[ALIGN=CENTER]
شكرا للأخ محمد العياشي على طرحه الجيد وأنا أوافقه تماما على أن نكون جريئين في موضوع يجب أن يخلو من المجاملات والمهادنة التي سندفع ثمنها مستقبلا على حساب الموروث وأصالته 00
ومن يعرف أن الكسرة هي البنت الشرعية للرديح كما يصفونها لا يمكن أن يساوره شك في حقيقة أصالة الكسرة ومنبعها وينبعيتها ؛؛ فلا كسرة بدون رديح ولا رديح بغير كسرة وهنا نقصد الكسرة بحيويتها وطبعها المتجدد ولولا هذه السمة التي تتفرد بها الكسرة لما أصبح للرديح عشاقه الذين يبحثون عن الجديد ويتداولون آخر ماقيل من كسرات ومراديد ولما احتاج الرديح إلى شعراء يقودون الصفوف0 ولكم أن تتخيلوا لعبة رديح يردد فيها المغنون كسرات قديمة ( لأبو مدهون ـ وابن بلال وأبو حمرون ) قيلت قبل مائة سنة أو أكثر 00 لا أعتقد أن أحد سيأتي لمشاهدة هذه اللعبة أو يكلف نفسه العناء لمشاهدتها والتحمس لها 00
إذن الرديح هو الأب الحقيقي للكسرة وهو حاضنها 0 وقد أجاد الأستاذ / عبد الرحيم الأحمدي عندما تعرض في مؤلفاته العديدة عن لعبة الرديح والكسرات عامة أجاد وأبدع في تقصي حقيقة الكسرة ومسماها وأصالتها ووثق لها توثيقا يستحق التقدير والإجلال والشكر والعرفان كما أن الدكتور/ عبد الله المعيقل تعرض لهذه اللعبة الشعبية في كثير من كتاباته وتعليقاته العلمية المنهجية الممتعة 0 وكذلك الأستاذ/ إبراهيم الوافي كتب في هذا الموضوع كتابات وافية واستنتاجات مهنية تدل على سعة الاطلاع والبحث والتحري وكان محقا عندما قال ( الكسرة لؤلؤة خرجت من محار يـنبع ) وله بحث قيم في أدبيات الكسرة ونشأتها لعل شبابنا الذين لم يعاصروا الأحداث أن يطلعوا على هذه المؤلفات القيمة والبحوث العلمية لهؤلاء الأساتذة فهم بحاجة ماسة إليها 00
ولا يوجد من ينازع أهل ينـبع أحقيتهم بالكسرة أصولا وجذورا واحتضانا ورعاية وإبداعا 00والشيء الذي يحتاج إلى إيضاح هو الخصوصية والانتماء فهناك خلط واضح بين التأكيد على انتماء الكسرة لوادي ينبـع وبين من يقول هناك شعراء يقولون الكسرة في غير ينبـع ، ونحن في ينبع لا ننكر أن شعراء الكسرة موجودون في معظم أجزاء الساحل الغربي في رابغ وثول ووادي فاطمة وخليص بل وفي الساحل البعيد في جازان والقنفدة وكذلك في مكة والمدينة وجدة لكنهم يقولون الكسرة بنكهة مغايرة لكسرة ينبع وأصالتها ولا نعرف فيما مضى أنّ شاعرا في هذه الأماكن وقف في صف من صفوف الرديح واشتهر بكسراته وأقواله 00 وإن كان من جيل اليوم من بدأ يندمج مع الينبعاويين ويأخذ بزمام المبادرة فهذا نشجعه ونهتم به لأنه يخدم الموروث ويثري اللعبة ويساعد على الانتشار0
أما فيما يخص وادي الصفراء من بدر وما يتبعها مرورا بالواسطة والخيف والمسيجيد ثم القرى الأخرى المحيطة بالمنطقة نزولا من فقرة الأحامدة فهذه جزء من الوادي الذي يربطها بينـبع وهي منطقة جغرافية واحدة بعاداتها واندماج أهلها ومصاهرتهم وتشابه ألعابهم وأفراحهم ومناسباتهم ولا يمكن أن نرهق أنفسنا للبحث عن ألعاب شعبية أو كسرات خاصة بهذه الأجزاء وكلنا مشتركون في ثلاثة ألعاب شعبية هامة وهي الأساس في هذا المجتمع ( الرديح ـــ زيد ــ الحرابي ) ويصعب أن نفصلها عن بعضها فكلها تمارس في هذه المنطقة التي حددتها سلفا ولكن الاهتمامات جعلت البعض يركز على ما يناسب واقعهم الاجتماعي وظروفهم الحياتية فهم لديهم شعراء فحول في الكسرة لكنهم لم يهتموا بالرديح ويكتفون بالمشاهدة والمشاركة والمراسلة ونحن في ينبع نعرف لعبة زيد وكنا نمارسها لكنها لم تـلق العناية والاهتمام فتركناها ولم ننازع أحدا عليها على الرغم من جذورها الثابتة لدينا وأصبحنا نستقدم من أهل وادي الصفراء من يجيدونها وما زالوا يحافظون عليها 00
أما فيما يخص أملج فهم كذلك ليسو بعيدين عنا وبيننا وبينهم التحام وتواصل قديم لكن للحق فلم يكن لديهم اهتمام بشعر الكسرة والرديح عامة فيما مضى وما عرفوه ومارسوه إلا بواسطة الشاعرين المشهورين ( حامد وأخيه عبد الله الصيدلاني ) يرحمهما الله وهؤلاء لا ينكرون جذورهم الينبعاوية أليس الشاعر المرحوم حامد الصيدلاني هو القائل
[poet font="Simplified Arabic,4,darkblue,normal,normal" bkcolor="skyblue" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
ينبع بلدنا ولا إحنا غرب = ميراث من عقب الأجدادي
فيها ترعرعت وانا شب = وأعرف صدوري وميرادي
[/poet]وبهذه المناسبة فقد كنتُ مدرسا في أملج قبل أربعين سنة بالضبط وحضرتُ ليلة رديح لا تنسى في زفاف ابن رئيس البلدية آنذاك الشاب / عبد الكريم محمود الصائغ وجاء أهل ينبع إلى أملج بدعوة كريمة من صاحب النوْب ولعبوا كل الفنون الشعبية بما فيها ليلة رديح خالدة وكان الشاعر المقابل هو المرحوم / حامد الصيدلاني وانقسم البحرية على صفين بمشاركة خفيفة من بعض الحاضرين 00 الشاهد أنني أكاد أجزم أن ذلك الرديح هو أول رديح يقام في أملج لأنني حسب علمي لم أسمع أنه أقيمت لعبة رديح في أملج قبل ذلك اليوم وكان ذلك عام 1383 هـ 0
ولا أعتقد أن أحدا في أملج ينفي أن تكون جذور الكسرة نابعة من الينبعين
وبالنسبة (لجدة ) كما هو معروف كل أو معظم الذين يلعبون الرديح ويقولون الكسرة ويقودون الصفوف أصولهم من ينـبع وعملية تسمية الصفوف فهو تجاوز فقط عندما نقول ( صف جدة أو شعراء جدة ) لمجرد التعريف 00ماذا تبقى إذن ؟؟
لم يبق إلا الكسرات التي تقال في غير الرديح كالمراسلات والخواطروهذه فرع من الأصل لم تنشأ أساسا إلا من المجالس التي تعقب الرديح ولا يمكن فصلها عنه حتى وإن نما وازدهر في عصرنا الحاضر بفعل تعدد الوسائط وكثرة التواصل ووسائل الإعلام فهذا شيء طبيعي لكن أساسه مجالس الرديح التي يتم فيها سرد ما حدث في لياليه من ألحان وماذا قال فلان وبماذا رد عليه فلان وهي مجالس تقييم للشعراء وللرديح عامة وما فيه من مشتكيات ومراديد يتداولها الناس ويجتهد الرواة المعروفون بحفظ الكسرات فتجد الواحد منهم يسرد عليك لحنا كاملا بمراديده وكان ذلك قبل انتشار الكتابة والحرص على تسجيلها وهذا هو السبب في انتعاش كسرات المجالس وانتشارها بين عشاق الرديح وهو الذي عاصره هذا الجيل وظهر عليه لكن تبقى الأصول والجذور هي الأساس وتبقى الكسرة ينعاوية متميزة لكنها لا تلغي غيرها ولا تستأثر بسماتها وفي الوقت نفسه لا تقبل المجادلة بدون إثبات الهوية التي رسخت في الأذهان بتعاقب الأجيال والأزمان 0
][/ALIGN]