الوكالة
بقلم /مفوز مفيز الفواز

الحلقة الثانية

[align=justify]ينشغل صاحب الوكالة مع ضيفه في عقد الصفقات التجارية ، وتقديم الضيافة الواجبة له.ويستمر الأمين في عمله لتصريف الأمور حتى يأتي المساء ، وقبل غروب الشمس يدفع للعاملين فيها أجر يومهم بعد التأكد من أن جميع البضائع قد رتبت في أماكنها الصحيحة ، وأغلقت الأبواب.
آخر من يخرج من الوكالة ومعه مفاتيحها ، الأمين " أبو صالح " حاملاً معه ما ينوء به كتفُه من الزاد لأهله مما ُسمِح له بأخذه من ولي نعمته ، أو شرائه من المتاجر الأخرى ، وهو منهك القوى بعد عمل شاق لا راحة فيه وقد وقف على قدميه التي لا تقوى حتى على حمل جسمه النحيل ، فما باله وهو يضع حِملاً زائداً على كتفه ، هذا الحِمْلَ .. الذي لا يتجاوز ما "صرَّه" في طرف غِطاء رأسه ، أو ما وضعه في "زنبيل" أمسَك به في يده.
أقبل من بعيدٍ يتمايل وكأنه حمل معه كل ما في السوق من بضائع ، وقد بدا متثاقلاً في مشيته يختفي ويظهر من بين المارة الذين أَفِلوا معه إلى دورهم ، وهم لا يقلون عنه إحساسًا بما يشعر به .وما إن رأى الأولاد أباهم حتى قفزوا يتراكضون لاستقباله ، وكأن الطريق خلَتْ إلا منه ، فهم كانوا ينتظرونه جلوساً على عتبة الباب.
انتبهت الأم بعد أن كانت في غفلة منهم لإنجاز بعض أمرها في الدار ، فنظرت من ثُقب في الباب فلم تجد صغارها عنده .. فَزِعت ، ورفعت بصرها إلى الطريق لتشاهدهم يعدوا الواحد تلو الآخر..وتحيَّنت فرصة عدم مرور أحد في الطريق ، فواربت الباب ونادت :
* صالح .. ارجَع، إنت وإخوانك ، فين رايحين ؟.
لم يجيبوا نداءها .. فهم لن يسمعوها ، وقد ابتعدوا عنها.
انقبض قلب الأم الوَلْهى، خوفاً على صغارها .. وبقيت شاخصة تتبعهم بنظراتها ، وهم ينحرفون في كل اتجاه مجاراةً للطريق والمارة ، ولسانها يلهث بالدعاء لهم بأن يحفظهم الله من كل مكروه ، وبقيَ قلبُها يخفق ، ولم يهدأ لها بال ، حتى رأتهم وهم يحيطون بأبيهم من بعيد.فاطمأنت ، وارتاح بالها، وحمدت الله على سلامة الجميع.
تنبهت لنفسها أنها كانت تقف خلف الباب وهو مواربٌ فأغلقته ، ووقفت خلفه ترقب وصولهم من ثقبٍ فيه ، وما إن همَّ أبو صالح بمد يده لطرق الباب حتى أسرعت إلى فتحه بعد أن استدارت خلفه حتى لا يراها أحد من المارة.
تدافعوا جميعاً على الدخول ، حتى أن والدهم كاد يسقط من على عتبة الدار لمزاحمة أولاده له.
صاحت الأم في أولادها ..
* يا أولاد .. لا تطرحوه.. هو على مزاحمتكم ،أبوكم تعبان.
قال لها الأب :
* اتركيهم .. لا تخافي ، أنا بكُل نشاطي.
تسرع أم صالح .. وتتناول الزنبيل من يده لتخفِّف العبء عنه ، ويستدير أبو صالح ليغلق الباب، بينما الأولاد يشدون عمامة أبيهم كل واحد من طرف ، وكادت تخنقه ، ولكنه أدخل إصبعه بين طياتها ورقبته ليساعدهم على فكها.
تضع الزنبيل على الأرض وتمسك الأولاد بكلتا يديها .. وتقول لهم :
* قُلتْ لُكم ابتعدوا عنُّه ، وخلوه يرتاح.
يقول لها أبو صالح :
* يا أم صالح .. خلي الأولاد .. هم يُجرُّوا العمامة عشان اللي فيها.
* طيب .. بسْ لازم يتعلموا الأدب ويتركوك تجلس ، وبعدين تعطيهم اللي إنتَ جايبه معاك ليهم .. دولا كادوا يخنقوك وأنا أطُلْ فيك.
[/align]



يتبع