[dci]5 -9
و لا يخفى مدى غرابة هذا القول ؛ لأن صفة الفاضل تطلق على كل من يتحلى بالفضيلة – هكذا علمنا الإسلام – أما الأنبياء و الرسل فنوقرهم بالصلاة و السلام عليهم ، والاقتداء بهم .
ومن الشواهد التي نوردها في هذا الجانب أيضاً قوله ص 346 ( إن تضمين القرآن الكريم لجملة باللغة الصينية التي لم يكن العرب على علم بها وقت البعثة النبوية إنما هو دليل قاطع على علم الله تعالى بلغات جميع الأمم ، ومن ثم فإنه يمكن القول بأن جبريل عليه السلام وكذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم و المسلمون من بعدهم قد تحدثوا باللغة الصينية ، وكذلك فعل أصحاب الرسول رضي الله عنهم و المسلمون من بعدهم ) فأي تفكير يقود إلى هذا الكلام ؟ وماذا لو ثبت أن القرآن لم يضمن جملة باللغة الصينية ؟ فهل في هذا نفي لعلم الله (تعالى الله عن ذلك) ؟! و ما الذي يثبت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم و صحابته باللغة الصينية ، ثم ما الداعي لتكرار الجملة الأخيرة ؟!
ومن الشواهد في هذا الصدد أيضاً قوله ص 473 ( ..وهذه القصة القرآنية هي بحق القصة الوحيدة الحقيقية ليأجوج و مأجوج ..وذلك لأنها القصة الوحيدة التي احتوت على اللفظ و المعنى الصحيح لعبارة يأجوج و مأجوج باعتبارها عبارة و جملة كاملة باللغة الصينية ) فماذا
لو تبين عدم صحة العبارة الصينية ألا يؤدي بنا ذلك إلى عدم صحة القصة القرآنية ؟! وبالتالي عدم صحة القصص القرآني ؟!
ولعل آخر الشواهد التي تؤكد ضعف الاستدلال و الاستنتاج ما ذهب إليه ص 66 من أن قبول يوسف عليه السلام العمل مع ملك مصر دليل على صلاح هذا الملك ، وهو الدليل الذي لا يمكن القطع به و بخاصة أن يوسف عليه السلام كان عليماً بالرؤى و إزاء أزمة طاحنة ستأكل الأخضر و اليابس ، وهو الأمر الذي يجعله يضع مصلحة عامة الناس قبل كل شيء . ودون النظر إلى صلاح الملك من عدمه .
4- افتقار الكتاب إلى علامات الترقيم بشكل كبير رغم أهميتها ودلالاتها اللغوية و البلاغية .
ثانياً : مفتاح الشمس :
حيث ذهب الكتاب في مقدمته إلى أن القرآن ترك لنا مفتاح الشمس للدلالة على رحلة ذي القرنين ، و نحن – هنا – سنجعل مفتاح الشمس شاهداً على مخالفات الكتاب و منها " كان كل همها أن تربي ابنها و تنشئه على عقيدة التوحيد و تقديس الشمس و رب الشمس " ص 177 و منها كذلك ما ورد ص 277 ( لتلك الرموز الشمية الخاصة بفراعنة مصر و بلاد ما بين النهرين و الهند القديمة ) فلماذا قصرت الأمر على مصر ولم تتعرض لغيرها ؟!
6-9
وكذلك قوله ( وباعتبار أن معبوده هو إله الشمس كما جاء في ديانته التي كان يبشر بها ) ص 183 و أقف – هنا – لأسأل سؤالاً غير بريء : ألم يكن لدى المصريين آلهة أخرى و من بينها إله القمر ؟! وكذلك ما ورد في مواقع متعددة من الكتاب عن الأسرة الشمسية ، موحد رب الشمس ..الخ ، هذا الارتباط بالشمس الم يجعلك تستدعي قصة إبراهيم عليه السلام عند بحثه عن الإله الواحد ، وكيف تحول عن فكرة عبادة الشمس الآفلة كما أورد ذلك القرآن الكريم ؟! قال تعالى " فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون " الأنعام آية 6
ثالثاً : التعارض الشرعي :
حيث حفل الكتاب بالعديد من الآراء والاستنتاجات والمعلومات التي خالفت الكتاب والسنة ومنها :
قوله ( ... ودعوة و رسالة أخناتون ذي القرنين التوحيدية التي كان يدعو إلى اعتناقها مصر و العالم . كما جاءت النقوش و المخطوطات و الآثار و كتب التاريخ مؤيدة و مجمعة عليه ) ص 125 ، وكذلك قوله " وكرسول يبشر بعبادة إله واحد لا شريك له ليس للمصريين فقط ولكن للعالم أجمع " ص 206، وشبيه بذلك ما ورد ص 501 ، و لا يخفى أن ما سبق يتعارض مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الوارد في الصحيحين وبض كتب السنن بأنه أعطي خمسا لم تعط لغيره و منها عمومية رسالته ، و خصوصية غيره من الأنبياء و الرسل . - هذا لو سلمنا بنبوة أخناتون . – وهي العمومية التي قال تعالى عنها ( وما أرسلناك إلا كافة للناس ) الآية .ثم ..هل يستوي القرآن الكريم مع النقوش والآثار والمخطوطات وكتب التاريخ ؟؟!
ومن المخالفات الشرعية أيضاً – ما ورد في الكتاب ص 165 ( أخناتون الذي أصبح " ذو " القرنين المصري و الصيني) وهذا القول يتعارض مع قوله تعالى " و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ... الآية )
7-9
ومن المخالفات الشرعية – أيضاً – ما ورد في الكتاب ص 162 ( .. وهكذا نرى أن الله قد استجاب لدعاء الملكة " تي " إمرات الفرعون امنحوتب الثالث حينما دعت ربها وقالت " رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة " ) وهو ما يتعارض صراحة مع الحديث النبوي الوارد في صحيح البخاري و الذي ينص على أن اسم إمراة فرعون ( آسية ) و ليست ( تي ) .
ومن المخالفات الشرعية – أيضاً – قوله ( ..كان كل همها أن تربي ابنها وتنشئه على عقيدة التوحيد وتقديس الشمس ورب الشمس ) ص 177 ، فهل نحن الموحدين نقدس الشمس ؟!
ومن المخالفات الواردة في الكتاب تحت عنوان فكرة الأضحيات و الفدية ص 533 حيث تحدث عن اعتقاد آل ذي القرنين و أتباعه آل تشو بتقديم الأضحيات و الفدية لقوى الطبيعة السماوية و الأرضية الأقل شأناً . فهل يقبل هذا الشرك مسلم موحد فضلاً عن أن يكون مؤمناً أو صاحب رسالة .
ولعل آخر المخالفات الشرعية التي سنوردها تلك التي تشير إلى أن العلوم و المعلومات قد جاءت ضمن فصول في كتاب منزل على ذي القرنين باعتباره رسولاً من لدن الله للأمة الصينية ص 534 ، و السؤال الملح هنا أين هذا الكتاب من الكتب السماوية المعروفة ؟ وهل أرسل ذو القرنين بدعوة عامة أم للأمة الصينية فقط ؟!
رابعاً : مخالفة المنهجية العلمية :
يقوم البحث العلمي الرصين على مجموعة من الأسس التي لا غنى عنها لأي بحث أو باحث ومن أهمها:
*التواضع العلمي الذي لا يقطع بالنتائج المتمخضة عن البحث و الدراسة ، و المتتبع لثنايا الكتاب يجد أن الكتاب يحفل بالعديد من الشواهد القطعية التي لا تستقيم مع روح البحث العلمي و منها ما ورد ص 95 (و أخناتون مثلاً كان اسمه عند ولادته هو امنحوتب الرابع ثم غير اسمه بعد توليه الملك و أصبح اسمه أخناتون ثم ذي القرنين ... الخ) .
فمن أين استمد هذه القطعية في الأحكام ؟!
وكذلك ما ورد ص 510 ونصه( من الحقائق التي لا يأتيها الشك من أي جانب هو أن الشعب الذي استغاث بذي القرنين ... كان الشعب الصيني)
أيعقل أن يستقيم هذا الجزم مع الحقائق المستجدة كل حين ؟!
8-9
وكذلك ما ورد ص 523 بقوله " المهم هنا أن هناك من نقل الحروف الهيروغليفية للصين وذلك الناقل لم يكن سوى أخناتون ... وهذه الحقيقة لا تحتاج إلى مزيد من الأدلة تماماً مثلها النهار الذي لا يحتاج إلى دليل . و لا يخفى أن ما سبق لا يمكن أن يكون ذا صلة بروح البحث العلمي التي يجب أن تتسم بالموضوعية و التواضع .
* كما إن إحدى المخالفات المنهجية الواردة في الكتاب ذلك التناقض و الاضطراب في مواضيع كثيرة من الكتاب و منها – مثلاً – ما ورد في المقدمة ص 18 "... والقول ( بشروق ) الشمس يتنافى مع النص القرآني و يتنافى مع معطيات علم الفلك فالشمس تطلع و لا تشرق " ثم يعود ص 173 ليقول " ... ومن المحتمل الاعتقاد بأن المصير الشمسي قد نشأ في عقيدة قدماء المصريين عن طريق ( شروق ) الشمس ثانية كل يوم بعد غروبها "
ومن مناقضات الكتاب – أيضاً ـ ما ذهب إليه ص 423 من أن ذا القرنين قد قام بعد إنجاز مشروع الردم بتجربة لتسلقه أو لعله راقب مدى قدرة يأجوج ومأجوج على تسلق الردم و اختراقه ، لكن الكتاب يعود بعد ذلك لينفي مشاهدة ذي القرنين يأجوج ومأجوج ، نافياً و صفه لهم كما قال بذلك بعض المؤرخين ص 481 ، و لا يخفى ما في هذا التعارض من تحيز للفكرة و محاولةلحشد الأدلة لصالحها .
*ولعل آخر المخالفات المنهجية التي سنوردها هي مخالفة العرف العلمي في بناء الفرضيات ، إذ تعارف أهل البحث و الدراسة على قيام الفرضية استناداً على مجموعة من الحقائق ، بيد أن الكتاب – هنا – خالف ذلك في أكثر من موضع ومنها :
قوله " ولعل (أخناتون) اتخذ قراره بتغيير اسمه من أخناتون إلى ذي القرنين ص 235 " ليعود مباشرة قاطعاً بصحة هذا الافتراض كحقيقة بقوله " وفي هذه الرحلة تحول اسم أخناتون إلى لقب ذي القرنين " ص 237 ، وشبيه ذلك – أيضاً – ما أورده ص 308 مفترضاً بأن ذا القرنين أرسل أتباعه إلى نهاية المحيط الهادي للدعوة لدينه ، ثم يعود الكتاب قاطعاً بأن من اكتشف أمريكا هي البعثة التي أرسلها أخناتون ذو القرنين إلى المحيط الهادي ص 313 .
فهل يستقيم ذلك مع أدبيات البحث العلمي ؟! وأي منطق عقلي يقبل ذلك ؟!
9ـ9
وإننا إذ نصل إلى ختام قراءتنا لهذا الكتاب فإننا نوجز بعض النقاط الجديرة بالاهتمام و منها :
[align=right]• إن أبرز و أجمل ما أورده الكتاب – من وجهة نظر متواضعة – هي تلك الخطرات الإدارية المضيئة عبر تناول قصة إدارة بناء الردم على ضوء السياق القرآني ، و لا عجب في ذلك فالمؤلف يطل – هنا – من شرفته العالية .
• إن إثبات قصور الكتاب فيما نتعارف عليه بالضرورة يجعلنا لا نطمئن للمعلومات الواردة عن اللغات الصينية وغيرها مما لم نتعرض له ؛ فالكتاب الذي يخفق في التعامل مع لغته الأم لا يمكن أن يشي لنا بالثقة في لغة أو معلومة أخرى .
• إن خطورة هذا الكتاب ـمن وجهة نظرنا ـ هو إبرازه الكثير من الشواهد القرآنية مما قد يوهم القارئ العادي بصحة كل ما فيه ، وبخاصة في ظل افتتان المؤلف وانبهاره بالإعجاز القرآني حسبما يراه ،ولعمري إن أخطرمافيه نفي تفرد الرسول صلى الله عليه وسلم بعالمية الرسالة ، ولذا علينا ألا نستغرب إذا ما خرج علينا من يتهم الصحابة الكرام بالدموية والتوسع والاعتداء غيرالمبرربحجة نشر الإسلام ؛ فأخناتون – النبي بزعم الكتاب – لم يفعل ذلك برغم عالمية دعوته ،وإنما كان مثالاً للتسامح و تفهم حريات الآخرين !!
• إن الكتاب – وعلى ضوء القضايا التي تناولها – كان بحاجة إلى مراجع تزيد كثيراً عن تلك المراجع التي اتكأ عليها المؤلف ، و بخاصة أن كل فرضية من فرضياته كانت بحاجة إلى بحث مستقل ، وعمل متأن ، ومرجعية واسعة وبخاصة المرجعية الإسلامية .[/align]
ويكفي أن نشير إلى عدم الرجوع إلى أي مرجع حول الألفاظ الأعجمية في القرآن الكريم برغم أن أهم افتراضاته تقوم على كلمتي يأجوج ومأجوج ولغتها كما يذهب لذلك في مقدمة الكتاب . وأخيراً فإنني إذ أقدر للمؤلف حبه للعلم و المعرفة وروحه الاستكشافية وسعيه الجاد في هذا المضمار وحرصه الصادق على الوقوف على معطيات ونتائج الدراسة؛ فإنني آمل منه –صادقاً – أن يقف وقفة متأنية مع مؤلفه واستعراض ما ورد فيه وفق الأصول العلمية و بالله التوفيق ،،،،[/dci]
المفضلات