وَمُليْحَة كَذَلِكَ شِعْبٌ بِأَعْلَى جَبَلِ الأشْعَر, مُجَاوِرَةٌ لِمَعْدِن الشَبّ, ذَكَرَهَا الْبَكْرِيّ بِكِتَابَةِ أَسْمَاءِ الْمَوَاضِع وَالْبُلْدَان, وَلَا يَزَالُ الْمَعْدِنُ مَعْرُوفاً بِمَكَانِهِ وَمُسَمَّاة, وَقَدْ أَخْطَأَ يَاقُوت فِي تَحْدِيدَهُ لَهُ إِذْ قَال : ذُو الشَبّ : شَقٌّ فِي أَعْلَى جَبَل جُهَيْنَةُ بِالْيَمَنِ, يُسْتَخْرَج مِنْ أَرْضِهِ الشَبّ الْمَشْهُور. اِنْتَهَى كَلَامِه, قُلْت : وَهِمَ يَاقُوت فِي هَذَا الْمَوْضِع, وَإِنَّمَا دَخَلَ الْوَهْم عَلَيْهِ مِنْ بَابِ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ الْأَسْمَاء, وَهُوَ خَطَأ فِي التّحْدِيد بَيْنَ الْمَعْدِنَيْنِ, الّذِي بِجَبَلِ جُهَيْنَةَ وَذَاكَ اَلّذِي بِالْيَمَن, وَإِنَّمَا الصَّوَاب أَنَّ مَعْدِن الشَبُّ الْوَاقِعَ فِي بِلَادِ جُهَيْنَةَ هُوَ بِأَعْلَى جَبَل الأشْعَرَ, وَلَيْسَ مِنْ الْيَمَن بِشَيْء, فَأَيْنَ جُهَيْنَةَ مِنْ أَرْض الْيَمَنِ ؟؟, وَلَا أَعْلَمُ لِجُهَيْنَةُ أَيْ وُجُود بِأَرْضِ الْيَمَن, لَا فِي قدِيمِهَا أَوْ حَدِيثِهَا, عَدَا نِتَفٌ مِنْ إِخْبَارِ هِجْرَتهَا عِنْد التَّفَرُّقَ, وَسَتَأْتِي مَبَاحِث هَذَا الْبَاب

وَقَدْ ذَكَرَ الْقَزْوِينِيُّ فِي كِتَابِهِ عَجَائِب الْمَخْلُوقَات وَغَرَائِب الْمَوْجُودَات عِنْد إِيرَادُهُ لْغَرَائِبِ الْجِبَال مَعْدِن الشَبّ الْمَوْجُود بِالْيَمَنِ, فَقَال : جَبَل الشَبّ : بِأَرْضِ الْيَمَن, وَعَلَى قُلّةُ الْجَبَل مَاءٌ يَجْرِي مِنْ كُلّ جَانِب, وَيَنْعَقِد حَجَراً قَبْلَ أَنْ يَصِل إِلَى الْأَرْض, وَالشَبّ الْأَبْيَض الْيَمَانِيّ مِنْ ذَلِكَ الْجَبَل . قُلْت : وَكَذَا وَجَدْته عِنْدَ اِبْن الْفَقِيه الْهَمَذَانِيّ فِي كِتَاب مُخْتَصَر الْبُلْدَان, وَرَوَاهُ صَاحِبَ خَرِيْدَة الْعَجَائِب وَالْغَرَائِب, وَأَضَافَ الْبَكْرِيّ فِي مَوْضِع آخَر : وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ أَنَّ الْغَرْض بِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَإِسْكَان الرَّاء الْمُهْمَلَةِ: الشَّعِيبَةُ [الشَّعِيب] فِي الْوَادِي، وَالْجَمْعِ غَرْضانُ, انتهى,

يَقُول الْمَرْوَانِيّ : إنّمَا هُوَ الشَّعِيب, وَلَا يَحْتَمِل الِاسْم هَاءُ التّأْنِيثِ, وَالشَّعِيب هُوَ مَجْرَى ماءُ السَّيْلِ فِي الْجَبَل, قَبْل أَنْ يَصِل لِلْأَرْضِ, فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْأَرْض سُمّيَ بِالْوَادِي, وَروَافِد الشَّعِيب تُسَمّى الخَرَايِر, وَاحِدَتُهَا : خَرِيرَه, وَالشَبّ : هُوَ مَعْدِنٍ فِي شِعْبٌ مِنْ رَأْس جَبَلِ الأشْعَر, وَالْمُسَمَّى فِي هَذَا الزّمَن «الفقرة», وَيَقَع فِي حَوْرَة مِنْ شِقِّهَا اَلشَّامِيّ, رَوَى لِي ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ سُكَّان الْجَبَل, وحَوْرَةِ مِنْ مَنَازِل بَنِي مُرَّة, بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَة, وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِم المُرِيَّ, بِضَمّ أَوّلِهِ, مِنْهُمْ أَبِي الغادِيَة سَعْد بْن يَسَار المُرِيَّ الْجُهَنِيّ, وُلِدَ فِي حَيَاةِ النّبِيّ فَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَمّاهُ سَعْداً, وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْن حَسَنَةَ المُريّ الْجُهَنِيّ, صَحَابِيّ مِنْ رُوَاةِ الْأَحَادِيث

وَوَجَدْت فِي كِتَاب نَسَبُ مَعَدّ وَالْيَمَنِ الْكَبِير لابْنُ الْكَلْبِيَّ عِنْدَ ذِكْرِهِ جَمْهَرَةِ نَسَب جُهَيْنَةَ, قَال : فَولدَ كَاهِلُ بن نَصْرُ : جُشَمَ، وَعَدِيَّاً، وَنَصْراً، وَمُرَّةَ، اِنْتَهَى كَلَامِه, قُلْت : وَلَا يُزَال بَطْنُ المُرِيَّ فِي عِدَاد جُهَيْنَةُ, وَلَمْ أَرَ مِنْ عَدّهُمْ فِي جُهَيْنَةَ مِنْ قَبْلِ, مِنْهُمْ نِزلْهٌ فِي الْمَارَامْيَة, وَالْمَدِينَةِ, وَجِدَّة, وَيَنْبُع النّخْل هِيَ مَقَرٌ لشَيْخِهِمْ سَالِم بْن حَمِيد, وَحَمِيْد بِفَتْحِ أَوّلِهِ وَكَسْرِ الْمِيمِ, وَخُؤُولَتْهُ مِنْ أَشْرَاف يَنْبُعَ, حَدّثَنِي بِهَذَا بَعْض أَعْرَابُ جُهَيْنَةَ السَّاحِل مِمَّنْ لَهُ عِنَايَة بِالنّسَب, إلّا أَنْ الْغَالِبِيَّةِ قَدْ هَاجَرَ عَنْ هَذِهِ الْمَوَاضِع, وَمِنْ مَنَازِل بَنِي مُرّةَ الْقَدِيمَةِ : وَادِيَ الْقُرَى, وَخَيْبَر, وَحَرّةِ النَّار أَوْ ذَاتِ لْظَى, وَمِنْهَا وَفَدَ شِهَاب جَمْرَة عَلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب, وَكَذَلِكَ العُلاَ, وَلَا تَزَال لجُهَيْنَةَ الْيَوْمَ بَقِيّةٌ بَاقِيَةً هُنَالِكَ

وَيَوْمُ حَوْرَةِ مِنْ أَيّامِ جُهَيْنَة, كَانَ بَيْن بَنِي سُلَيْمٍ, وَبَنُو مُرّةَ مِنْ جُهَيْنَة, وَفِي ذَلِكَ الْيَوْم قُتِلَ مُعَاوِيَة السُّلَمِيّ, وَقَبْرُهُ هُنَالِكَ, قَتَلَهُ هِشَام اِبْن حَرْمَلَة المُرِيَّ ثُمّ الْجُهَنِيّ, وَيَرْوُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْم أَشْعَارٌ, وَسَنَذْكُرُهَا فِي مَظَانِّهَا, وَقَالَ أَبُو عَلِيّ الْهَجَريُّ عِنْدَ وَصْفِهِ لِلْمَعْدِنِ أَنَّهُ بِالمَخَاضَةُ, وَقَدْ سَأَلْت الرَّاوِي : عَنْ آثَارِ الْمَعْدِن, فَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً,

وَأَمّا قَوْلُ شَيْخُنَا بِأَنَّ الْمُليْلِيح أَوْ «آبَارِ نَصِيف» هِيَ « ذَا مُرٍّ » فَلَيْسَ كَمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّه, وَمَكَان مُرٍّ لَا أَعْرِفهُ إلّا فِي هَذِهِ النُّصُوص, وَوَصْفه الْعُلَمَاءِ الْأَوّلِين بِأَنّهُ بِبَطْنِ وَادِي الْحَمْضِ, وَعَلَى هَذَا يُمْكِن أَنْ نُحَدِد مَوْقِعه بِأَنّهُ بَيْنَ المُلَيْلِيْح وَالبُوَيْر, وَذَلِكَ لِأَنّ بَنُو مُرّةَ بْنِ كَاهِلِ وَبُذَيْلُ بْن عَدِيّ بْن كَاهِلِ فِي هَذِهِ الْأَمْكِنَة, وَبُذَيْلٌ بَطْنٍ قَدِيم مِنْ جُهَيْنَة, وَيُقَال لَهُمْ : الْبُذَيْليّ, وَهُوَ عَلَى وَزْن المُلَيْحِيّ, وَعِدَادُهُمْ الْيَوْم فِي قَبِيلَةِ عِرْوَة, وَعِرْوَةَ بَطْنٌ جُهَنِيّ عَظِيمٌ, وَهُمْ عَرَب بَادِيَة, وَأَهْلُ نَجْدَةٍ وَشَجَاعَة, وَالمُلَيْلِيْح هِيَ عِقْرَ دَارِهِمْ, وَبَعْض الْبُذَلةُ فِي بَنِي إِبْرَاهِيم بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ, وَمَنَازِلهُمْ فِي يَنْبُع النّخْل, وَقَدْ حَكَى السَّمْعَانِيّ فِي كِتَابِهِ الْأَنْسَاب وَأَبُو الْحَسَن الشّيْبَانِيّ بِذَيْلِهِ اللُّبَاب, فَقَالَا : الْبُذَيْليّ : بِضَمِّ الْبَاء الْمُوَحَّدَة, وَفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة, وَسُكُون الْيَاء, هَذِهِ النِّسْبَة إلَى بُذَيْلٌ, وَهُوَ بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ, وَهُوَ بُذَيْلُ بْن سَعْدِ بْن عَدِيّ بْن كَاهِلِ بْن نَصْرٍ بْن مَالِكِ بْن غَطَفَانَ بْن قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ, مِنْهُمْ عَدِيّ بْن أَبِي الزّغْبَاءِ بْن سُبَيْع بْن رَبِيعَةَ بْن زُهْرَةَ بْن بُذَيْلٍ, لَهُ صُحْبَة, وَهُوَ الَّذِي بَعَثَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ بَسْبَسَ بْن عَمْرو يَتَجَسَّسَانِ الْأَخْبَار, وَقَدْ ذَكَرْت تَرْجَمَته بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِي الصَّحَابَة مِنْ جُهَيْنَةَ

قَال ابْنُ غُنَيْم : وَقَالَهُ أَبُو الْمُنْذِر فِي الْيَمَنِ الْكَبِير, وَابْنُ حَبِيبٍ فِي الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ, وَالدّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابِ النّسَبِ, وَالْأَمِير نَصْرٍ فِي الْأَسْمَاء وَالْكُنَى وَالْأَنْسَاب, « وَالزّغْبَاءِ » اِسْم جَبَلٍ لِجُهَيْنَة, هُنَالِكَ فِي أَرْض الْقَبْلِيْةِ, وَعَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاء الْأَنْصَارِيّ الْبُذَيْليّ الْجُهَنِيّ, حَلِيفِ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ, مِنْ جُهَيْنَةَ الْأَنْصَار, وَهُوَ الرّاجِزُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ, وَالْقَائِلِ :
أَقِمْ لَهَا صُدُورَهَا يَا بَسْبَسُ ... أَلَيْسَ بِذِي الطّلْحِ لَهَا مُعَرَّسُ
وَلَا بِصَحْرَاءِ غُمَيْرٍ مَحْبَسُ ... إنّ مَطَايَا الْقَوْمِ لَا تُحَبسُ
فَحَمَلَهَا عَلَى الطّرِيقِ أَكْيَسُ ... قَدْ نَصَرَ اللّهُ وَفَرَّ الْأَخْنَسُ


وَأَلْفَيْتُ فِي كِتَابِ ابْنُ حَبِيبٍ النَّسَّابَة الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ, قَوْلَهُ : وَفِي جُهَيْنَةَ مُرّ بْنِ كَاهِلِ بْنِ نَصْرٍ بْنِ مَلَكِ بْنِ غَطَفَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ, وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ عَنْهُ الْوَزِير الْمَغْرِبِيُّ فِي الإِْينَاس بِعِلْم الْأَنْسَاب, وَمَوْضِع « مُرٌ » أَوْ « ذَا مُرٍّ » إنّمَا سُمّيَ بِذَلِكَ نِسْبَةٍ إلَى مُرٌّ هَذَا, الْبَطْن الْجُهَنِيّ, وَأَرَى أَنّ الِاسْمَ قَدْ تَصَحَّفَ عَلَى ابْنُ حَبِيب وَالْأَمِيرُ أَبِي نَصْرٍ, وَإِنّمَا هُوَ مُرّةَ بْنِ كَاهِلِ بْنِ نَصْرٍ, كَذَا نَسَبَهُ أَبُو الْمُنْذِر فِي الْيَمَنِ الْكَبِير, وَلَمْ يَذْكُرْ مُرٌّ هَذَا فِي سِلْسِلَة النّسَبَ الْجُهَنِيّ, وَأَمّا ابْنُ حَبِيب فَتِلْمِيذٌ لِلْكَلْبِيِّ, وَلِهَذَا نَجِدْ السَّمْعَانِيّ نَسَبَ مُرُّ هَذَا فِي رَسْم المُرِيََّ, مِمّا يَدُلّك عَلَى أَنّ الِاسْمَيْنِ كِلَاهُمَا وَاحِد .

.
[/QUOTE]