قال «أتحاشى مقابلة الجمهور، خصوصاً من يحاولون التحدث معي ومحاولة الكشف عن سر المهنة»، مشيراً إلى أن الزملاء والمعارف يداعبونه بعض الأحيان بعبارات منها «ماذا جاء بك اليوم؟»، أو «رمضان كريم» وغيرها من العبارات، كما نفى ما يشاع عن تناول «السياف» للمهدئات أثناء تنفيذه لحد القتل، إذ أن الأمر يتم بصورة طبيعية وتلقائية.
وأكد حرصه على أداء الواجبات الاجتماعية في رمضان، وأيام الأعياد، من زيارة الأهل والتواصل مع زملاء المهنة، خصوصاً القادمين منهم إلى جدة، وفتح باب النقاش حول بعض الأخطاء العفوية في تنفيذ القصاص خصوصاً تلك المتداولة عبر مقاطع «البلوتوث»، وإسداء النصح لبعضهم والإفادة من خبرات القدامى منهم.
وقال: «أتحفظ على بعض المواقف الخاصة المتعلقة بسر المهنة التي يتم طرحها أثناء النقاشات الرمضانية، وأنا سعيد جداً بتوقف تنفيذ القصاص خلال شهر رمضان منذ أعوام عدة».
المفضلات