يقول الدكتور محمد راتب النابلسي في فقه السنة النبوية وهو يروي قصة إسلام عمر رضي الله عنه ..النبي عليه الصلاة والسلام يرى أن النخبة تقدم ، بينما غير النخبة لا تقدم ، النخبة تحمل معك ، وغير النخبة ينبغي أن تحملهم ، النخبة كالأعمدة للحق ، بينما غير النخبة غثاء كغثاء السيل ولذلك عندما اشتد أيذاء قريش للرسول صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين)) وفي رواية بأحب العمرين [الترمذي] ويقصد عمر بن الخطاب ، وعمرو بن هشام ( أبو جهل )

وهذا يستدعي أن نسأل أنفسنا .. من أكثر الناس إيذاء للإسلام والمسلمين ومحاولة لقتله في مهده وكيدا له صناديد كفار قريش أم هذا الأمريكي ؟ ومن أكثر الناس تأثيرا على الصد عن سبيل الله كفار قريش والإسلام لما يزل وليدا يحبو أم هذا الأمريكي والإسلام ولله الحمد في أوج مجده وعزه وإقبال الناس عليه

أما خالد بن الوليد رضي الله عنه فكان أحد أشراف قريش في الجاهلية وكان المقدّم على خيول قريش في الحرب ولم يستطع قائد أن ينال من المسلمين كما نال هو وحين أسلم قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( الحمد لله الذي هداك ، قد كنت أرى لك عقلا لا يسلمك الا الى الخير )...
و تعود قصة اسلامه الى ما بعد معاهدة الحديبية حيث أسلم أخوه الوليد بن الوليد ودخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكة في عمرة القضاء فسأل الوليد عن أخيه خالد ، فقال : ( أين خالد ؟)...فقال الوليد : ( يأتي به الله )...فقال النبي :-صلى الله عليه وسلم- : ( ما مثله يجهل الاسلام ، ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيرا له ، ولقدمناه على غيره )...فخرج الوليد يبحث عن أخيه فلم يجده ، فترك له رسالة قال فيها : ( بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد...فأني لم أرى أعجب من ذهاب رأيك عن الاسلام وعقلك عقلك ، ومثل الاسلام يجهله أحد ؟!...وقد سألني عنك رسول الله، فقال أين خالد -- وذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه -- ثم قال له : فاستدرك يا أخي ما فاتك فيه ، فقد فاتتك مواطن صالحة ) ...وقد كان خالد -رضي اللـه عنه- يفكر في الاسلام ، فلما قرأ رسالة أخيـه سر بها سرورا كبيرا ، وأعجبه مقالة النبـي -صلى اللـه عليه وسلم-فيه ، فشرح الله صدره للإسلام و أسلـم...

أرأيت أخي ناجي كيف سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن خالد الذي أثخن جراح المسلمين في أحد وتسبب في مقتل عمه حمزة رضي الله عنه وكسر رباعية الرسول صلى الله عليه وسلم . لم يلعنه ولم يسبه بل ( أين خالد ؟) أين هذا الأمريكي العلم ؟ هل دعوناه للإسلام ؟ هل أرسلنا له من يبين له فضائله وشمائله ؟ فلعل الرجل يجهل هذا ولعلنا حين يسلم نقدمه على غيره كما قدم النبي صلى الله عليه وسلم خالدا فكانت له مواقفه المشهودة في كثير من الغزوات .. أكثير على الله أن يحدث هذا ؟ فرجل مثله له من عقله ما يهديه إلى الإسلام . ولا يحتاج إلا مبادرة منا والباقي على الله .. أليس هذا أفضل وأولى من أن نقبع في منازلنا نصب على رأسه اللعنات وندعو عليه بالشلل والخرس

وسراقة بن مالك التميمي كان فارسا مغوارا لا يشق له غبار كان خبيرا بالدروب عارفا بمجاهل البراري والقفار . وعندما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليلة الهجرة وحيدين طريدين شريدين رصدت قريش مائة ناقة لمن يتتبعهما ويدل عليهما .. لم يستطع الوصول إليهما إلا سراقة .. وعندما اقترب منهما ساخت أقدام فرسه في الرمال فقابله الرسول صلى الله عليه وسلم بلطف وقال : كيف بك ياسراقة وقد لبست سواري كسرى وتاجه فلما فتحت فارس و المدائن و غنم المسلمون كنوز كسرى أتى أصحاب رسول الله بها بين يدي عمر بن الخطاب ، فأمر عمر بأن يأتوا له بسراقة و قد كان وقتها شيخاً كبيراً قد جاوز الثمانين من العمر ، و كان قد مضى على وعد رسول الله له أكثر من خمس عشرة سنة فألبسه سواري كسرى و تاجه وقال له أرفع يديك وقل الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة .
ألم يكن بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأخذ بتلابيب سراقة وقد غاصت فرسه في الرمال فيدق عنقه ويقول له : لم تلحق بي أيها الخبيث ؟ ولكن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يريد أن يكسب للإسلام رجلا كسراقة .. وقد عرف حبه للمال فأغراه بما يحب سواري كسرى وتاجه أهم من مائة ناقة
ونحن أيضا نستطيع أن نغري الأمريكي بما يشرح صدره للإسلام بدلا من الدعاء عليه

والقصص أخي ناجي في هذا الباب كثيرة وكلها تدل على أن الرسول لم يبعث لعانا ولا طعانا ولكن مبشرا وهاديا ونذيرا .. ولم نسمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن رجلا بعينه بعد أن أنزل الله تعالى : ( ( لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ) . إلا ما كان لعنا عاما ( لعنة الله على الكافرين ـ لعنة الله على اليهود ـ لعنة الله على النصارى ـ لعنة الله على أعداء الإسلام .. ) ولعن الرجل لا يفيدنا بشئ .ولا يفيد الإسلام . ولا المسلمين..هب أن الله استجاب لدعائنا وأصيب الرجل بالشلل أو الخرس .. ما الفائدة التي تعود علينا من ذلك ؟ سيأتي بعده المئات ممن يرون رأيه ويسيرون على طريقته ويوصلون صوته إن خفت ... المفيد هو إسلامه ووقوفه في المستقبل وقفة يكفر فيها عن سيئاته ويتنازل عن كل ما قاله ويعترف بأنه كان على خطأ .. هذا هو الفتح العظيم والفائدة الكبرى التي قيل عنها : النخبة تقدم بينما غير النخبة لا تقدم ، النخبة تحمل معك ، وغير النخبة ينبغي أن تحملهم النخبة كالأعمدة للحق ، بينما غير النخبة غثاء كغثاء السيل

أما قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من اسدى إليكم معروفا قكافئوه وإن لم تقدروا فادعوا له ) فلا يصلح شاهدا في هذا المقام .. فهو لم يسد إلينا معروفا حتى نكافئة ومن لم يسد إلينا معروفا فنحن غير مكلفين بعمل شئ تجاهه ولا توجد قرينة تدل على ما يقابل المعنى ( من عمل فيكم سيئة فالعنوه )