وقال ياقوت الحموي في " معجم البلدان " طبعة صادر , ط1 , سنة 1397هـ :
( العِيِص ) : بالكسر ثم السكون , وآخره صاد مهملة , قد ذكر اشتقاقه في الذي قبله , وفي العُوَيص آنفاً أيضاً : وهو موضع في بلاد بني سُليم , به ماء يقال له : ( ذنبان العيص ) قاله أبو الأشعث , وهو فوق السوارقية , وقال ابن إسحاق في حديث أبي بصير : خرج حتى نزل بالعيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذون منها إلى الشام , وقال أفنون التغلبي , واسمه : صُريم بن معشر بن ذُهل ابن تيم بن عمرو بن تغلب :
[poem=font="Simplified Arabic,6,#000000,normal,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#2100FF" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]
لو أنني كنتُ من عادٍ ومن إرَمٍ=غُذيتُ فيهم ولقُمانٍ وذي جَدَنِ
لما فدوا بأخيهم من مُهولة=أخا السكونِ ولا حادُوا عن السنن
سألتُ عنهم وقد سَدت أباعرُهم=من بين رحبة ذات العيص فالعدن[/poem]

يقول المؤلف ابن غنيم :
معجم البلدان , تأليف : العالم الكبير شيخ الجغرافيين , الإمام شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي , أخذ أسيراً من بلاد الروم وهو لا يزال طفلاً صغيراً , وحُملَ إلى بغداد , فاشتراه تاجراً يسمى عسكر الحموي , فنتُسبَ إليه ياقوت , وسُمي بالحموي , عهد إليه مولاه بتجارته , وما لبث طويلاً حتى توفي مولاهُ الحموي , فسافر بعد وفاة مولاه إلى حلب , ثم أخذ بالتنقل من بلداً إلى آخر , إلى أن استقر به المقام في خوارزم , فمكث بها إلى أن أغار عليها جنكيز خان - لا برد الله تربتهُ إلى يوم الدين - , فعاث فيها فساداً , فلم يدع في خزائن مكتباتها العامرة شيئاً , فهرب ياقوت منها إلى الموصل , تاركاً أمواله بها , ثم لم يطب له المقام بالموصل , فرحل إلى حلب واستقر بها إلى أن توفي رحمة الله عليه ,

ولمعجم ياقوت أهمية كبيرة لدى الباحثين,
فهو يعد موسوعة جغرافية ضخمة , وقد ألفهُ في ست سنواتٍ قضاها متنقلاً بين خزائن المكتبات الوقفية حينذاك , وكتب ياقوت معظم مادة كتابة عن الحجاز وجغرافيتها , والعجيب أن ياقوت على عظم أهمية معجمه هذا إلا أنه لم تطأ أقدامه أرض الحجاز (!) , بل لم يكتب له الحج إلى مكة , وإنما استقصى مادة معجمه من كتب الجغرافيين الذين سبقوه , ويذكر الشيخ بكر أبا زيد القضاعي في : " إتحاف الخلان بمعارف معجم البلدان " , وهو كتاب ترجمة للأعلام الواردة أسمائهم في معجم ياقوت , إلى أن ياقوت رجع في تدوين معجمه إلى أكثر من 251 كتاباً , وأرى أنه رجع إلى أكثر من ذلك , وأما التي ذكرها الشيخ بكر أبا زيد فهي التي صرح بالنقل منها ياقوت , أما ما لم يصرح به فهو كثير , وقد أشار إلى بعضها الشيخ حمد الجاسر في سلسلة مقالاته في " مجلة العرب " بعنوان : " نظرات في معجم البلدان " , ولمعجم البلدان عدة طبعات , لعل من أجودها وأصحها الطبعة التي نشرها المستشرق الألماني وستنفيلد سنة 1866م , وكذلك طبعة : دار صادر هي نسخة طبق الأصل عن طبعة وستنفيلد , وهي من أجود الطبعات اليوم لاعتمادها على الطبعة الأصل النادرةَ , ويقول المستعرب الروسي كراتشكوفسكي المتوفى سنة 1951م في كتابه " الأدب الجغرافي العربي " : وأهمية معجم ياقوت تتجاوز بكثير حدود الأهداف الجغرافية الضيقة , وهو أوسع وأهم بل وأكاد أقول أفضل مصنف من نوعه لمؤلف عربي للعصور الوسطى .. يكفي أن نذكر أن متن الكتاب المطبوع يضم ثلاثة آلاف وثمانمائة وأربعاً وتسعين صفحة , وهو جماعاً للجغرافيا .. وبالرغم من إتباعه لدرب مطروق سلكه قبله الكثيرون فإن ياقوت قد خشي أن يتهم بأن هدفه من وضع المعجم كان جغرافياً بحتاً , لذا فقد جهد في أن يدعم معطياته قبل كل شي بالشواهد من القرآن والحديث . انتهى كلامه , أما سبب تأليف ياقوت للمعجم فيحدثنا قائلاً :

لم أقصد بتأليفه، وأصمد نفسي لتصنيفه،
لهواً ولا لعباً ، ولا رغبة حثتني إليه ولا رهباً ، ولا حنيناً استفزني إلى وطن ، ولا طرباً حفزني إلى ذي ودٍ وسكن , ولكن رأيت التصدي له واجباً ، والانتداب له مع القدرة عليه فرضاً لازباً ، وفقني عليه الكتاب العزيز الكريم ، وهداني إليه النبأ العظيم ، وهو قوله عزوجل ، حين أراد أن يعرف عباده آياته ومثُلاتِه ، ويقيم الحجة عليهم في إنزاله بهم أليم نقماته : ( أفلم يسيروا في الأرض ، فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ، فإنها لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) .. وكان من أول البواعث لجمع هذا الكتاب ، أنني سُئلتُ بمرو الشاهجان ، في سنة خمس عشرة وستمائة ، في مجلس شيخنا الإمام السعيد الشهيد فخر الدين أبى المظفر عبد الرحيم ابن الإمام الحافظ تاج الإسلام أبي سعد عبد الكريم السمعاني , تغمدهما الله برحمته ورضوانه ، وقد فعل الدعاء إن شاء الله ، عن حُباشَةَ اسم موضع جاء في الحديث النبوي ، وهو سوق من أسواق العرب في الجاهلية , فقلت : أرى أنه حُباشَةُ بضم الحاء ، قياساً على أصل هذه اللفظة في اللغة ، لان الحُباشَةَ : الجماعة من الناس من قبائل شتى ، وحبشتُ له حُباشَة أي : جَمعت له شيئاً , فانبرى لي رجل من المحدثين ، وقال : إنما هو حَباشةُ بالفتح , وصمم على ذلك وكابَرَ ، وجاهَرَ بالعناد من غير حجة وناظر ، فأردت قطع الاحتجاج بالنقل ، إذ لا معول في مثل هذا على اشتقاق ولا عقل ، فاستعصى كشفه في كتب غرائب الأحاديث ، ودواوين اللغات مع سعة الكتب التي كانت بمرو يومئذ ، وكثرة وجودها في الوقوف ، وسهولة تناولها ،

فلم أظفر به إلا بعد انقضاء ذلك الشغب والمِراء ، ويأس من وجوده ببحثٍ واقتراء ، فكان موافقاً والحمد لله لما قلته ، ومكيلاً بالصاع الذي كلته ، فألقي حينئذ في روعي افتقار العالم إلى كتاب في هذا الشأن مضبوطاً ، وبالإتقان وتصحيح الألفاظ بالتقييد مخطوطاً ، ليكون في مثل هذه الظلمة هادياً ، وإلى ضوء الصواب داعياً ، ونبهت على هذه الفضيلة النبيلة ، وشرح صدري لنيل هذه المنقبة التي غفل عنها الأولون ، ولم يهتد لها الغابرون , يقول من تقرع اسماعهُ : كم ترك الأول للآخر (!) , وما أحسن ما قال أبو عثمان : ليس على العلم أضرُ من قولهم : لم يترك الأول للآخر شيئاً ، فإنه : يفتر الهمة ، ويضعف المنة . انتهى كلامه .

وأقول : شيخ ياقوت الذي عقد في مجلسه ذلك اللغطُ هو الإمام السمعاني صاحب " كتاب الأنساب " , أما استشهاده بالأبيات السابقة فأرى أنه استشهاد في غير موضعه , فالعيص المقصود في شعر أفنون التغلبي هو العيص الواقع في حضرموت من أرض اليمن, ولذلك قال أفنون : رحبة ذات العيص ( فالعدن ) , فهو عيص اليمن وليس عِيص جهينة الماثل بأرض الحجاز , ولم أرى من نبه على ذلك قبلنا , وقوله : بخزائن مرو الكبيرة , فأظنهُ يكفي أن نشير إلى أنه كان في أحد تلك الخزائن الوقفية ما يقربُ من خمسةَ عشر ألف كتاباً , ولعمري فذاك زمن طفرة التأليف , فأين كل هذه الكتب جميعاً ؟ , لقد طوح بها الزمن وضرب الدهر عليها بكُلله فلم يعد لها أثراً ننتفع به , ولله درهم كيف لو علموا حاجتنا وعوزنا اليوم (!.!) .
[/QUOTE]