المحاربة أم المحاربين
هي الصحابية الجليلة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف الأنصاري،
المعروفة بأم عمارة،
من نماذج النساء المؤمنات المخلصات، وواحدة من امرأتين حضرتا بيعة العقبة الثانية،
تقول في ذلك: كانت الرجال تصفِّق على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
( ليلة العقبة، والعباس آخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم
( ، فلما بقيتُ أنا وأم منيع أختي؛ نادى زوجى "غُزية بن عمرو":
يا رسول الله هاتان امرأتان حضرتا معنا يبايعانك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم
(: "قد بايعتُهما على ما بايعتُكم عليه، إني لا أصافح النساء" [ابن سعد].
جاهدتْ في سبيل الله بكل ما أوتيتْ من قوة، ونذرت نفسها لإعلاء كلمة اللّه،
فقاتلتْ يوم أُحد وجُرِحت اثنتي عشرة جراحة، وداوت جرحًا في عنقها لمدة سنة
حتى قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم
(: "لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان" [ابن سعد]،
ولما نادى النبي صلى الله عليه وسلم ( إلى حمراء الأسد، شدت عليها ثيابها،
فما استطاعت من نزف الدم، كما شهدت الحديبية وخيبر وحنينًا ويوم اليمامة.
كانت نسيبة تحافظ على حضور الجماعة مع النبي صلى الله عليه وسلم
(؛ كبقية النساء آنذاك، فتسمع منه الدروس وتتعلم أدب الإسلام.
ولما بلغها أن ابنها "حبيبًا" قتله مسيلمة الكذاب، ومثَّل به - عاهدتْ الله
أن لا تموت دون هذا الكذَّاب؛ لهذا جاءت الصديق أبا بكر -عندما أراد إرسال الجيش
إلى اليمامة لمحاربة المرتدين ومسيلمة الكذاب- تستأذنه في الخروج مع الجيش،
فقال لها: قد عرفنا بلاءَكِ في الحرب، فاخرجي على اسم اللّه. وأوصى خالدَ بن الوليد بها خيرًا،
وفى المعركة جاهدت وأبلت أحسن البلاء، وجُرحت أحد عشر جرحًا وقُطِعَتْ يدها،
واستشهد ابنها الثاني عبد اللَّه، وذلك بعد أن شارك معها في قتل مسيلمة عدو اللّه.
ولما هدأت الحرب وصارت أم عمارة إلى منزلها؛ جاءها خالد ابن الوليد
يطلب من العرب مداواتها بالزيت المغلي، فكان أشد عليها من القطع،
ولهذا كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يعودها - وهو خليفة - بعدما عادت من اليمامة؛
لأنه أكرم فيها إيمانها وصدقها وبطولتها، وعَرَفَ شهادة نبي الله
( فيها؛ لهذا ظل يسأل عنها ويعودها، حتى شُفِيَتْ بإذن الله.وكان خالد بن الوليد يزورها
ويعرف حقها ويحفظ فيها وصية سيد البشر (.
تلك هي المسلمة المجاهدة الداعية المربية، التي تعدُّ الأبطال، وتربى الرجال،
التي لا تعبأ بما يصيبها في الدنيا، بعد أن دعا لها النبي صلى الله عليه وسلم
( برفقته في الجنة، فكانت في طليعة المؤمنات الصادقات،
ورصَّعَتْ تاريخها على جبين التاريخ لتكون نموذجًا يُحتذي.