وَإِعْلَمْ أَنَّ جُهَيْنَةَ وَبَلِيُّ مِنْ أَقْدَمِ قَبَائِلِ الْعَرَب, وَأَنَّهُمْ أَوَّل مَنّ سَكَنُوا الْحِجَاز, وَقَدْ نَزَلُوا عَلَى قَوْمٌ مِنْ جُرْهُمٍ الْآخِرَةِ, وَلَيْسَتْ بِجُرْهُمٌ الْأُولَى الْبَائِدَةِ, وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ اِبْنُ النّجّارِ فِي كِتَابِهِ الدُّرَّةُ الثَّمِينَةِ مِنْ أَخْبَار الْمَدِينَةِ, قَالَ : أَنْبَأَنَا ذَاكِرَ بْن كَامِل قَالَ : كَتَبَ إلَيَّ أَبُو عَلِيّ الْحَدَّاد, أَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ الْحَافِظ أَخْبَرَهُ إجَازَةً عَنْ أَبِي مُحَمّد الخلدي قَالَ : أَنْبَأَنَا مُحَمّد بْن عَبْدِ الرّحْمَنِ الْمَخْزُومِيَّ قَالَ : حَدّثَنَا الزّبَيْرُ بْنُ بَكّارٍ قَالَ : حَدّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن زُبَالَة, عَنْ إبْرَاهِيمَ بْن أَبِي يَحْيَى قَالَ : قَالُوا : وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ قُرَىٍ وَأَسْوَاق مِنْ يَهُودَ بَنِي إِسْرَائِيل, وَكَانَ قَدْ نَزَل عَلَيْهِمْ أَحْيَاءٌ مِنْ الْعَرَبِ, فَكَانُوا مَعَهُمْ وَابْتَنَوْا الآْطَامَ وَالْمَنَازِل « قَبْل نُزُول الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ, وَهُمْ بَنُو أُنَيْف حَيٌّ مِنْ بَلِيّ », انْتَهَى,

وَقَدْ حَكَى اِبْنُ سَعِيد الْأَنْدَلُسِيّ بِكِتَاب نَشْوَة الطَّرَب فِي تَارِيخِ جَاهِلِيَّةِ الْعَرَبِ : قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : لَمَّا دَخَلَتْ قُضَاعَةَ بِالْفِتْنَةِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي عَمَّها التّبَابِعَةِ بِالْحِجَازِ, خَمَدَ ذِكْرُهُمْ فِي الْيَمَنِ وَجِهَاتِهِ, وإِشْتُهِرُوا بِالْحِجَازِ, وَنُسِبُوا إلَى مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ, فَقِيلَ قُضَاعَةَ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ, وَإِنَّمَا الْأَصَحُ وَالْأَشْهَر مَا قَالَهُ شَاعِرُهُمْ :
نَحْنُ بَنُو الشَّيْخِ الهِجَانِ الأَزْهَرِ .... قُضَاعَةُ بْنُ مَالِك بْن حِمْيَرِ

وَيَرْوِي ابْنُ زَبَالَة الْمَدَنِيّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 197 مِنَ الْهِجْرَةِ فِي كِتَابِهِ أَخْبَار الْمَدِينَة :
وَكَانَ لِبَنِي أُنَيْفٍ بِقُبَاءَ : الْأَجَش, عِنْد الْبِئْر الَّتِي يُقَالُ لَهَا : لاوَة, وَأُطْمَان فِيمَا بَيْنَ الْمَال الَّتِي يُقَالُ لَهَا : الماثة, وَالْمَال الَّذِي يُقَال لَهُ : الْقَائِمُ, وَآطَامٌ عِنْد بِئْر عَذْق وَغَيْرِهَا, وَقَالَ شَاعِرُهُمْ :
وَلَوْ نَطَقَتْ يَوْمًا قُبَاء لْخَبَرْت .... بِأَنَّا نَزَلْنَا قَبْلَ عَادٌ وَتُبّعُ
وَآطَامِنَا عَادِيَةٌ مُشْمَخِرَّاتٍ ....... تَلُوحُ فَتُنكِي مِنْ يُعَادِي وَتَمْنَعُ

وَكَانَ مِمَّنْ بَقِيَّ مِنَ الْيَهُود حِينَ نَزَل الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ عَلَيْهِمْ بَنُو القصيص وَبَنُو ناغصة مَعَ بَنِي أُنَيْفٍ, إِِنْتَهَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْإِخْبَارِيُّ ابْنُ زَبَالَةَ .

وَمِمَّا جَاءَ فِي كِتَابِ جُهَيْنَةَ أَصْلِهَا وَتَفَرُّقِهَا فِي الْبِلاَدِ, لِلشَّيْخ حَمْد الْجَاسِر قَوْلُهُ :
وَيَظْهَرُ أَنَّ صِلَةَ قَبِيلَةُ جُهَيْنَةَ بِالْمَدِينَةِ كَانَتْ عَرِيقَةً وَقَدِيمَةٍ، لأَِنَّ الْمُؤَرِّخِينَ ذَكَرُوا أَنَّ هُنَاكَ بَعْض الأُسَرِ [الْبُطُوْن] الْقَرِيبَةُ النَّسَب مِنْ جُهَيْنَةَ كَبَنِي أُنَيْفٍ المَنْسُوبِيْنَ إِلَى قَبِيلَةِ بَلِيّ، كَانُوا اسْتَوْطَنُوا الْمَدِينَةَ قَبْلَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ, ثُمَّ لَمَّا جَاءَ الإِْسْلاَمُ وَجَدْنَا فِي الْمَدِينَةِ جَالِيَةً كَبِيرَةٌ مِنَ جُهَيْنَةَ، حَدَّدَ مُؤَرِّخو الْمَدِينَةِ كَابْنِ زَبَالَة وَمِنْ بَعْدَهُ مَنَازِلَهُمْ

وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ ابْنِ قُتَيْبَةَ الدّينَوَرِيَّ فِي كِتَابِهِ فَضْلِ الْعَرَب, وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِ الزّينَةِ, وَالسَّنَد لِلدّينَوَرِيَّ, قَال : حَدّثَنِي أَبُو حَاتِم قَالَ : حَدّثَنِي الْأَصْمَعِيُّ قَال : أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاءِ قَال : تِسْعُ قَبَائِلٌ قَدِيمَةً : طَسْمٍ, وَجَدِيسٍ, وَجُهَيْنَةُ, وَضْجمُ, وَجَدِيسٍ, وَالْعَمَالِيق, وَقَحْطَانُ, وَجُرْهُمٍ, وَثَمُودَ, فَهَؤُلَاءِ قُدَمَاءِ الْعَرَبِ الّذِينَ فَتَقَ اللَّه أَلْسِنَتِهِمْ بِهَذَا اللِّسَان, وَكَانَت أَنْبِيَاؤُهُمْ عَرَباً : هُودٍ, وَصَالَحَ, وَشُعَيْبٍ

وَأَلْفَيْتُ فِي كِتَاب مُحَمَّد بْن بلَيْهِد الْمُسَمَّى صَحِيحُ الْأَخْبَار عَمّا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ مِنْ الْآثَار, قَوْلَه :
المَلْحاء : بِفَتْحِ أَوّلِهِ، وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة مَمْدُودٌ, مَوْضِعٍ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي رَسْمِ أُبْلَى، قَالَ الزّبَيْر : وَالمَلْحاء يَدْفَعُ فِيهَا وَادِي ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَنْشَدَ لِلْمُزَنِيِّ :
إِنَّ بمَِدْفَعِ المَلْحَاءِ قَصْراً ........ قوَاعِدُهُ عَلَى شَرَفٍ مُقِيْمِ
جَزَاكَ اللَّهُ ياعُمَرَ بْن حَفْصٍ ... عَنْ الْإِخْوَانِ جَنَّات النَّعِيمِ


يَعْنِي قَصْرَ عُمَر بْن حَفْصٍ بْن عَاصِم بْن عُمَر بْن الْخَطّاب، وَكَانَ يَنْزِلُ المَلْحَاء,
قَالَ الْمُؤَلّفُ [ابْنُ بُلَيْهِد] : المَلْحاء يُوجَدَ مَحَلٍ مَعْرُوفٌ بِحِجَازِ الْمَدِينَةَ, يُقَالُ لَهُ : الْمُليْلِيح : وَهُوَ وَادٍ غَزِيرُ الْمِيَاه, وَاحِد ضِفَّاته لِوَلَدِ مُحَمّد, وَالضَّفَّةِ الْأُخْرَى لِقَبَائِلَ حِجَازِيَّة, مِنْهَا قَبِيلَةُ عِرْوَةُ, وَالْجَمِيعُ مِنْ قَبَائِلِ حَرْبٍ, وَهَذَا الْوَادِي هُوَ الَّذِي يَنْطَبِق عَلَيْه الْوَصْفُ الْوَارِد فِي عِبَارَةِ يَاقُوتُ, عَلَى ذِكْر المَلْحاءِ فَإِنَّ وَادِي ذِي الْحُلَيْفَةِ الَّذِي هُوَ وَادِي الْعَقِيقَ, يُسَمَّى أَعْلَاهُ النَّقِيعَ ثُمَّ الْعَقِيقِ, ثُمَّ يَصُبُّ فِي الْغَابَةِ, ثُمَّ يَصُبّ فِي الْمُليْلِيح, اُنْظُرْ رِوَايَة الزُّبَيْر حِينَ قَال : وَالمَلْحاء يَدْفَعُ فِيهَا وَادِي ذِي الْحُلَيْفَةِ, فَالرِّوَايَات هُنَا قَدْ اِتَّفَقَتْ جَمِيعَهَا

قََالَ الْمُؤَلّفُ الجُهَنِيَّ :
كُلُّ مَا فِي هَذَا النَّصّ هُوَ خَطَأٌ بِلَا مِرْيَةَ, وَمُعْتَرَضٌ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ, فَأَمَّا الْأَوَّل : فَأَخْطَأَ بِوَصْفِهِ أَنَّ المَلْحَاء هِيَ الْمُليْلِيح, وَالصَّوَاب مَا وَقَعَ فِي كِتَابَنَا هَذَا مِنْ بَيَانِ الإِسْمَ الْقَدِيم لِلْمُليْلِيحَ, ثُمَّ أَيْنَّ وَادِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ الْمُليْلِيحَ ؟, وَإِنّمَا المَلْحَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا الزّبَيْرُ بْن بَكّارٍ هِيَ بِمَوْضِع رِيم شَمَالَ غَرْبِ مَسْجِد ذِي الْحُلَيْفَةِ, عَلَى طَرِيقِ مَكَّةَ, قَال السَّمْهُودِيَّ : المَلْحاء : بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة مَمْدُودْاً, مِنْ أَوْدِيَةِ الْعَقِيقِ, قَالَ ابْنُ أُذَيْنَةَ :
مباعِدَةً بعدَ أَزْمَانِهَا ... بمَلْحاءِ رِيمٍ وأَمْهِارِهَا

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي : فَهُوَ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ بِقَوْلِهِ أَنَّ عِرْوَةَ بَطْنٌ مِنْ حَرْب, وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَخْفَى عَلَى عَوَام النَّاس, وَإِنَّمَا عِرْوَةَ بَطْنٌ قَدِيمٍ مِنْ جُهَيْنَةَ, وَسَيَأْتِي ذِكْرُ نَسَبِهِمْ, وَلَكِنَّ الشَّيْخَ يَكْتُبُ وَهُوَ بَعِيداً عَنِ الْبِلاَدِ وَأَهْلِهَا, وَلِهَذَا وَقَعَتْ لَهُ أَوْهَامٌ رَحِمَهُ اللَّه .

وَحُكِيَّ أَنَّ بَنُو بَلِيّ هُمْ أَوَّلُ مَنْ أَدْخَلُ لُغَةِ الْعَرَبِ لأَفْرِيقِيَّا, وَهَذِهِ مِنْ فَضَائِلَ وَمَفَاخِرَ قَبِيلَة بَلِيّ, وَقَدْ قَالَ شَاعِرُهُمْ الْمُجَذّرُ بْن ذِيَادٍ الْبَلْوِيّ ثُمَّ الأَْنْصَارِيُّ, رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ, مُرْتَجِزٍ بِيَوْمِ بَدْرٍ بَعْدَمَا نَازَلَ أَبُو الْبَخْتَرِيَّ وَقَتَلَهُ :
إِمَّا جَهِلْتَ أَوْ نَسِيتَ نَسَبِي ....... فَأَثْبِتْ النّسْبَةَ أَنّي مِنْ بَلِي
الطّاعِنِينَ بِرِمَاحِ الْيَزِنِي ......... وَالضّارِبِينَ الْكَبْشَ حَتّى يَنْحَنِي
أَنَا الّذِي يُقَالُ أَصْلِي مِنْ بَلِيَ .... أَطْعُنُ بِالصّعْدَةِ حَتّى تَنْثَنِي
وَأَغْبِطُ الْقِرْنَ بِعَضْبِ مَشْرَفِي ... أُرْزِمُ لِلْمَوْتِ كَإِرْزَامِ الْمَرِي


قَال إِبْنُ الغُنَيْم المَرْوْانِيَّ :
وَالدُهْمَانِيَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْهَجَرِيُّ هُمَا مِنْ بَنِي دُهْمَان, بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةُ, رَوَى ابْنُ السّائِبِ فِي جَمْهَرَةُ جُهَيْنَةَ : وَوَلَدَ عَوْفُ بْن غَطَفَانَ : عَدِيَّاً، وَمَالِكاً، وَطُولاً، وَدُهْمَانَ، وذُهْلاً، وَسَلَمَةَ, ثُمّ قَالَ الْكَلْبِيُّ : فَوَلَدَ مَالِكُ بْن عَدِيّ بْن الطُّول : خُزَامَةَ بَطْن؛ وَدُهْمَانَ بَطْن؛ وَسُحَيْماً بَطْن؛ وَنَصْراً؛ انْتَهَى, وَأَرَى أَنَّ « بَنُو دُهْمَان » النّازِلِينَ بِبَطْنِ إِضَمْ, لَا يَزَالُونَ فِي جُهَيْنَةَ الْيَوْمَ, وَأَنَّهُ قَدْ تَحرَّفَ بِاسْمِهِِمْ الْقَدِيمِ, وَإِضَماً أَو وَادِي الْحَمْض أَخْبَارُهُ كَثِيرَةٌ مُسْتَفِيضَة بِالأَْحَادِيثِ وَالْآثَار وَكُتُبِ الْأَدَبِ وَالْأَنْسَابِ وَالْمَعَاجِمِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْجُغْرَافِيَّة,
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِأَوْفَى مِنْ هَذَا فِي كِتَابِنَا « وَادِي الْعَقِيق فَضَائِلهُ وَأَخْبَاره » .

[/QUOTE]