[align=center]
عندما سئلت يوما فقيدة الفنّ العربي الأصيل أم كلثوم:ـ أية أغنياتك تعجبك؟
وهنا لحظة صمت. هذا سؤال من صحفي ذكي جدا.
أجابت أم كلثوم: أعجبتني أغنية أراك عصي الدمع شيمتك الصبر لأبي فراس الحمداني
حتى أنّي غنيتها ثلاثة مرّات وفي كلّ مرّة بتلحين وأداء مختلف.
صدقت أم كلثوم في حبها لهذه القصيدة حيث غنّت أراك عصي الدمع ثلاثة مرّات:
مرة من ألحان الشيخ أبا العلا محمد لكن الصحيح هي من ألحان عبده الحامولي
وثانية من ألحان الشيخ زكريا أحمد وثالثة من ألحان الموسيقار رياض السنباطي
قصيدة "أراك عصي الدمع" بها من الأمثال والحكم ما يفوق الوصف وما تضاهي به قصائد المتنبي.
ففي الأيام والناس يذكر لنا الحمداني في قصيدته:
ومـا هـذه الأيـام إلاّ صحائـف***لأحرفهـا من كف كاتبهـا بشـر
ويصرح بغربته وإن كان بين أهله وفي داره فهو يرى نفسه بعيدا عن محبوبته غريب:
بـدوت وأهلـي حاضرون لأننـي***أرى أن دارا لست من أهلها قفـر
ويرجع على حبيبته ويحملها كلّ أسباب أحزانه ومصائبه بقوله:
وما كان للأحـزان لولاك مسـلك***إلى القلب لكن الهوى للبلى جسـر
ويرى بأنّ محبوبته يرخص لأجلها أي مهر:
تهون علينا في المعالـي نفوسنـا***ومن خطب الحسناء لم يغلها المهـر
وفي الغنى والفقر ينشد ويقول:
ولا راح يطغينـي بأثوابـه الغنـى***ولا بات يثنينـي عن الكرم الفقـر
وفي العرض قال:
وما حاجتي بالـمال أبغي وفـوره***إذا لم أفر عرضي فلا وفـر الوفـر
وفي القضاء والقدر:
ولكن إذا حم القضاء على امـرئ=فليـس له بـر يقيـه ولا بـحر
وبما أنه فارس شجاع يختار الردى على السلامة عندمّا خيّروه صحبه بينهما فهو يرى أن الهلاك بشرف وكرامة وشجاعة أيسر من السلامة مع الذلّ والخنوع والاستسلام ويرى في اختياره للموت ومراهنته عليه غير خاسر:
وقال أصيحـابي الفرار أو الـردى***فقلت هـما أمران أحلاهـما مـر
ولكننـي أمضي لـما لا يعيبنـي***وحسبك من أمرين خيرهما الأسـر
يقولون لي بعت السـلامة بالردى***فقلـت أما والله مانالنـي خسـر
وهو ينظر إلى الموت كما ذكرته الأبيات:
وهل يتجافى عني الـموت ساعـة***إذا ماتـجافى عني الأسر والضـر
هو الموت فاختر ماعلا لك ذكـره***فلم يمت الإنسان ماحيي الذكـر
وإن مـت فالإنسان لابد ميـت***وإن طالت الأيام وانفسح العمـر
ولا خيـر في دفع الردى بـمذلة***كما ردها يوما بسـوءته عمـرو
يقصد شاعرنا هنا سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه في مواجهته يوم صفين أمام سيدنا أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، والقصة معروفة.
قصيدة تحتوي على هذا الكم من الأمثال والحكم وتزيد فيها من الوفاء والشجاعة والحبّ والحرب لأحقّ أن تعتبر.
جمال هذه القصيدة ورزانة معانيها وسلسلة تعابيرها دفعت بمعظم الفنانين إلى التغنّي بها من الشيخ أبو العلا والسيدة أم كلثوم إلى فناني زماننا، غالبية أساطين الغناء والطرب في اليمن غنّوها وما يزال الشباب من بعدهم يغنّوها، وليس هذا مقتصرا على اليمن فحسب بل يشمل الجزيرة والخليج وعموم الوطن العربي من موريتانيا والسودان حتى البحرين وقطر.
القصيدة كاملة لمن أحبّ قراءتها:
[poem=font="Arabic Transparent,6,#0300FF,bold,normal" bkcolor="" bkimage="images/toolbox/backgrounds/17.gif" border="ridge,4,#400000" type=1 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]
أراك عصي الدمع شيمتـك الصبـر=أما للهوى نهـي عليـك ولا أمـر
بلى أنا مشتـاق وعنـدي لوعـة=ولكـن مثلـي لايـذاع لـه سـر
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى=وأذللت دمعا مـن خلائقـه الكبـر
تكاد تضيء النار بيـن جوانحـي=إذا هي أذكتهـا الصبابـة والفكـر
معللتي بالوصـل والمـوت دونـه=إذا مت ظمآنـا فـلا نـزل القطـر
حفظـت وضيعـت المـودة بيننـا=وأحسن من بعض الوفاء لك العـذر
ومـا هـذه الأيـام إلاّ صحـائـف=لأحرفها مـن كـف كاتبهـا بشـر
بنفسي من الغادين في الحي غـادة=هواي لها ذنـب وبهجتهـا عـذر
تروغ إلى الواشين فـي وإن لـي=لأذنا بها عـن كـل واشيـة وقـر
بدوت وأهلـي حاضـرون لأننـي=أرى أن دارا لست من أهلهـا قفـر
وحاربت قومي في هـواك وإنهـم=وإياي لولا حبـك المـاء والخمـر
فان يك ماقال الوشـاة ولـم يكـن=فقد يهدم الإيمـان ماشيـد الكفـر
وفيت وفي بعـض الوفـاء مذلـة=لإنسانة في الحي شيمتهـا الغـدر
وقور وريعـان الصبـا يستفزهـا=فتـأرن أحيانـا كمـا أرن المهـر
تسائلني من أنـت وهـي عليمـة=وهل بفتى مثلي على حالـه نكـر
فقلت كما شاءت وشاء لها الهـوى=قتيلـك قالـت أيهـم فهـم كثـر
فقلت لها لو شئـت لـم تتعنتـي=ولم تسألي عني وعندك بي خبـر
فقالت لقد أزرى بك الدهـر بعدنـا=فقلت معاذ الله بل أنـت لا الدهـر
وما كان للأحـزان لـولاك مسلـك=إلى القلب لكن الهوى للبلى جسـر
وتهلك بين الهزل والجـد مهجـة=إذا ماعداها البين عذبهـا الهجـر
فأيقنت أن لاعـز بعـدي لعاشـق=وأن يدي مما علقـت بـه صفـر
وقلبت أمـري لا أرى لـي راحـة=إذا البين أنساني ألح بـي الهجـر
فعدت إلى حكم الزمـان وحكمهـا=لها الذنب لاتجزى به ولـي العـذر
كأنـي أنـادي دون ميثـاء ظبيـة=على شرف ظميـاء جللها الذعـر
تجفـل حينـا ثـم ترنـو كأنهـا=تنادي طلا بالواد أعجـزه الخضـر
فلا تنكريني يـا ابنـة العـم إنـه=ليعرف من أنكرته البدو والحضـر
ولا تنكرينـي إننـي غيـر منكـر=إذا زلت الأقدام واستنـزل النصـر
وإنـي لـجـرار لـكـل كتيـبـة=معـودة أن لايخـل بهـا النصـر
وإنـي لنـزال بـكـل مخـوفـة=كثير إلى نزالهـا النظـر الشـزر
فأظمأ حتى ترتوي البيض والقنـا=وأسغب حتى يشبع الذئب والنسـر
ولا أصبح الحي الخلـوف بغـارة=ولا الجيش مالم تأته قبلـي النـذر
ويـارب دار لـم تخفنـي منيعـة=طلعت عليها بالردى أنـا والفجـر
وحي رددت الخيـل حتـى ملكتـه=هزيما وردتنـي البراقـع والخمـر
وساحبة الأذيـال نحـوي لقيتهـا=فلم يلقها جافي اللقـاء ولا وعـر
وهبت لها ما حازه الجيـش كلـه=ورحت ولم يكشف لأبياتهـا ستـر
ولا راح يطغينـي بأثوابـه الغنـى=ولا بات يثنيني عن الكـرم الفقـر
وما حاجتي بالمال أبغـي وفـوره=إذا لم أفر عرضي فلا وفـر الوفـر
أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى=ولا فرسي مهـر ولا ربـه غمـر
ولكن إذا حم القضاء علـى امـرئ=فليـس لـه بـر يقيـه ولا بحـر
وقال أصيحابي الفـرار أو الـردى=فقلت همـا أمـران أحلاهمـا مـر
ولكننـي أمضـي لمـا لا يعيبنـي=وحسبك من أمرين خيرهما الأسـر
يقولون لي بعت السلامة بالـردى=فقلـت أمـا والله مانالنـي خسـر
وهل يتجافى عني المـوت ساعـة=إذا ماتجافى عني الأسـر والضـر
هو الموت فاختر ماعلا لـك ذكـره=فلم يمت الإنسـان ماحيـي الذكـر
ولا خير في دفـع الـردى بمذلـة=كما ردها يومـا بسوءتـه عمـرو
يمنـون أن خلـوا ثيابـي وانمـا=علي ثيـاب مـن دمائهـم حمـر
وقائم سيف فيهـم أنـدق نصلـه=وأعقاب رمح فيهم حطـم الصـدر
سيذكرني قومـي إذا جـد جدهـم=وفي الليلة الظلمـاء يفتقـد البـدر
فإن عشت فالطعن الذي يعرفونـه=وتلك القنا والبيض والضمر الشقر
وإن مـت فالإنسـان لابـد ميـت=وإن طالت الأيام وانفسـح العمـر
ولو سد غيري ماسددت اكتفوا بـه=وما كان يغلو التبر لو نفق الصفر
ونحـن أنـاس لا توسـط عندنـا=لنا الصدر دون العالمين أو القبـر
تهون علينا في المعالـي نفوسنـا=ومن خطب الحسناء لم يغله المهر
أعـــز بـنــي الـدنـيـا، وأعـلــى ذوي الـعــلا=وأكــــرم مــــن فــــوق الــتــراب ولا فــخــر[/poem]
نقلها اخوكم عاشق حزن من احد المنتديات
كل الود[/align]
المفضلات