جَبَلِ بُوَانَةَ :

بُوَانَةَ : بِضَمّ أَوّلِهِ, وَفَتْحِ ثَانِيهِ الْوَاوِ أُخْتُ الْيَاءِ, ثُمَّ نُونٍ فَوْقِيَّةٌ مَفْتُوحَة, وَآخِرُهُ هَاءٌ بِالْفَتْحِ أَيْضا, جَبَلٌ لِجُهَيْنَةَ بَيْنَ الْحَوْرَاءِ وَيَنْبُعَ, قَالَ الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِ مَا اُسْتُعْجِمَ : بُوَانَةُ : بِضَمِّ أَوَّلِهِ, وَبِالنُّونِ, عَلَى بِنَاء فُعَالةُ, مَوْضِعٌ بَيْنَ الشَّامِ وَبَيْنَ دِيَارِ بَنِي عَامِرٍ, قَدْ ذَكَرَتْهُ بأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي رَسْمِ المُضَّيح, فَانْظُرْهُ هُنَاكَ, وَحَكَى يَاقُوتُ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ: بُوَانَةَ : بِالضَّمِّ وَتَخْفِيف الْوَاو, قَرِيبٌ مِنْها مَاءَةٌ تُسَمَّى القُصَيْبَة, وَمَاءٌ آخَرُ يُقَال لَهُ : الْمَجَاز, قَالَ الشَّمَّاخ ابْنُ ضِرَار :
نَظرْتُ وَسَهْبٌ مِِنْ بُوَانَةُ بَيْننَا ... وَأَفْيَحٌ مِنْ رَوْضِِ الرَّباب عَمِيْقُ
وَهَذَا يُرِيكَ أَنَّهُ جَبَلٍ, وَقَال آخَرُ :
لقد لَقِيَتْ شَوْلٌ بجَنْبَيْ بُوانةٍ ... نَصِيًّا كَأَعْرَافِ الكَوادِنِ أَسْحَما
وَفِي حَدِيثِ مَيْمُونَة بِنْت كَرْدَمٍ أَنَّ أَبَاهَا قَال لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَذْبَحَ خَمْسِينَ شَاةً عَلَى بُوَانَةَ, فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ هُنَاكَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ النُّصُبِ ؟, فَقَال : لاَ, قََال : فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ فَذَبَحَ تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ, وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٍ, فَجَعَل يَعْدُو خَلْفَهَا وَيَقُولَ : اللَّهُمَّ أُوفِيَ بِنَذْرِي, حَتَّى أَمْسَكَهَا فَذَبَحَهَا, وَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ لاََ لَفْظِهِ .

وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كِتَابِهِ الأَْمْكِنَةِ وَالْجِبَال وَالْمِيَاهِ, نُسْخَةَ السَّامُرَائِيّ : بُوَانَةَ : قَالَ السَّيِّد عُليّ : هَضْبَةٌ وَرَاء يَنْبُع قَرِيبَةٌ مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ, وَقَرِيبٌ مِنْهَا مَاءٍ يُسَمَّى القُصَيْبَة, وَمَاءٌ أُخَرُ يُقَالُ لَهُ : الْمَجَاز, وَأَنْشَدَ :
تُرَانِي يَا عُلِيَّ أَمُوتُ وَجْدًا ... وَلَمْ أََرْعََ الْقَرَائِنُ مِنْ رِئَامِ
وَلَمْ أََرْعََ الْكَرَى فَمُشَاوِطْاتٍ ... وَأوْرِدهَا الْمَجَاز وَهِيَ ظَوْامِي

قَال : وَقَدْ رَأَيْتُ بُوَانَةُ وَتَرْعَيْتُ فِيهَا, قَالَ : وَكَرَى وَمُشَاوِطْاتُ : خَبْتَان, وَالْقَرائِنُ بِرَاقٌ, وَرِئامِ : وَادٍ تَسِيلُ فِيهِ الْقَرَائِن, وَفِي التَّاجِ لِلزُّبَيْدِيِّ: وَبُوانَةُ : كثُمامَةَ, هَضْبةٌ وَرَاءَ يَنْبُعُ, ويُفْتَحُ, كَذَا ذَكَرَهُ اِبْنُ الأثيرِ بالوَجْهَيْن, وَأَيْضاً : مَاءَةٌ لِبَنِي جُشَمَ بْن مُعاوِيَةَ بْنِِ بكْرِ بْنِِ هَوَازِنَ بالقُرْبِ مِنْ مكَّةَ, قالَهُ نَصْرٍ, وَأَيْضاً : مَاءٌ لِبَنِي عُقَيْلٍ, وَأَنْشَدَ الجوْهَرِيُّ :
لقد لَقِيَتْ شَوْلٌ بجَنْبَيْ بُوانةٍ ... نَصِيًّا كَأَعْرَافِ الكَوادِنِ أَسْحَما
وَقَالَ وَضَّاحُ الْيَمَنِ :
أَيا نَخْلَتَيْ وَادِي بُوانَةَ حَبَّذا ... إِذَا نَامَ حُرَّاسُ النَّخِيل جْنَاكُمَْاََ

وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ : قَوْلُهُ بِبُوَانَةَ : بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ, قَال فِي التَّلْخِيصِ : مَوْضِعٌ بَيْنَ الشَّامِ وَدِيَارِ بَكْرٍ قَالَهُ أَبو عُبَيْدَةَ, وَقَال الْبَغَوِيّ : أَسْفَلَ مَكَّةَ, دُونَ يَلَمْلَمُ, وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ : هَضْبَةٌ مِنْ وَرَاءِ يَنْبُعَ, وَمِثْلُهُ في النِّهَايَةِ, وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كِتَابِهِ الأَْمْكِنَةِ وَالْجِبَال وَالْمِيَاهِ: بُوَانَةَ : مَوْضِعٌ, قَالَ :
لَقَدْ لَقِيتْ شَوْلٌ بِجَنْبَيْ بُوَانَةٍ ... نَصِيًّا كَأَعْرَافِ الكَوادِنِ أَسْحَمَا
وَقَالَ ابْنُ الأَْثِيرِ فِي غَرِيبِ الْأَثَرِ: بُوَانَةَ : هِيَ بِضَمِّ الْبَاءِ, وَقِيلَ بِفَتْحِهَا, هَضْبَةٌ مِنْ وَرَاءِ يَنْبُعَ, وَأَنْشَدَ الزَّفَيَانُ :
مَاذَا تَذَكَّرْتُ مَنْ الأَظْعَانِ ... طَوالِعاً من نحوِ ذي بُوانِ

وَقَالَ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَان : وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنّهُ أَرَادَ بُوَانَةَ فَأَسْقَطَ الْهَاءُ لِلْقَافِيَةِ, وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ مَا اتَّفق لَفْظُهُ وَافْترقَ مُسَمَّاهُ مِنْ أسماءِ الأَمْكِنَةِ : بُوَنَّةَ : وَأَمَّا الثَّانيَ : بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ, وَادِي بُوَنَّةَ يُذكَرُ, وَقَال النَّسَّابَةُ الْجُغْرَافِيّ عَاتِقٍ بْن غَيْث الْبِلَادِيّ فِي كِتَابِهِ مُعْجَمِ مَعَالِمِ الْحِجَازِ : بُوَانَةََ : بِضَمِّ الْمُوَحَّدَة, وَبَعْد الْوَاوِ نُونٍ, وَآخِره هَاء, الَّتِي ذَكَرَهَا عُليِّ بْن وَهّاسٍ : جَبَلٌ يَقَعُ شَمَالَ وَادِي نَبْطٍ, شَمَالَ مَدِينَةِ يَنْبُعَ الْبَحْرَ بِمَا يَقْرُبُ مِنْ مَائِةِ كَيْلٍ, تَرَاهُ مِنْ الطَّرِيقُ الْمُزَفَّتَة, الْمُمْتَدَّةُ عَلَى السَّاحِلِ وَأَنْتَ تَؤُمُّ الحَوْرَاءِ « أُمِّ لَجَّ » الْيَوْمَ, وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ مَا اتَّفق لَفْظُهُ وَافْترقَ مُسَمَّاهُ مِنْ أسماءِ الأَمْكِنَةِ : بَابِ تُرْعَةَ وَيَرَعَةَ : أمََّا الأَوَّلُ : بِضَمِّ التّآءِ بَعْدَهَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ, قَرْيَةٌ بالشَّام، قِيْل : يُنْسَبُ إِلَيْهَا بَعْضُ الرُّواةِ, وَأَمَّا الثَّانِيْ : أَوَّلُهُ ياءٌ تَحْتَها نُقْطَتان مفْتُوحَةٌ ثم راءٌ مَفْتُوحَةٌ أَيْضاً, مَوْضِعٌ بَيْنَ بُوَانَة وَالحُرَاضَةِ، فِي دِيَارِ فَزَارَةَ، وهُوَ مِنْ أَعْمَالِ وَالِي المَدِينَةِ

قَالَ الْمُؤَلِف اِبْنُ غُنَيْم الْْمَرْوَنِيُّ الجُهَنِيُّ :
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَغَيْره مِنْ حَدِيثٌ صَحِيح فَقَالَ : حَدّثَنَا دَاوُدُ بْن رُشَيْدٍ, ثنا شُعَيْبُ بْن إسحاق, عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ, عَنْ يحيى بْن أَبِي كَثِيرٍ قَالَ : حَدّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ قَالَ : حَدّثَنِي ثَابِتُ بْن الضَّحَّاكِ قَالَ : نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ, فَأَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم, فَقَالَ : إِنّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ, فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ ؟, قَالُوا : لَا, قَالَ : هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ ؟, قَالُوا : لَا, قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أَوْفِ بِنَذْرِكَ, فَإِنّهُ لَاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ, وَلَاَ فِيمَا لَاَ يَمْلِكُ بْنِ آدَمَ »,

وَفِي هَذَا الْحَدِيث مَا يَدُل عَلَى أَنَّ قِصَّةُ ذَلِكَ الْوَثَنِ « الْكَعْبَةَ » الَّتِي أَرَادَ ابْنُ حُدَيْبٍ بِنَائِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِجُهَيْنَةُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ بِنَائِهَا, بِخِلاَفِ مَا يَزْعُمُهُ بَعْض أَهْلِ الْجَهْلِ مِنْ أَنَّهُ قَدْ بَنَاهَا, لأَِنَّ بُوَانَةَ مِنْ الْحَوْرَاء, إِذْ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ ذَاكَ الصَّحَابِيِّ أَنَّ بِالْحَوْرَاء ذَلِكَ الصَّنَمُ الآْتِي ذِكْرُهُ, لِمَا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَيْسَ بِهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ, وَحَاشَا صَحَابَةِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَوْهَام, أَوْ قَوْلٍ غَيْرِ الصِّدْقِ .

وَهَذِهِ صِفَةٌ لَجَبَلِ بُوَانَةَ, لَنْ تَجِدَ لَهُ صِفَةٍ بِأَتَمَّ مِمَّا فِي كِتَابِي هَذَا, وَإِنّمَا أَصِفهُ عَنْ مَعْرِفَةً وَمُشَاهَدَةٌ لَهُ, إِذْ أَنَّ أَرْضَ الْحَوْرَاءِ وَمَا جَاوَرَهَا مِنْ مَنَازِلِ قَوْمِي الْمَرَاوِين, وَهُمْ أُمَرَاءَ قَبِيلَة جُهَيْنَةَ عَامّةً فِي الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّه, فَجَبَل بُوَانَةَ يَقَعُ شَمَالَ بِلَادِ يَنْبُعَ الْبَحْرَ, وَهُوَ فِي الْجِهَةِ الْجَنُوبِيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ لِلْحَوْرَاء, وَيَبْعُدُ عَنْ أُمِّلَجٍّ الْحَوْرَاءِ مَسَافَةَ 40 كَيْلاً, قَالَ الْمُؤَرِّخُ تَنْضِيْب الْفَايِدِي الْجُهَنِيَّ : وَبَوَانَةَ : جَبَلٌ مُتَوَسِّطُ الاِرْتِفَاعِ, عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ، وَمَا زَالَ بِنَفْسِ الْمُسَمَّى, وَيَقَعُ قَرِيباً مِنْ الْحَوْرَاء أُمِّلَجٍّ, انْتَهَى كَلَامَهُ, وَهُوَ جَبَلٌ أَبْيَضَ اللَّوْنِ تُخَالِطْهُ حُمْرَةً, وَلَيْسَ بِشَاهِق الاِرْتِفَاعُ, وَيَبْلُغَ طُولِهِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةُ أَكْيَالٍ, وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرِ, قَرِيبٌ مِنْ الشَّاطِئِ, فَإِذَا نَزَلَتْ بِسَفحِهِ الْغَرْبِيِّ تَرَى الْبَحْرَ يَمِينَك نَاحِيَةِ مَغِيبَ الشَّمْسِ, وَهُوَ مُتَنزِّهٌ بَرِيَّ لْأَهَالِي الْحَوْرَاء, وَتَجِدُهُ عَلَى يَسَارِك إذَا يَمَّمَتَ أُمِّلَجٍّ, يَحُدُّهُ جَنُوبًا الحَسِي, وَبَيْنَهُمَا حَوَالَي عَشْرَةِ أَكْيَالٍ, وَأَمَّا شَمَالًا فَحَدّهُ خَبْت الشَّبْعَان, وَالْشَّبْعَان كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الشِّبَع, ثُمَّ تَمْضِيَ قَاصِداً الْحَوْرَاء فَتَمُرَّ عَلَى يَمِينِك جِبَالُ أُمّ عضَام, وَهِيَ أَجْبُلٌ كِبَار يُفِيضَ سَيْلُهَا بِالْبَحْر, وَتَنْحَدِرُ مِنْهَا عَلَى وَادِيَ القواق, وَكَانَ يُسْمَى قَدِيماً الْعَقِيق, وَهُوَ وَادٍ عَرِيض يَدْفَعُ فِي الْبَحْرِ عِنْد الجَبْنُون, وَقَدْ أَكْثَرَ الرَّحّالةُ مِنْ ذِكْرِهِ فِي كُتُبِهِمْ, ثُمَّ تَمْضِيَ حَتَّى تَصِلَ إلَى أَرْضُ الْحَوْرَاءِ الْأَثَرِيَّةِ, وَهِيَ الْيَوْمَ مُحَاطَةً بِسِوْارٍ مِنْ الْحَدِيدِ, ثُمَّ تَدْخُلَ مَدِينَةِ أُمِّلَجٍّ الْحَدِيثَةِ, وَأَرَى أَنَّ أُمَّ لَجَّ وَالْعِلْم عِنْد اللَّه سُمّيَتْ بِذَلِكَ نِسْبَةٌ إِلَى لُجَّةِ الْبَحْرِ وَصَوْت أَمْوَاجِهِ, فَيُقَال : أُمَّ لَجَّ الْبَحْرِ, وَلُجُّ البَحْرِ ولُجَّةُ البَحرِ, وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلِهِ تَعَالَى : « أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ », وَقَالَ السُّكَّرِيّ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ دِيوَانِ الْهُذَلِيِّين: اللُّجَّةُ : الْمَاءُ الْكَثِيرُ الّذِي لاَ يُرَى طَرَفَاهُ .

وَرَوَى أَبُو الْمُنْذِرِ الْكَلْبِيَّ الْقُضَاعِيّ فِي « كِتَابِ الْأَصْنَامِ » : وَكَانَ رَجُلً مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَالُ لَهُ : عَبْدِ الدَّارِ بْن حُدَيْبٍ قَالَ لِقَوْمِهِ ‏:‏ هَلُمُ نَبْنِي بَيْتًا بِأَرْضٍ مِنْ بِلادِهِمْ, يُقَالُ لَهَا : الْحَوْرَاء, نُضَاهِيَ بِهِ الْكَعْبَةِ, وَنُعَظِّمَهُ حَتَّى نََسْتَمِيْلَ بِهِ كَثِيراً مِنَ الْعَرَبِ, « فَأَعْظِّمُوا ذَلِكَ, وَأَبَوْا عَلَيْهِ », فَقَالَ فِي ذَلِك :
وَلَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ بِأَنْ تُقَامَ بَِنيَّةًَ .... لَيْسَتْ بحَوْبٍ أَوْ تُطِيفُ بِمَأْتَمِ
فَأَبَى الَّذِينَ إِذَا دُعُوْا لِعَظِيْمَةٍ ... رَاغَوْا وَلاَذُوْا فِي جَوَانِب قودمِ
يَلحُوْنَ أَلاَّ يُؤمَرُوْا فَإِذَا دُعُوا.... وَلَّوْاْ وَأَعْرَضَ بَعْضهُمْ كَالأَْبْكَمِ
صَفْحٌ مَنَافِعَهُ وَيَغْمُضُ بِكَلِمَةٍ ... فِي ذِي أَقَارِبِهِ غُمُوض المِيسَمِ


قَالَ اِبْنُ غُنَيْم الْْمَرْوَنِيّ :
وَقودمٍ الَّذِي فِي الْأَبْيَاتِ السَّابِقَة هُوَ جَبَلٌ لِجُهَيْنَةَ, بِقُرْبِ يَنْبُعَ, وَلاَ يُزَال الْجَبَل سُكَّانِهِ جُهَيْنَةَ, وَهُوَ إِلَى الْيَوْمِ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الاِسْمُ الْقَدِيم, وَيَقَعُ بَيْنَ جَبَلِ الْأَشْعَر وَيَنْبُعَ النَّخْل, وَقَدْ ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيَّ فِي كِتَابِهِ الأَْمْكِنَةِ وَالْجِبَال وَالْمِيَاهِ, عِنْدَ تِعْدَادِهِ لِلأَجْبُلِ الصِّغَارِ الَّتِي بَيْنَ يَنْبُعَ وَمَكَّةَ, مِنْ رِوَايَة عُليٌّ بْن وَهّاسٍ اليَنْبُعِي, وَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّهُ يَقَعُ جَنُوبِيِّ الْسِوْيق وَالْجَابِريَّةُ مِنْ يَنْبُع النّخْل, بِالمُنْتَصَفِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّرْجةِ, لاَ يَبْعُدُ عَنْهُم سِوَى بِضْعَةُ أَكْيَالٍ, وَلَمْ أَرَهُ إِلَى الآْنَ, وَجَاءَ فِي مَوْسُوعَةِ مَوْسُوعَةِ أَسْمَاءِ الْأَمَاكِنَ فِي الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ فِي بَابِ الْجِبَال : جَبَلِ قودمِ : (JABAL QAWDAM) يَقَعُ فِي مَنْطَقَةُ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ, دَائِرَة عَرْضٍ : (24 / 23 وَخَطُ طُولٍ : 38 / 42), وَلَيْسَ فِي جَزِيرَةُ الْعَرَبِ جَبَلٍ بِهَذَا الاِسْمِ غَيْرِه, وَلَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرٌ عِنْدَ غَيْرِنَا .

وَأَرْضُ الْحَوْرَاء تَارِيخُهَا قَدِيمٍ, يَقُولُ فلافيوس يوسفيوس فِي (Arhaeologia ط : Naber) : إِنَّ مُوسَى قَدْ فَرَّ إِلَى مَدِينِةِ مَدْيَنَ الْمُوَاجِهة لِلْبَحْرِ الْأَحْمَر, وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّ مَدِينَةِ مَدْيَنُ قَدْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً عَامّةً فِي أَوَائِل التّارِيخ الْمَسِيحِيّ, وَمَدِينَهَ الْحَوْرَاء مَدِينَةِ أَهْل مَدْيَنَ الْقَدِيمَةِ, الَّتِي تَقَع قَرِيبًا مِنْ وَاحَةِ الْبِدْع, وَبَطْلَيْمُوس فِي جُغْرَافِيتِه يُشِيرُ إِلَى أَنَّ فُرَضَة مَدْيَنَ تَقَع إلَى الْجَنُوب, فَهِيَ لِذَلِكَ تَقَعُ وَرَاء خَلِيجُ الْعَقَبَةِ, انْتَهَى مَا نَقَلْتُهُ مِنْ كِتَابِ بِلَادِ الْعَرَبِ الْحَجَرِيَّةُ, وَالْحَوْرَاء فِي لُّغَةِ الأُْمَمِ الأُْخْرَى تَعْنِي (Leukekome) .

وَوَقَعَ فِي كِتَاب دُرَر الْفَوَائِدِ الْمُنَظِّمَةِ فِي أَخْبَارِ الْحَاجُّ وَطَرِيقُ مَكَّةَ الْمُعَظَّمَةِ, لِعَبْدُ الْقَادِر بْن مُحَمّدٍ الْجَزِيرِيّ الأَْنْصَارِيُّ ثُمّ الْبَلَوِيَّ الْمُتَوَفى سَنَةَ 977 لِلْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ, نُسْخَةِ الشّيْخِ حَمْد الجَاسِر : وَمَغَارَة نَبْطٌ حَدُّ جُهَيْنَةَ مِنْ بَنِي حَسَن, يَصِلُ إِلَيْهَا رَابِعَ عَشَرَ يَوْمٍ مِنْ عَقَبَةُ أَيْلَةَ, فِي مَضَايِق وَحدرَةُ, وَشَجَرِ الْأَثْل بِهَا كَثِيرٌ, وَأَصْحَابَ دَرْك سقايتها بَنُو حَسّان, مِنْهُمْ : مُحَمّد بْن حُمَيْدِيّ, وتريم [؟], وَرِفْقَتَهم, وَطَوَائِف عُرْبَان جُهَيْنَةَ بِتِلْكَ النَّوَاحِي كَثِيرُونَ, مِنْهُمْ الطَّوَائِف الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ المَحْمَلِ, وَمِنْهُمْ بَدَناتٍ اُخَرُ يَسْكُنُونَ الْبَرّ مِنْ جُهَيْنَةَ, كََالْمَقابِلةَ, وَالْفُوَايِده, وَعنَمَة, وَالْعُقب, وَبُدَيْل [بُذَيْل], وَبَنُو حَسّان, ورشم [؟], وَحُمَيْس [حُبَيْش], وَالْعَوَامِرة, إِلَى آخِرِ مَا قَال

قَالَ اِبْنُ غُنَيْم الْْمَرْوَنِيّ :
ورشم فِي نُسْخَة مِصْر ظَهَرَت هَكَذَا ورستم, وَلَمْ أَتَبَيَّنَ وَجْهِهَا إِِلَى الآْنَ, وَأَمَّا بَنُو حَسّان فَهُمْ الْحَسَّاسِنَةَ, بَطْنٌ قَدِيمٌ مِنْ الْجِذَمُ المُوسَاوِيّ مِنْ جُهَيْنَةَ, لاَ يَزَالُ فِي جُهَيْنَةُ, مَنَازِلِهِمْ بِأُمّلَجَّ, وإِلَيْهِم يُنْسَبُ جَبَلَ أَوْ جَزِيرَةَ الْحَسّانِي مِنْ الْحَوْرَاء, يَقُول أَبُو سَالِمٍ العَيّاشِيّ مِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ الْعَاشِرَ فِي كِتَابِهِ مَاءُ الْمَوَائِدِ : الْحَوْرَاء مَوْضِعٌ قُرْبَ الْمَدِينَةِ, وَهُوَ مَرْفَأ سُفُنِ مِصْرٍ, وَبِهَا الْجَبَلُ الْمُنْقَطِعَ فِي الْبَحْرِ, « وَيُسَمَّى الْحَسّانِي » يَسْكُنُهُ أَعْرَابٌ فِي أَخْصَاصٌ وَكُهُوف، وَوَرَدَ فِي كِتَابِ أُمّلَجَّ : أَوَّلَ حَاكِمٍ لِأُمّلَجَّ كَانَ الشَّيْخُ مُبَارَك الْحَسّانِيّ الَّذِي عُيْنَ عَامَ 1302هـ, فِي عَهْدِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّة, وَعُيْنَ حَمَد الْحَسّانِيّ مُسَاعِدَ قَائِمَمَقَام أُمّلَجّ عَام 1332هـ, فِي عَهْدِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّة, وَلَدَى الشَّيْخَ مُبَارَك الْحَسّانِيُّ وَثِيقَةً مُؤَرَّخَةً فِي عَام 1140هـ, تُؤَكَّدُ مَا ذَكَرْنَا سَالِفاً

[/QUOTE]