قال المؤرخ صالح عبد اللطيف في : " ملامح من تاريخ ينبع " الجزء الأول : باب : ( الآثار بمنطقة ينبع ) :
( نقوش وادي بواط ) :
تظهر على جبال وصخور وادي بواط بعض الكتابات والنقوش والرسومات , وقد سلك الرسول صلى الله عليه وسلم وادي بواط في الغزوة التي تعرف باسمه , وكان وادي بواط تسلكه القوافل من وإلى المدينة المنورة , وبه غار مشهور تروى عنه قصص خرافية عن قيام السعلاة الساكنة فيه بأكل البشر .
" قلت "
وفي الكتاب تظهر صورتان عن تلك النقوش ومن خلال الصور يظهر أنها نقوش إسلامية , وللأمانة أنني لم أكن أعرف خبر تلك النقوش إلا من خلال تاريخ أستاذنا صالح , وكم تمنيت من أستاذنا أن يضيف تعليقاته مما ظهر له من كتابات تلك النقوش بحكم أنه قد وقف عليها وصورها , فعله يستدرك ذلك في الطبعات القادمة لتاريخه أعاننا الله وإياه .
باب : الغول والسعالي هل هي حقيقة أم أوهام ؟؟
نقل أستاذنا صالح في تاريخه الكلام السابق الذي أوردناه فقال عن جبال بواط : ( وبه غار مشهور تروى عنه قصص خرافية عن قيام السعلاة الساكنة فيه بأكل البشر ) .
" يقول ابن غنيم الجهني "
قد صدق أستاذنا صالح بذلك فالقول بأن السعلاة تأكل البشر إنما هو خرافة وكذب لا دليل عليه , وتالله إن مثل هذا القول لن يصمد أمام الوقائع والحقائق العلمية إن وضع بميزانها , وسنذكر بعض الأدلة على ذلك , أما أخبار السعلاة أو ( السعلية ) بصفة عامة فإني أرى صحة شي من أخبارها لا جلها , فكل خبر أو أثر لا بد أن يزاد فيه وينقص , ولكن تبقى الحقيقة حقيقة مهما اعترتها زيادة أو نقصان , وأما ما يتناقله أهل البادية اليوم وفي السابق من أخبار وقصص السعلاة ووصفهم لها فهو كذب صريح , ولتصديق ذلك لا بد أولا من معرفة ماهية ذلك المخلوق ؟؟ , فإذا عرفت ما هيته وفصيلته حينها تكون قد عرفت الحقيقة !! .
وقول أهل البادية والحاضرة اليوم عن صفة السعلاة جميعه ليس له مصداقية ولا حقيقة , بل هو أوهام لا وجود له إلا في عقولهم !! ولا صلة لها بالحقيقة , وصفتها عندهم التي يروونها عن السعلاة قولهم أن السعلاة أو كما يقول أهل البادية اليوم : ( السعلية ) أنها امرأة إنسية أي أنها من الإنس فأكلت لحوم البشر فتحولت إلى سعلاة أو ( سعلية ) !! , كذا يروون بأخبارهم عن صفتها , وهو المشهور من الأخبار عندهم , ولله العجب فهذا كذب لا يصدقه لا العقل ولا العلم فلحوم البشر لو أكلت والعياذ بالله لا تفعل ذلك أبدا !! هذا أولا .
ثانيا : من أخطاء أهل البادية حين يذكرون أخبار السعلاة , وقد رووا في ذلك العديد من الحكايات والأساطير الكاذبة التي نرى أنها من نسج الخيال الذي عشعش في عقولهم , وبين يدي قصة لما يسمى : ( السعلية ) وإن كنت أرى أنها رواية فيها كثير من الحكم والطرائف والنكت والتشويق وهي طويلة جدا وهي من القصص القديمة جدا التي كانت تقص للأطفال لا نعلم تحديدا زمن تأليفها ؟ , ولا من هو مؤلفها ؟ , ولكن الصحيح أن السعلاة ليست كذلك فالسعلاة ليست من البشر أو الإنس إنما هي نوع من ( الجن ) وقد تسمى بـ ( السعلاة أو الغول ) , والغول هو الأصح والأشهر , وقيل : أن الغول هو الذكر , والسعلاة هي الأنثى , وهناك من فرق بين الغول والسعلاة , والصحيح ما أثبتناه من أنه لا فرق بينهما والله أعلم .
قال الحافظ ابن عبد البر القرطبي في " التمهيد " :
( الغول ) : وجمعها أغوال , والسعلاة وجمعها السعالى , ضربان من الجن ونوع من شياطينهن , قالوا : إنها تتصور صورا كثيرة في القفار أمام الرفاق وغيرها , فتطول مرة وتصغر أخرى وتقبح مرة وتحسن أخرى , مرة في صورة بنات آدم وبني آدم ومرة في صورة الدواب وغير ذلك كيف شاءت , قال كعب بن زهير :
[poem=font="Simplified Arabic,6,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,blue" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فما تدوم على حال تكون بها=كما تغول في أثوابها الغول [/poem]
وقال العيني في " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " :
ومنهم السعلاة : وهي مغايرة للغول وأكثر ما يوجد في الفيافي إذا ظفرت بإنسان ترقصه وتلعب به كما تلعب السنور بالفأر .
وقال الشنقيطي في " تفسير أضواء البيان " :
والسعلاة عجوز الجن .
وقال الخطابي في " غريب الحديث " :
وقال أبو سليمان : في حديث النبي أنه قال : ( لا صفر ولا غول ولكن السعالي ) أخبرناه محمد بن المكي , نا الصائغ , نا سعيد بن منصور , نا سفيان عن عمرو , عن الحسن بن محمد رفعه : ( السعالي سحرة الجن ) , جمع سعلاة , والمعنى : أن الغول لا تستطيع أن تغول أحدا أو تضله ولكن في الجن سحرة كسحرة الإنس لهم تلبيس وتخييل , ومثله حديث عمر بن الخطاب حين قال : ( إن أحدا لا يستطيع أن يتغير عن خلق الله ولكن لهم سحرة كسحرتكم فإذا رأيتموهم فأذنوا بالصلاة )
وقال الفراهيدي في " العين " :
( والسعلاة ) : من أخبث الغيلان ويجمع على سعالي , ويقال للمرأة الصخابة استسعلت أي صارت كالسعلاة .
وقال الأبشيهي في " المستطرف في كل فن مستظرف " :
( سعلاة ) : نوع من المتشيطنة , قال السهيلي : هو حيوان يتراءى للناس بالنهار ويغول بالليل , وأكثر ما يوجد بالغياض وإذا انفردت السعلاة بإنسان وأمسكته صارت ترقصه وتلعب به كما يلعب القط بالفأر , قال : وربما صادها الذئب وأكلها وهي حينئذ ترفع صوتها وتقول : أدركوني فقد أخذني الذئب وربما قالت : من ينقذني منه وله ألف دينار وأهل تلك الناحية يعرفون ذلك فلا يلتفتون إلى كلامها .
وقال النووي في " شرحه على صحيح مسلم " :
( ولا غول ) : قال جمهور العلماء : كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات وهي جنس من الشياطين فتتراءى للناس وتتغول تغولا , أي : تتلون تلونا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم , فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذاك , وقال آخرون ليس المراد بالحديث نفي وجود الغول , وإنما معناه : إبطال ما تزعمه العرب من تلون الغول بالصور المختلفة واغتيالها , قالوا : ومعنى لا غول أي لا تستطيع أن تضل أحدا , ويشهد له حديث آخر لا غول ولكن السعالى قال العلماء : السعالى بالسين المفتوحة والعين المهملتين , وهم سحرة الجن , أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخيل , وفى الحديث الآخر : ( إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان ) أي : ارفعوا شرها بذكر الله تعالى , وهذا دليل على أنه ليس المراد نفى أصل وجودها , وفى حديث أبى أيوب كان لي تمر في سهوه وكانت الغول تجيء فتأكل منه .
وروى الأصبهاني في " العظمة " فقال :
حدثنا عبد الوهاب بن أبي عصمة العكبري حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن هراسة عن جرير بن حازم عن عبد الله بن عبيد عن جابر رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيلان فقال : ( سحرة الجن ) .
" قلت " ورواه ابن وهب مرسلا عن عبد الله بن عبيد في " الجامع " , وابن أبي الدنيا في " مكائد الشيطان " رواه مرسلا وموصولا , والخطابي في غريب الحديث مرسلا , وقد ضعفه شيخنا مشهور .
روى النسائي في " السنن الكبرى " :
أخبرنا أحمد بن سليمان , قال حدثنا يزيد , قال أخبرنا هشام , عن الحسن , عن جابر بن عبد الله , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل , فإذا تغولت لكم الغيلان فنادوا بالأذان )
قال مشهور بن سلمان في تخريجه لهذا الحديث :
أخرجه أحمد في المسند , والنسائي في عمل اليوم والليلة , وابن السني في عمل اليوم والليلة , وأبو يعلى في المسند , من طرق عن يزيد به , وأخرجه أبو داود في السنن , وابن ماجه في السنن من طريق ابن أبي شيبة به مختصرا , وليس فيه الجزء المذكور ,
ورجاله رجال الصحيح , واتصال إسناده متوقف على سماع الحسن البصري من جابر , وضعفه الحافظ ابن حجر في " تخريج الأذكار " بناء على ترجيحه عدم سماع الحسن من جابر كما في " الفتوحات الربانية " , وقال الألباني في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " قلت : وهذا إسناد ضعيف , ورجاله ثقات , وإنما علته الانقطاع بين الحسن وهو البصري وجابر كما قاله أبو حاتم والبزار .
قلت : قال ابن المديني : الحسن لم يسمع من جابر بن عبد الله شيئا , وسئل أبو زرعة الحسن لقي جابر بن عبد الله ؟؟ , قال : لا , وقال بهز : لم يسمع من جابر بن عبد الله , وقال أبو حاتم عندما سئل عن سماع الحسن من جابر قال : ما أرى , ولكن هشام بن حسان يقول : عن الحسن حدثنا جابر بن عبد الله وأنا أنكر هذا , إنما الحسن عن جابر كتاب , مع أنه أدرك جابرا ,
قلت : وأخرجه ابن خزيمة في صحيحة , وأخرجه من حديث جابر الديلمي في الفردوس , وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه وسنده منقطع لا يعرف لا بن جريج سماع من سعد ولم يلق أحدا من الصحابة كما قال ابن المديني كما في " جامع التحصيل " , وأخرجه البزار في " كشف الأستار " عن الحسن عن سعد به , وقال عقبه : لا نعلمه يروى عن سعد إلا من هذا الوجه , ولا نعلم سمح الحسن من سعد شيئا , وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " رواه البزار ورجاله ثقات , إلا أن الحسن البصري لم يسمع من سعد فيما أحسب , وأخرجه ابن عدي في " الكامل في الضعفاء " , وذكر هذا الحديث الذهبي في " ميزان الإعتدال "
وفي الباب عن الحسن مرسلا , رواه عبد الرزاق في مصنفه عن الحسن مرسلا , وهذا مرسل , رجاله رجال الصحيح , وقد تكلم بعضهم في رواية هشام عن الحسن , وفي الباب عن ابن عمر .
" يقول ابن غنيم الجهني "
ورواه الطبراني في " المعجم الأوسط " وزاد فيه : ( فإن الشيطان إذا سمع النداء أدبر وله حصاص ) , وابن عبد البر في التمهيد , والبيهقي في دلائل النبوة , وللحديث شاهد كما عند مسلم في صحيحة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله حصحاص ) وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أذن بالصلاة أدبر الشيطان له ضراط ) وهذا مما يقوي الحديث ويؤيده وذلك لشواهده التي في الصحيحين .
وقال المناوي في " شرح الجامع الصغير " :
وإسناده ضعيف على الأصح .
وقال ابن مفلح في " الآداب الشرعية " :
أخرجه أحمد , وأبو داود , وابن ماجه , والنسائي في " عمل اليوم والليلة " , وابن خزيمة , وإسناده ضعيف لعنعنة الحسن .
المفضلات