الأطباء: حرائق النفايات تسبب السرطان وإجهاض الأجنة ( وليت البلدية تسمع )

[معلم معاصر]

د. طارق على فدعق

هباب (2)


القمائم هي إحدى أهم المعايير المهملة في تقويم الحضارات ...لو أردت أن تبحث في مدى تقدم أية أمة، فستجد أن هناك بعض المؤشرات المشتركة...احترام الحقوق، والثقافة، والمعاملة، والطوابير، والصوت المنخفض، وانعدام الواسطات...والنفايات لا تخلد إلى الذهن كإحدى المؤشرات الحضارية...ولكن لو فكرت في الموضوع بعمق ستجد أن كمية ونوعية وأساليب التخلص من المخلفات مفروض أن تكون من معايير تقويم التقدم الإنساني...وتنعكس سلوكيات وممارسات البشر في أكوام القمائم...لنبدأ بالعالم ككل وسنجد أن إحدى أغرب الصادرات اليوم هي المخلفات من الدول الغنية إلى الفقيرة...وأمامي الآن تقرير عن أكوام النفايات في أفريقيا...والمحزن في الموضوع أنها كآلاف مرامي القمائم حول العالم الثالث، روائح وقرف ومناظر مقززة...وهناك، وسط تلك الأكوام الفواحة تكمن أيضا مصادر بعض الأرزاق، و حتما ستجد الحرائق المفتعلة، فهي ضرورية للحصول على المعادن بداخل بعض النفايات ...تجارة عجيبة...وهذه الحرائق هي آلية الحصول على النحاس، والحديد، والرصاص، والكادميوم، والبريليم، بل وبعض من الذهب أيضا...ومصدر هذه المواد الثمينة في أكوام النفايات هي الأجهزة الإلكترونية، والكهربائية وغيرها...ويغلف العديد منها بمواد بلاستيكية أو مطاطية لحمايتها...وخلال العشر سنوات الأخيرة تغيرت طبيعة القمائم بسبب الأجهزة الجديدة التي نستعملها... هل تتذكر ما فعلت بجوالك الأول؟ والثاني؟ أو ربما الثالث؟ وماذا عن الحاسوب القديم الذي اشتريته من زمان؟ وماذا عن التلفاز الذي تخلصت منه بعد صدور الطراز الكبير المعدل؟ كل هذه تحتوى على “كنوز” ينتظرها البعض بفارغ الصبر، وكلما كان المجتمع استهلاكيا، ازداد بريق تجارة الانتفاع بالنفايات...ونحن ما شاء الله من المجتمعات الاستهلاكية لدرجة أن مخلفاتنا تعتبر من الكنوز الرائعة الغنية للعديد من البشر...ويبدو أن الحرائق في مردم جدة هي بسبب محاولات الانتفاع بالمعادن من فضلاتنا، وخصوصا تلك الأجهزة الإلكترونية التي اقتنيناها خلال العشر سنوات الماضية حيث أنها غنية بأرزاق البعض...ووقود تلك الحرائق لاستخراج المعادن من الأجهزة والأسلاك والإطارات متوفر بكثرة، والوقود المفضل دائما هو الإطارات نفسها التي تحترق بسهولة...أضف إلى ذلك أن العديد من أكوام النفايات مشبعة بفضلات الأغذية، وأن تلك البقايا تتحلل لتنتج غاز الميثان القابل للاشتعال...الشاهد في كل هذا هو كمية الهباب الصادرة من كل هذا، وتلوث الهواء الناتج عنه مضر جدا...ولكن هناك المزيد فأكثر المواد السامة التي ينتجها الإنسان على الإطلاق على كوكبنا تنتج خلال عمليات الحرق... عندما تتحد ذرات مادة الكلور مع بعض المواد العضوية وأشهرها على الإطلاق عائلة مواد خبيثة جدا إسمها “تتراكلورو دايبنزو دايوكسين” على وزن “طالع لمين هال الزول المسكين” وإسمها المختصر هو “دايوكسين”...تدخل أجسام المخلوقات لتلجأ إلى الدهون وتذوب هناك لتنشر شرورها من سرطان، ودمار للجهاز العصبي، وتشوهات الشكل والأعضاء وخصوصا لدى الأطفال لأنها ممكن أن تنتقل عن طريق حليب الأمهات...والتخوف هنا هو انتشار هذه المادة في بيئتنا بداخل وحول مردم النفايات شرق جدة...تخيل أننا قد نورث هذه السموم للأجيال القادمة في بلدنا...شروط تكوين المواد السامة موجودة...المواد العازلة البلاستيكية المستخدمة في الأدوات الكهربائية والمحتوية على مادة الكلور...والمواد العضوية...ووجود ضعفاء النفوس...والحرائق المفتعلة...نسأل الله السلامة من هذه المخاطر.
* أمنيــــــة :
حتى لو تم إخماد جميع حرائق المردم اليوم إلى الأبد، فهناك خطورة أن تبقى الملوثات في التربة، وفى المياه الجوفية...أتمنى أن يحمينا الله من شرور الهباب وما يترتب عليه في مدينتنا، وفي وطننا...ونحن بانتظار الحلول الجذرية لهذه الكارثة البيئية.
والله من وراء القصد.