بقلم - محمد رويشد السحيمي
آه يابدو
إذا كنتَ بدوياً حقيقياً، ولدتَ في الصحراء، وليس في حي "النسيم"،أو"النظيم" في الرياض، ولا حتى في حارة "السحمان" بالمدينة! ورعيت البَهْمَ - مرحلة الروضة والتمهيدي من الغنم - ومازلتَ تتذكر خديناتك/زميلاتك: عزوة، وبريدة، ومنيرة، ونورة، وصالحة؛ فتتأوَّه مع مجنون ليلى:
صغيرين نرعى البَهْمَ، ياليت أننا ** إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البَهْمُ
ليس على"عزوة"وبقية الزميلات، وإنما قهراً لأن والدك - واسمه رويشد - قرر التقاعد حضرياً، بعد ستين عاماً،من البداوة النقية، ليحرمك شرف الترقي لدرجة: "راعي غنم"،التي نالها إخوانك وأخواتك الكبار!
نعم، إذا كنتَ بدوياً حقيقياً، واسم جدتك لأبيك:"دْغيفلة"، وجدتك لأمك: "حمدة"، صاحبة السيارة:"دوجٍ حَمَر والرفارف سود"، واسم أمك:"عَتْقا"، أخت "دليش"، وقد اختارت لك اسم"عويِّض"، أول الأمر!
إذا كنت بدوياً، بهذه المواصفات والمقاييس، الموثَّقة في بلد المنشأ، فستكون ذا مصداقية كافيةٍ لأن تتحدث عن البدو، وفروسية البدو، وخفة دمهم، وكرم نفوسهم. أولئك القوم الذين انقرضوا - إلا قليلاً - وورثهم قومٌ، يصفهم الأخ/أنا، بـ"شعب الله الـمُحتار": فلا هم البدو الحقيقيون، ولاهم الحضر الواعون بما تمليه عليهم الحياة المعاصرة من تحدياتٍ!
قومٌ يعتقدون أنهم يحظون بشرف البداوة لمجرد أن أجدادهم بدو! ويعتقدون أن الانتماء للقبيلة، هو نفسه الانتماء للهلال أو النصر!
وأن التغني بمآثرها هو نفسه:"أوه يا إتـي ياموج البحر"!
قومٌ يقتنون الأنعام - كأجدادهم - لكنهم يستقدمون رعاةً، من القارَّة الهندية وأدغال شرق آسيا، والقرن الأفريقي، ويتسابقون على وظائف لا يكفي راتب بعضها لذبيحةٍ واحدةٍ، يهايط - يتفشخر- بها أمام ضيفه!
أما أجدادهم فكانوا يرون من العيب أن يرعى حلالهم غيرهم، وليس من"المرجلة" أن تترك حلالك؛ لتعمل موظفاً مقيداً بشروط الوظيفة، ومزاج صاحب العمل!وكان الواحد من أجدادهم إذا سئل: من خالُك؟كوَّر قبضته، وشهر ذراعه وقال: هذا خالي! أي: فعلي وكسبي، ونجاحي الشخصي، لا الوراثي!
انقرض أولئك الأجداد - إلا قليلاً- وورثهم قومٌ: سخَّر الله جميع الكائنات لخدمة الإنسان، وسخَّرهم للإبل: يقتنونها بديونٍ باهظة، ويصرفون عليها أضعافَ ما يصرفونه على أبنائهم، الذين لا يرثون منهم - بعد عمرٍ طويل - إلا همَّاً بالليل، وذُلاًّ بالنهار!
أما ما نراه، ونسمعه من "مهايط" مهرجانات"المزايين"، ودفع مئات بل ملايين الريالات ثمناً لها، فأولئك المهايطون ليسوا من البداوة، ولامن أهل الإبل في شيء! إنهم أثرياءٌ من "شعب الله المحتار"، كسبوا ثرواتهم الطائلة من العقار، والمقاولات،ومعارض السيارات، ووظائف كبيرة تسنَّمُوها بالشهادات، التي حصلوا عليها من بلاد الخواجات! وليس من مزايين الإبل، ولاحتى شيونها!
أما أجدادهم فلم يكونوا يقتنون الإبل، بل كانوا يعشقونها، ويحيون معها وبها حياةً نبيلةً لا تنحدر بقيمتها إلى أن تكون مجرد تسليةٍ "مزيونةٍ"، تُطارد بأحدث سيارات الجيب المكيفة!
ولم يفخر أحدٌ من أجدادهم بأنه ترأس لجنة تنظيم أي مهرجان، وجمع ملايين الريالات من نخوة الربع، الذين يرزح كثيرٌ منهم تحت نير الفقر،والدَّين، وسقم العين!
---------------------
أرى أن الصديق محمد رويشد السحيمي أصاب كثيراً وتحدث عن مافي داخلي لهذا أردت نقل مقاله ووضعه هنا للجميع . فلو قلنا عكس ذلك لأصبحت بدوياً , ولكني ولله الحمد عرفت ماقاله السحيمي من مدة طويلة ولكن غيري يأبي , لا ان يكون بدوي وهو ( مايدري وين الله حاطه ) . مثل الولد الناعم اللي عرض معه لقاء في القناة الرياضية السعودية ، كان لابس تي شيرت احمر ضيق وبنطلون ستريتش والميك أب ظاهر للعيان ويقول : ( قهوتن مع الشيبان تسوى الدنيا ومافيها، وهوايتي أرعى الابل واتسمر عندها ) ... اللقاء كان معه في شارع التحلية بالرياض .
المفضلات