[align=center]تاريخ دمشق لابن عساكر
-------------------------



ليس من شك في أن تراث أمة من الأمم مرآة حضارتها عبر القرون. منه نعرف علاقات أفرادها بعضهم ببعض، ومنه نكشف مدى صلتها بالدول النائية عنها أو الدانية منها. ومنه كذلك نستشف حربها وسلمها، جهلها أو علمها.

وتراث أمتنا العربية واسع الآفاق، متعدد الألوان، موغل في الزمن. ويقف تاريخ ابن عساكر واحداً من هذا التراث العظيم. إنه كتاب غني عن التعريف. ترجم فيه مصنفه لكل من دخل مدينة دمشق من الأماثل والأفاضل، أو اجتاز بنواحيها من العلماء والأكابر، وتوسع في عمله حتى ترجم للمخنثين والمغمورين. فرسم بذلك لبلاد الشام الصورة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في جاهليتها وصدر إسلامها، في العصر الراشدي وفي العصر الأموي ثم ذهب بعيداً في عصر بني العباس حتى وصل إلى عصره (القرن السادس). إنه تاريخ امتد قروناً وقف له مؤلفه جل عمره. وانتهى بوفاته سنة 571هـ.

يقع الكتاب في قسمين رئيسين، خص ابن عساكر القسم الأول منه بمدينة دمشق، فتحدث عنها حديثاً مستفيضاً: اشتقاق تسميتها، فضائل أهلها، طيب هوائها، سنة افتتاحها، شرف جامعها، حصر مساجدها، الأنهار المحتفرة بها. وتسمية أبوابها ونسبة هذه الأبواب. وذلك كله بعد أن ذكر اشتقاق اسم (التاريخ) ومبتدئه، وتطرق إلى تاريخ الهجرة النبوية، واشتقاق تسمية الأيام والشهور. تلك هي مقدمة التاريخ الكبير.

أما القسم الثاني من الكتاب فقد ضمنه تاريخ بلاد الشام مقتفياً في ذلك طريقة المحدثين من حيث العناية بالسند كالعناية بالخبر. وحين ترجم للقواد والخلفاء والأمراء، لم يفته أن يسوق تراجم المحدثين و الفقهاء والشعراء. متبعاً ترتيب الحروف العربية بادئاً بمن اسمه أحمد قبل من اسمه إبراهيم تبركاً بالرسول الكريم.

فليس غريباً وفوائد الكتاب لا يعدها عاد، ولا تقع عليها يد حاصر أن يحظى حديثاً باهتمام الباحثين دراسة، مثلما حظي قديماً بعناية المؤرخين اختصاراً وتذييلاً ومنتخبات.

والعناية المتوخاة من الطبعة التي بين يدينا هي تقديم النص صحيحاً مطابقاً للأصول وتوثيقه نسبةً ومادةً وتوضيحه وضبطه، ولأجل تحقيق الغاية المرجوة تم إتباع المنهج الآتي: أولاً: كتابة النص باعتماد قواعد الإملاء الحديثة من النقط الكامل، وتثبيت الهمزات، ثانياً: توضيح معالم النص حيث تم تقسيم النص بحسب أفكاره، ومن ثم تم الاهتمام بوضع علامات الترقيم من نقط، وفواصل، وإشارات تعجب أو استفهام، ونحو ذلك مما يزيد النص وضوحاً، ثالثاً: ضبط النص حيث تم الاهتمام بتشكيل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأمثال والشواهد والمشتبه من الأعلام، والغريب من الألفاظ، وما قد يلتبس من التراكيب، رابعاً: التعليق على النص بفوائد مهمة، منها جاء للتعريف بالأعلام والمواضع، وأخرى ذكرت مظان الترجمات... خامساً: الاهتمام بتخريج الآيات عبر ذكر اسم السورة ورقمها ثم رقم الآية، في الحاشية، شرح الغريب من الأحاديث النبوية، والألفاظ الواردة في النص
[
[/align]