[ALIGN=CENTER]




قصة صالح عليه السلام:



أرسله الله إلى قوم ثمود‎ ‎وكانوا قوما جاحدين آتاهم الله رزقا كثيرا ولكنهم عصوا ربهم ‏وعبدوا الأصنام‎ ‎وتفاخروا بينهم بقوتهم فبعث الله إليهم صالحا مبشرا ومنذرا ولكنهم كذبوه ‏وعصوه‎ ‎وطالبوه بأن يأتي بآية ليصدقوه فأتاهم بالناقة وأمرهم أن لا يؤذوها ولكنهم أصروا‎ ‎على كبرهم فعقروا الناقة وعاقبهم الله بالصاعقة فصعقوا جزاء لفعلتهم ونجى الله‎ ‎صالحا ‏والمؤمنين‎.



جاء بعد قوم عاد قوم ثمود، وتكررت قصة العذاب بشكل مختلف مع ثمود‎.



كانت‎ ‎ثمود قبيلة تعبد الأصنام هي الأخرى، فأرسل الله "سيدنا صالحا" إليهم.. وقال صالح‎ ‎لقومه‎:



يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ‎ ‎غَيْرُهُ‎


نفس الكلمة التي يقولها كل نبي.. لا تتبدل ولا تتغير، كما أن الحق‎ ‎لا يتبدل ولا يتغير.. فوجئ ‏الكبار من قوم صالح بما يقوله.. إنه يتهم آلهتهم بأنها‎ ‎بلا قيمة، وهو ينهاهم عن عبادتها ‏ويأمرهم بعبادة الله وحده. وأحدثت دعوته هزة كبيرة‎ ‎في المجتمع .. وكان صالح معروفا ‏بالحكمة والنقاء والخير. كان قومه يحترمونه قبل أن‎ ‎يوحي الله إليه ويرسله بالدعوة إليهم.. ‏وقال قوم صالح له‎:



قَالُواْ يَا‎ ‎صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ‎ ‎مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا ‏تَدْعُونَا إِلَيْهِ‎ ‎مُرِيبٍ‎



تأمل وجهة نظر الكافرين من قوم صالح. إنهم يدلفون إليه من باب شخصي‎ ‎بحت. لقد كان لنا ‏رجاء فيك. كنت مرجوا فينا لعلمك وعقلك وصدقك وحسن تدبيرك، ثم خاب‎ ‎رجاؤنا فيك.. ‏أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟! يا للكارثة.. كل شيء يا صالح إلا‎ ‎هذا. ما كنا نتوقع منك أن ‏تعيب آلهتنا التي وجدنا آبائنا عاكفين عليها.. وهكذا يعجب‎ ‎القوم مما يدعوهم إليه. ‏ويستنكرون ما هو واجب وحق، ويدهشون أن يدعوهم أخوهم صالح‎ ‎إلى عبادة الله وحده. ‏لماذا؟ ما كان ذلك كله إلا لأن آبائهم كانوا يعبدون هذه‎ ‎الآلهة‎.




ورغم نصاعة دعوة صالح عليه الصلاة والسلام، فقد بدا واضحا أن قومه‎ ‎لن يصدقونه. كانوا ‏يشكون في دعوته، واعتقدوا أنه مسحور، وطالبوه بمعجزة تثبت أنه‎ ‎رسول من الله إليهم. ‏وشاءت إرادة الله أن تستجيب لطلبهم. وكان قوم ثمود ينحتون من‎ ‎الجبال بيوت كانوا ‏يستخدمون الصخر في البناء، وكانوا أقوياء قد فتح الله‎ ‎عليهم رزقهم من كل شيء. جاءوا بعد ‏قوم عاد فسكنوا الأرض التي استعمروها‎.




قال‎ ‎صالح لقومه حين طالبوه بمعجزة ليصدقوه‎:




وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ‎ ‎لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ‎ ‎فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ ‏قَرِيبٌ‎


والآية هي المعجزة، ويقال إن الناقة كانت‎ ‎معجزة لأن صخرة بالجبل انشقت يوما وخرجت ‏منها الناقة.. ولدت من غير الطريق المعروف‎ ‎للولادة. ويقال إنها كانت معجزة لأنها كانت ‏تشرب المياه الموجودة في الآبار في يوم‎ ‎فلا تقترب بقية الحيوانات من المياه في هذا اليوم، ‏وقيل إنها كانت معجزة لأنها كانت‎ ‎تدر لبنا يكفي لشرب الناس جميعا في هذا اليوم الذي ‏تشرب فيه الماء فلا يبقى شيء‎ ‎للناس. كانت هذه الناقة معجزة، وصفها الله سبحانه ‏وتعالى بقوله‏‎:




نَاقَةُ‎ ‎اللّهِ‎




أضافها لنفسه سبحانه بمعنى أنها ليست ناقة عادية وإنما هي معجزة من‎ ‎الله. وأصدر الله ‏أمره إلى صالح أن يأمر قومه بعدم المساس بالناقة أو إيذائها أو‎ ‎قتلها، أمرهم أن يتركوها ‏تأكل في أرض الله، وألا يمسوها بسوء، وحذرهم أنهم إذا مدوا‎ ‎أيديهم بالأذي للناقة فسوف ‏يأخذهم عذاب قريب‎.








في البداية تعاظمت دهشة ثمود‎ ‎حين ولدت الناقة من صخور الجبل.. كانت ناقة مباركة. كان ‏لبنها يكفي آلاف الرجال‎ ‎والنساء والأطفال. وكانت إذا نامت في موضع هجرته كل الحيوانات ‏الأخرى. كان واضحا‎ ‎إنها ليست مجرد ناقة عادية، وإنما هي آية من الله. ناقة بين ‏قوم صالح، آمن‎ ‎منهم من آمن وبقي أغلبهم على العناد والكفر. وذلك لأن الكفار عندما ‏يطلبون من نبيهم‎ ‎آية، ليس لأنهم يريدون التأكد من صدقه والإيمان به، وإنما لتحديه وإظهار ‏عجزه أمام‎ ‎البشر. لكن الله كان يخذلهم بتأييد أنبياءه بمعجزات من عنده enter] ‎. [/c


[center]وتحولت‎ ‎الكراهية عن سيدنا صالح إلى الناقة المباركة. تركزت عليها الكراهية، وبدأت ‏المؤامرة‎ ‎تنسج خيوطها ضد الناقة. كره الكافرون هذه الآية العظيمة، ودبروا في أنفسهم‎ ‎أمرا‎. أصبح من المألوف أن نرى أن هذه التدابير للقضاء على النبي أو معجزاته أو دعوته تأتي من ‏رؤساء القوم، فمن من يخاون على مصالحهم إن تحول الناس للتوحيد،‎ ‎ومن خشيتهم إلى ‏خشية الله وحده. إن صالحا عليه الصلاة والسلام يحدث قومه برفق وحب، وهو يدعوهم إلى عبادة الله‎ ‎وحده، ‏وينبههم إلى أن الله قد أخرج لهم معجزة هي الناقة، دليلا على صدقه وبينة على‎ ‎دعوته. ‏وهو يرجو منهم أن يتركوا الناقة تأكل في أرض الله، وكل الأرض أرض الله. وهو‎ ‎يحذرهم أن ‏يمسوها بسوء خشية وقوع عذاب الله عليهم. كما ذكرهم بإنعام الله عليهم‎: ‎بأنه جعلهم ‏خلفاء من بعد قوم عاد.. وأنعم عليهم بالقصور والجبال المنحوتة والنعيم‎ ‎والرزق والقوة‎.




لكن قومه تجاوزوا كلماته وتركوه، واتجهوا إلى الذين آمنوا‎ ‎بصالح‎.




يسألونهم سؤال استخفاف وزراية:


أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا‎ ‎مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ؟‎!

قالت الفئة الضعيفة التي آمنت بصالح:


إِنَّا‎ ‎بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ‎

فأخذت الذين كفروا العزة بالإثم.. هكذا‎ ‎باحتقار واستعلاء وغضب‎ ...


قَالَ‎ ‎الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ .

وفي إحدى الليالي، انعقدت جلسة لكبار القوم، ودار‎ ‎حوار بينهم‎:





فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا‎ ‎إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا‎ ‎بَلْ هُوَ ‏كَذَّابٌ أَشِرٌ‎


وهم يتحدثون ويتشاوررون، أمرهم واحد منهم‎ ‎بالسكوت، وقال: ليس هناك غير حل واحد.. ‏ينبغي إزاحة صالح من طريقنا. يجب أن نقتل‎ ‎الناقة وبعدها نقتله هو‎.



وهذا هو سلاح الطلمة والكفرة في كل زمان ومكان،‎ ‎يعمدون إلى القوة والسلاح بدل الحوار ‏والنقاش بالحجج والبراهين. لأنهم يعلمون أن‎ ‎الحق يعلوا ولا يعلى عليه، ومهما امتد بهم ‏الزمان سيظهر الحق ويبطل كل حججهم. وهم‎ ‎لا يريدون أن يصلوا لهذه المرحلة و ‏القضاء على الحق قبل أن تقوى‎ ‎شوكته‎.



لكن أحدهم قال: حذرنا صالح من المساس بالناقة، وهددنا بالعذاب‎ ‎القريب. فقال أحدهم ‏سريعا قبل أن يؤثر كلام من سبقه على عقول القوم: أعرف من يجرأ‎ ‎على قتل الناقة‎. تناقلوا الاسم بينهم في سرور واضح. ذلك جبار من جبابرة‎ ‎المدينة. رجل يعيث فسادا في الأرض ، لويل لمن يعترضه. تساءلوا: من يساعده على‎ ‎القتل؟ فقيل إن له زملاء في المدينة‎.



وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ‎ ‎رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ‎


هؤلاء هم أداة‎ ‎الجريمة. مجرمو المدينة المشهورون. اتفق على موعد الجريمة ومكان‎ ‎التنفيذ‎. وفي الليلة المحددة. وبينما كانت الناقة المباركة تنام في سلام‎. ‎انتهى المجرمون التسعة ‏من إعداد أسلحتهم وسيوفهم وسهامهم، لارتكاب الجريمة‎.



فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ‎



انظر إلى استخدام لفظ‎ "‎تعاطى" وكيف ذهب عقله مما تعاطاه من الخمر. هجم الرجال ‏التسعة على الناقة فنهضت‎ ‎الناقة مفزوعة. امتدت الأيدي الآثمة القاتلة إلى الناقة. وسالت ‏دماء الناقة‎. علم النبي صالح بما حدث فخرج غاضبا على قومه. قال لهم: ألم أحذركم من أن‎ ‎تمسوا ‏الناقة؟‎ قالوا: قتلناها فأتنا بالعذاب واستعجله.. ألم تقل انك من‎ ‎المرسلين؟‎ قال صالح لقومه‎:



تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ‎ ‎أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ‎


بعدها غادر صالح قومه. تركهم‎ ‎ومضى. انتهى الأمر ووعده الله بهلاكهم بعد ثلاثة أيام‎. ومرت ثلاثة أيام على‏‎ ‎الكافرين من قوم صالح وهم يهزءون من العذاب وينتظرون، وفي فجر ‏اليوم الرابع: انشقت‎ ‎السماء عن صيحة جبارة واحدة. انقضت الصيحة على الجبال فهلك فيها ‏كل شيء حي. هي صرخة‎ ‎واحدة.. لم يكد أولها يبدأ وآخرها يجيء حتى كان كفار قوم صالح ‏قد صعقوا جميعا صعقة‎ ‎واحدة‎.




قال تعالى في سورة (القمر‎):




إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ‎ ‎فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء‎ ‎قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ ‏مُّحْتَضَرٌ(28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ‎ ‎فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابي ونُذُرِ (30) إِنَّا‎ ‎أَرْسَلْنَا ‏عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ‎


هلكوا جميعا قبل أن يدركوا ما حدث. أما الذين آمنوا بسيدنا صالح، فكانوا قد‎ ‎غادروا المكان ‏مع نبيهم ونجوا‎[/ALIGN]