قَالَ الْمُؤَلّف ابْنُ الغنيم الْجُهَنِيّ :
وَمِنْ نَسْلِ رَشْدَان بْن قَيْسُ بْن جُهَيْنَةَ, أَكْثَرُ قَبَائِلِ جُهَيْنَةَ الْحَاضِرَةَ بِالْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ, وَمِنْهُمْ ذُبْيَانُ بْنُ رَشْدَان بْنُ قَيْسِ بْنُ جُهَيْنَةَ, وَهُمْ الْيَوْمَ بِرَشَاَد وَمَا حَوْلَهَا مِنْ أَرْضِ الْقَبْلِيّةَ, وَمِمّا يُلاَحَظ أَنْ قَبِيلَةِ جُهَيْنَةَ تَحْتَفِظُ بِأَرْضهَا واِسْمِهَا وَأَنْسَاب وَبُطُون فُرُوعَهَا الْقَدِيمَةِ, كَبَنِي ذُبِْيَان مِنْ جُهَيْنَةُ مَثَلا, وَهُمْ فُرُوعٌ وَأَفْخَاذٌ عَدِيدَه, لَيْسَ هَذَا مَوْضِع ذِكْرِهَا .

قََالَ العَيْنِيِّ فِي مَغَانِيَ الْأَخْيَار : الذُِّبْيانيُّ : بضَمِّ الَّذالِ وكَسْرِها, وَسُكُونِ الباءِ المُوَحَّدَةِ, وَهُوَ مِنْ ذَبَى الشّيْءَ يَذْبِي ذَبْياً, إذَا لَانَ وَاسْتَرْخَى، وَفِيْ جُهَيْنَةَ : ذُبْيَانُ بْنُ رَشْدَان بْنُ قَيْسِ بْنُ جُهَيْنَةَ, مِنْهُمْ مِن الصّحَابَةِ : بَسْبَسَ بْنَ عَمْروٍ بْنَ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَرَشَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ الذُِّبْيانيَّ ثُمّ الْأَنْصَارِيّ, حَلِيفٌ لِبَنِي طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ . انْتَهَى, يَقُول ابْنُ غُنَيْم : وَفِي اشْتِقَاقِ اسْمِ ذُبْيَانَ غَيْرِ هَذَا, مِنْهُ مَا حَكَاهُ الزّبَيْدِيّ بجَوَاهِرهُ بِقَوْلِهِ أَصْلُ مَعْنَى ذُبْيَانَ فِي اللّغَةِ: قَالَ فِي الْمُحْكَمِ : الذُّبْيانُ بَقِيَّةُ الوَبَرِ, عَنْ كُرَاعٍ, قالَ ابنُ سِيدَه : وَلسْتُ مِنْهُ عَلَى ثِقَةٍ, والذي حَكَاه أَبو عبيدٍ الذُّوبانُ والذِّبيانُ, وَقَالَ ابِنُ دُرَيْدٍ : حْسَبُ اشْتِقاق ذُبْيان مِن قَوْلِهم : ذَبَتْ شَفَته إذا ذبلَتْ, قالَ ابنُ سِيدَه : وهذا يُقَوِّي أنَّ ذَبَتْ مِن الياءِ, لو أنَّ ابنَ دُرَيْدٍ لم يُمَرِّضْه . انْتَهَى, وَالّذِي وَجَدْته لِكُِرَاعٍ ذُبْيَانُ وذِبْيَانُ, وَلَمْ يَزِدْ كُرَاعٌ عَلَى هَذَا, وَأَوْرَدَ الْأَزْدِيّ بِكِتَابِ الِاشْتِقَاقِ : فأمَّا ذُِبِيان ففُعلانُ أو فِعلانُ, وذِبيانَ يكسر وّله ويضمّ . انْتَهَى, وَقَالَ ابِنُ حَبِيبَ فِي مُخْتَلَف الْقَبَائِلِ وَمُؤْتَلِفِهَا : ذُبيان، وذِبيان، وَاحِدٌ, قَالَ ابْنُ لْأَعْرَابِيّ : رَأَيْت الْفُصَحَاءِ يَخْتَارُونَ الْخَفْضِ . قَالَ ابْنُ غنيم الْجُهَنِيّ : وَأَمّا فِي يَوْمِنَا هَذَا فَلَا خِلَافَ فِي أَنَ ضَبْطُهَا وَنُطْقِهَا بِكَسْرِ أَوّلِهِ, فَأَمّاَ الضّمّ فَهُوَ شَاذٌ, وَهَذَا مِنْ فَصَاحَةُ الْقَوْمِ وَدْقِهِ عِنَايَتَهُمْ بِالنّسَبِ .

وَفِي جُهَيْنَةَ الْيَوْم مِنْ بَنِي كَلْبًا فَرْعَانِ وَأَصُلْهُمَا وَاحِدٌ, وَهُمَا : الْكَلْبِيّ, وَالْكِلِبِيّ, أَمَا الْأَوّلُ : بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ اللّامِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مَكْسُورَه وَآخِرَهُ يَاءٍ مُثَنَّاةٌ مُشَدَّدَةٍ, بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ فِي بَنِي مَالِك, وَأَمّا الثّانِي : بِكَسْرِ أَوّلِه وثانِيه وثَالِثُه وَآخِرَهُ يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مُشَدَّدَة, كَذَا يَنْطَِقُ الْجُهَنِيُّونَ ضَبْطِهِ الْيَوْم, بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ فِي بَنِي مُوسَى, وَكِلَاهُمَا مِنْ قَبَائِلِ جُهَيْنَةَ ومَساكِنَهم بُوَاطاً, والأَجْرَدُ, وَوَادِي رَشَادٍ, والسَّلَيْلَة وغيْرِهَا, وَكِلاَهُمَا أَصْلَهُمَا وَاحِدًا, وَهُمْ غَيْرُ بَنِي كَلْبٍ الْقَبِيلَةُ الْقُضَاعِيّة, الّتِي يَقُولُ فِيهَا أَحَدُ شُعَرَاءِ جُهَيْنَةَ الأَْقْدَمُونَ :
فإنّا وكلَباً كاليدَيْن متى تَقُمْ *** شِمْالُكَ في الهيجَاء تُعِنْها يَمِيْنُهَا

وَرَشَاَد وَادٍ شَآمٌ مِنْ الْمَدِينَةِ, وَيَقَع غَرْبهَا مِنْ جِهَةِ مَغِيبِ الشّمْس, وَهُوَ وَادٍ فَحْلٌ جَلْوَخٌ, تَصُبُّ شُجُونُهُ مِنْ أَعَالِي جِبَالِ الْأَجْرَد, يَدْفَعُ سَيْلهُ فِي إِضَمٌ الْمُسَمّى بِوَادِي الْحَمْضِ, ويَلْتَقِي مَعَ أُضُمَ بَيْنَ بُوَاطً وَتَيْدَد, بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ مَسِيرَةُ خَمْسٌ وَسِتّونَ كِيلٌ أَوْ يَزِيد, وَسَكّانُهُ هُمْ جُهَيْنَةَ, نْزِلَتُهُ جُهَيْنَةَ حِينَ أَصْحَرَت بِأَرْضِ الْحِجَازِ مَعَ بَعْضِ قَبَائِلِ قُضَاعَةَ, بَعْدَ أَنْ تَفَرّق الْعَرَب مِنَ مَهْدِهِمْ, رَوَاهُ أَبُو الْمُنْذِر السّائِب بِكِتَاب افْتِراقِ العَرَب فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ الْمَدَنِيّ, وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْهَمْدَانِيّ بِكِتَابِ الْإِكْلِيل مِنْ أَنْسَابِ الْيَمَنِ وَأَخْبَارِ حِمْيَرَ, وَالزّبَيْرُ بْنُ بَكّار بِأَخْبَارِ الْمَدِينَةِ, وَدِعْبِل الْخُزَاعِيّ بِوَصَاياَ الْمُلُوكِ وَأَبْنَاءَ الْمُلُوك مِنْ وَلَد قَحْطَانَ بْنِ هُودٍ, وَابْنُ الْفَقِيهِ الْهَمَذَانِيِّ فِي كِتَاب الْبُلْدَانِ عَنْ الشَّرْقِيَّ بْن الْقَطَامِيّ, وَابْنُ حَبِيبَ النّسّابَةُ بالمُنَمَّقِ وَغَيْرُهُمْ .

وَأَمَّا عَن سَبَبِ تَسْمِيَتُهُ بِرَشَاد فَقَدْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ هَذِهِ التّسْمِيَةَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ, إذْ كَانَ يُسَمّى بِالْجَاهِلِيّةِ غَوَى, وَيَظْهْر أَنّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ نِسْبَةٍ إلَى سَاكِنِيهِ وَهُمْ: بَنو غيَّان مِنْ جُهَيْنَةَ, ثُمّ أَحَالَهُ النّبِيّ إلَى نَقِيضُهُ وَهُوَ : الرَشَاد, فَهُوَ إلَى الْيَوْمِ يُعْرَف وَيُدْعَى بِرَشَاد, فَأَكْرِمْ بِهِ مِنْ مُسَمِي وَمُسَمّىَ, فَأَيّ تَشْرِيفٍ وَتَكْرِيمٍ لِتِلْكَ الْبُقْعَةِ وَأَهْلِهَا يُضَاهِي شَرَفًا مِثْلِ هَذَا ؟؟, وَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِجَبْلِيّ جُهَيْنَةَ الأَشْعَر وَالأَجْرَد هُمَا مِنْ جِبَالِ الْجَنّةِ لا تَطْؤهٌمَا فِتْنَةٌ, رَوَاهُ أَبُو عَلِيّ الهَجَريُّ, وَابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ, وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي جَمْهَرَة اللّغَةِ : والرُّشْد ضِدّ الغَيّ, رَشَدَ الرّجُلُ يَرْشُدْ, وَأَرْشَدَهُ الله إِرْشَاداً, وَالِاسْمُ الرُّشْد والرَّشَد والرَّشَاَد, وَرَجُلٌ رَاشِد ورَشيد, وَبَنُو رِشْدان بَطْنٍ مِنْ العَرَبِ كَانَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو غَيّان فَسَمّاهُمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ بَنِي رِشْدَان, وَقَدْ سَمَّت الْعَرَبُ راشِداً ورُشيداً ورَشيداً ومُرْشِداً ومَرْشَداً ورِشْديناً, وَفُلَانٌ لرِشْدَة, وَهُوَ خِلَافَ الغِيّة والزِّنية, وَقَدْ قَالُوا غَيَّة أيضاً بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَهُوَ قَلِيلٌ, وَكَانَ قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو الزِّنْيَة فَسَمّاهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ بَنِي الرِّشْدَة . انْتَهَى, وَقَالَ ابْنُ مَنْظُور بِلِسَانِ الْعَرَبِ : وَهَذَا وَاسِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُحَافِظُونَ عَلَيْهِ ويَدَعونَ غيره إلَيْه, أَعْنِي أَنّهُمْ قَدْ يُؤْثِرُون المُحَاكَاةَ والمُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ تارِكينَ لِطَرِيقِ الْقِيَاسِ . انْتَهَى, قُلْت : وَعَنْ الْأَصْمَعِيُّ قَالَ : غَوَى الْفَصِيلُ يَغوَي غَيَا, وَهُوَ الّذِي لَمْ يَذُوق مِنْ اللّبَنِ شَيْئًا, وَرُبّمَا مَاتَ مِنْ الغَوَى . وَقَالَ الزّبَيْدِيّ بِتَاجِ الْعَرُوس : وَرَشَاداً كسَحَاب, مَصْدَرُ رَشِدَ كفَرِحَ اهْتَدَى وأَصابَ وَجْهَ الْأَمْرِ والطَّرِيق, فَهُوَ رَشيدٌ وراشدٌ, والرَّشَاد نَقيضُ الضَّلال, وَنَقْلَ شَيْخُنَا عَنْ بَعْضِ أَرْبَابِ الِاشْتِقَاقِ أَنَ الرُّشْد يُسْتَعْمَلُ فِي كُلّ مَا يُحْمَد والغَيّ فِي كُلّ مَا يُذَمّ .

[/QUOTE]