ولما عرف إبراهيم التوحيد؛ سار إلى الله تعالى بخطى ثابتة يدعو قومه، فكان أول ما بدأ به دعوة أبيه إلى الإسلام وإلى التوحيد، فقد كان أبوه من عباد الأصنام ومن سدنتها، فبدأ به كما قال الله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] وهكذا الترتيب في الدعوة يا معشر الدعاة! فيبدأ بالأقربين: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً [مريم:41-45]. فكان جواب الأب الظالم الغشوم: قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ [مريم:46] هل أنت تريد أن تبتعد وتترك هذه الآلهة وتخرج عن عبادتها؟ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ [مريم:46] عن هذه المفارقة للآلهة وهذه الدعوة التي أتيت بها: لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً [مريم:46] فارقني وابتعد عني وإلا رجمتك، كان هذا جوابه، فبماذا أجاب الولد البار بأبيه المشرك؟ قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً [مريم:47]. هذا هو الأسلوب الدعوي الجذاب الذي حاول فيه إبراهيم الخليل، أن يكسر حجة أبيه وأن يعيده إلى جادة الصواب، لقد استخدم هذا الأسلوب الموجب للعطف والحنان، لكي يهدئ من ثورة أبيه المشرك ويحاول اجتذابه، لم يبدأ إبراهيم بالحديث عن غزارة علمه أو قوة حجته، وإنما تكلم بهذا النداء "يا أبتِ" المنطوي على غاية التواضع لهذا الأب له لعله يهتدي، كما أنه لم يصف أباه بالجهل ونفسه بالعلم وإنما قال: يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي