اختلف مع الصديق أبو عماد في تبريره سرقة الفراعنة لقصيدة الصنوبري واستشهاده بأمير الشعراء أحمد شوقي وأنه اقتبس قصيدته من قصيدة البردة للبوصيري وسار على نهجها ..
ما قام به الشاعر الكبير أحمد شوقي هو ما يسمى بالمعارضات في الأدب العربي وهو لم ينكر أنه قام بذلك بداية فقد سمى قصيدته نهج البردة وأشار إلى الشاعر البوصيري بجلاء وأنه وضع قصيدته أمامه وأخذ منها المعاني وسار على نهجها ..
يقول البوصيري
أمن تذكر جيران بذي سلم .................مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
ويعارضه شوقي
ريم على القاع بين البان والعلم .................أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
كما عارض سينية البحتري
صُـــنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُ نَفسي.................وَتَرَفَّعــــــــــتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ
عندما قال
اخـتلاف النهار والـليل ينسي.................اذكراني الصبا وأيام أنسي
التي عارضها عبد الله بلخير أيضا بقصيدته
ذكرياتي مـا بين يومي وأمسي.................هي عمري ما بين سعدي ونـحسي
وكذلك فعل إبراهيم طوقان في معارضته لقصيدة شوقي الشهيرة
قم للمعلم وفه التبجيلا .................كاد المعلم أن يكون رسولا
عندما قال :
شوقي يقول وما درى بمصيبتي .................قم للمعلم وفه التبجيلا
شوقي أيضا عارض قصيدة الحصري
يا ليل الصبا متى غده .................أقيام الساعة موعده
بقصيدته
مضناك جفاه مرقده .................وبكاه ورحم عوده
كما عارض نونية أبي البقاء الرندي ونونية ابن زيدون ويعتبر من أكثر الشعراء ولعا بالمعارضات .. ولكن هل أنقص ذلك من شاعريته أو حال بينه وبين تبوء منصب أمير الشعراء
كلا .. هذا أمر معروف ومشهور في الأدب العربي .. يقف الشاعر ليقول أو يكتب أو يشير بكل شجاعة ـ أنني قلت هذه القصيدة معارضا القصيدة الفلانية للشاعر الفلاني ويذكره بالفضل والسبق والريادة ويسأل الله أن تصل قصيدته إلى مستوى القصيدة التي عارضها .. هذه هي أخلاقهم
ولكن ما قام به الفراعنة يختلف عما قام به هؤلاء الشعراء ..هل وقف الشاعر أمام اللجنة وقال أن هذه القصيدة هي معارضة لقصيدة الصنوبري ـ هذا لو افترضنا جدلا أنها معارضة لأن المعارضات لا تكون إلا في نوع واحد من الشعر وتتفق في الوزن والقافية ـ وحتى عندما ناقشته اللجنة لم يذكر شيئا عن هذه الألفاظ ولم ينسبها إلى صاحبها الحقيقي على الرغم من أن أعضاء اللجنة أسهبوا في وصفه بالثقافة وأنه استوحى هذه الألفاظ من التاريخ القديم ومن الأساطير اليونانية و أنه شاعر مثقف ! بما يمنحه الفرصة ليثوب إلى رشده ويقول لهم بشجاعة أن هذه الألفاظ ليست له وإنما هي لشاعر عربي اسمه الصنوبري .ولو قال ذلك لحسبت له هذه الشجاعة ولكبر في عيوننا وفي عيون اللجنة
لم لم يقل لهم ذلك ؟ لا يعفيه من قول هذا القول شئ إلا إذا ثبت أنه لم يسمع بهذه القصيدة ولم يعرف هذا الشاعر من قبل وهذا مستحيل فالألفاظ متطابقة بشكل لا يسوغ إنكارها أو اعتبار أنها من باب توارد الخواطر
وقد أخفى معرفته بهذه القصيدة عمدا .. أما أعضاء اللجنة فإنهم كالأطرش في الزفة وقد انطلى عليهم ما قام به الشاعر بما فيهم دكتورهم غسان الحسن الذي قام بشرح هذه الألفاظ في معرض إعجابه بهذا الشاعر وتأكيد سعة ثقافته .. ولو كانوا في مستوى المسؤولية لعرضوا عليه قصيدة الصنوبري على الأقل وسألوه عن التشابه الكبير بين القصيدتين .. ولو فعلوا ذلك لتحول ذلك الإعجاب إلى ازدراء وبخاصة أنه أخفى عنهم القصيدة أما إن كانوا لم يسمعوا بها فتلك مصيبة وإن سمعوا وسكتوا فالمصيبة أعظم .
نعم أعجبنا الشاعر الفراعنة بل بهرنا بإلقائه وبثقته بنفسه وبسلامة لغته .. ولكن كل ذلك لا يشفع له فقد سطا على مجهود شاعر متوف ولم يشر إليه في محفل حفي أن يذكره فيه بخير
المفضلات