المحطة الثانية
• حصل نامي على قرار نهائي من والده بمواصلة الدراسة بالمرحلة ( الإعدادية - المتوسطة)
• *انهى التسجيل بمدرسة خارج قريته تقع في ضاحية قريبة من إحدى المدن الساحلية الكبيرة . ولهذا القرب اثر مباشر في بَرَكة تمدد تأسيس مدارس هذه المرحلة وما فوقها الذي يشبه الطل لا يتوغل في الصحاري والقفار بعيدا عن شواطئ البحار .
*كان لمشورة ونُصْح بعض الدارسين قبله لهذه المرحلة من أهل قريته دور كبير في إقناع والده بذلك. ! فوالده يتوجس على فلذة كبده اليافع وبكر أولاده الذكور من غربة الوحدة وخطر الاختلاط لتباين الحراك الاجتماعي على كافة الاصعده بين القرية من جهةٍ والمدينة وضواحيها من جهة أخرى !
.
*انهالت علي نامي النصائح من الكل (تهيئة نفسية) قبل التوجه للمناخ الجديد (كلها لم تصل لرسوخ الحديث الشريف في ذهنه :-الجليس الصالح وجليس السؤ !!!)
* بدت عليه بصمات المحطة الثانية تدريجيا وذلك في النقلة النوعية الثقافية .لتعدد مصادرها في مناخه الجديد . ففي القرية كان الراديو هو المصدر الرئيس لثقافته مع المقررات الدراسية . إما هنا فالمصادر كثيرة الصحف والمجلات التي ولَّدَتْ فيه حب القراءة ونهمِها مع التلفاز بنظام الأبيض والأسود بمقهى سوق الضاحية الذي يكتظ بالمشاهدين حين عَرْض تصوير مباراة مهمة بعد يوم أو يومين من إقامتها وفي ليلة الحلقة الأسبوعية للمسلسل (بدوي أو بوليسي أو غيرهما ) وليلة المصارعة الحرة.كان يرقب تفاعل المتابعين من ابناء الضاحية الذين لا يملكون تلفزيونات بمنازلهم ويلاحظ ردود أفعالهم حين يحمى الوطيس بين المصارعين او عند انتهاء آخر مشهد للمسلسل حيث تستدعي حبكته ولزوم الصنعة للمخرج ان يوقفه عند موقفٍ حرجٍ . وتدور في ذهنه تساؤلات لا تحصى يجد لبعضها جوابا وتبقى الأخرى مخزونة في الذاكرة إلى حين يجد الجواب المقنع لها مع الأيام!!!
* يضاف لهذه المصادر أيضا المصادر الجانبية . بالمدرسة أنشطة صفية ولا صفية صحف حائطية وسائل تعليمية مصورة كلمات الصباح بطابور الاصطفاف وأهمها إقامة حفل مسرحي آخر العام فقد كان ابرز ممثليه لصفات حباه الله إياها جعلت من مشرف الأنشطة يتمسك به ويسند له أدوار مهمة . وشاهد في حفلات أهل الضاحية ومناسباتهم العابا شعبية وممارسات اجتماعية أثْرَتْ مخزونه السابق لتراثيات قريته.
* زار المدينة الكبيرة مرات عديدة خلال فترة دراسته اطّلع على كثير من معالمها قرر فيما بينه وبين نفسه مواصلة الدراسة للمرحلة التالية بها.
*أتم دراسة المرحلة الإعدادية بنجاح فانخرط بعد تحقق أمنيته في معهد من معاهد المدينة الكبيرة حيث كان محطته الثالثة!!!!
ما قبل المحطة الثالثة
*صيف نامي خرِّيج الإعدادية غير!
الصيف في العادة موسم جميل لمناسبات الأعراس .ونامي في هذا الصيف غير! بلغ الحلم أصبح شابا يافعا يُعْتَمد عليه بالمشاركة الفاعلة في مناسبات الأقارب والجيران متقد الذهن بتفاعل ثقافة القرية بثقافة ضاحية المدينة البحرية في بوتقته الذهنية .
•في صيف تخرجه هذا كان يعقد مقارنات ذهنية بين معطيات القرية ومعطيات المدن وضواحيها وتأثير هذه المعطيات على أفقه الثقافي
•فيوم طالب القرية ، يبدأ بصلاة الفجر ثم الإفطار. فالمدرسة بطابور صباح بسيط يشرف عليه أي معلم ! ثم الحصص الثلاث الأولى .فالفسحة الكبيرة فمن لديه نقود يذهب للدكان المجاور وخياره الوحيد بسكويت أو عصير من الرف !!! فالإفطار المبكر لا يتيح مجالا لغيره والعوز أدرى بالحال!!!!! حصة الرياضة فرصة لراحة المعلم المكلف فلا متخصص !!! يرمي المعلم بأي كرة بين أ قدام الحفاة بالملابس العادية ليمارسوا نشاطا بدنيا كبيرا طوال الحصة جريٌ في كل الاتجاهات ركلٌ بأي موضع من القدم ولو كانت الكرة المستعملة للسلة أو الطائرة سيان فثقافتهم لاتسمح لهم بالتمييز ! المهم مدورة وتتدحرج !!!فهما بديلتان لانفجار الأولى بغصن شوك أو ظفر إبهام وقد تكون شبه فارغة من الهواء .فالتأمين من مستودعات التعليم بالمدينة لمدارس القرى النائية هو من الفائض عن مدارس المدن وضواحيها !!! أقدام الطلاب القرويين الحافية تجيد الركل لأي نوع من الكرات وقانونهم يجيز أن يعترض احد اللاعبين المشاغبين الكرة بيديه فينطلق بها لخطوات قبل أن يدحرجها أمام أقدامه وسط صراخهم الذي لا يلفت انتباه معلمهم البعيد والمشغول بسوالف الفراش أو احد المار ة من المعارف!!! ومادة التربية الفنية ليست بأسعد حالا من شقيقتها فهي في الحصص الأخيرة وتبدأ بعبارة ارسم منظرا يعجبك . والتقليد للفكرة مشاع بين الطلاب كأقلام الألوان المستعملة في الحصة فمالكيها بالفصل قلّة وعادة يكونوا من الكرام والفرق بين اللوحات في النهاية يتسق مع الفروق الفردية لدقة التقليد والاقتباس!!! لوحاتهم البريئة عمادها النخلة ومسجد بمنارة شاهقة أو شجرة من محيط الحقل وجبل وجدول ماء وبعض حيوانات التربية و الطيور المعروفة ونادرا ما يكسر هذا الروتين منظرٌ للمطر أو السيل!!!. بعد إتمام اليوم الدراسي يتوجه للمزرعة حيث يجد والده قد سبقه مع الظهيرة إليها! فالقيلولة بمفهومنا الحديث التي بعد صلاة الظهر ووجبة الغداء في قاموسهم لاتسمح بها ظروف المعيشة . هي للكبار فقط ولكن قبل صلاة الظهر! وقد علم نامي مؤخرا أنها هي السنة فالبادية إذا على الفطرة ! ثم يُمضي بقية يومه في المزرعة ويعود مساءً للمنزل عشاؤه قبل العِشاء . يذاكر على فانوس متواضع قد ينازعه بعض أشقاؤه عليه ويتعاركون لمجرد المناكفة فالضوء يكفي الجميع !!! وهو ممنوع من مجالسة الكبار من الجيران بعد صلاة العشاء بحجة المذاكرة والنوم مبكرا لاستقبال يوم جديد مماثل بنشاط وهمّة!!! لكن ليلة مجلس سمر الجيران بمنزلهم يتظاهر بالنوم وأذنه لا تنام يتابع حكاياتهم وعيناه تلتقط ما يمكن التقاطه خلسة . وسروره وشغفه لا يوصفان حينما يكون الحديث لجارهم صاحب السرد الشيق والمثير وصاحب الحبكة النادرة للرواية فهو يتقمص أدور من يرد ذكرهم في الحكاية وردود أفعالهم كأنك تشاهد الحدث بعينيك . فكان مدرسته الأولى في هذا الجانب،تعلم منه الكثير .
قارن نامي هذا بما وجده من تفرغ كامل للدراسة يحظى به طالب المدن والضواحي .مع معلمين متخصصين لكل المواد .مادة الرياضة تمارس بملابس خاصة إحماء تدريب على بعض المهارات لمختلف الألعاب تعلم قوانين كرة القدم وفنونها عرف كرة الطائرة رأى ملعب كرة السلة فهم كيف تحسب الأهداف والنقاط ترحّم على تلك الأيام!يوم أن كانت كرة السلة تسلع قدميه الصغيرتين الحافيتين عند ركلها فهي لم تصنع لهذا .تعرّف على اسماء أشياء وأشياء كان يراها مكدسة في مستودع مدرسة القرية وقد خالطت الكتب الدراسية الفائضة !!!
في حصة التربية الفنية تعلم كيف يرسم بالفرشاة وشاهد انواعها وتخصصات استعمالها فهو لم يعرف الا الرسم بقلم الرصاص!!! عرف أنواع الآلوان المائية والزيتيه فهم أن الرسم ليس حكرا على ورق الكراس !!! شاهد لوحات من خشب ومن حديد بل على أصداف البحر ولكل خامة مادة ألوان خاصة !!!
وجد يقينا أن البون شاسع في فعاليات اليوم الدراسي قاطبة .الطعام متيسر مخبز مطاعم بقالات تعج بأصناف المعلبات مقصف بالمدرسة به شاطر ومشطور وبينهما طازج مشروبات غازية كانت. قبل التنبه لمخاطرها على الأطفال لاحقا.النزهة عنده تبدلت من الحقل إلى شاطئ البحر القريب من مسكنه كان يلازم نافذة المنزل عند سويعات الغروب يمتع ناظريه بمناظر السفن الشراعية العائدة من رحلة صيد. يلمح من خلف الصواري جدائل الشمس الذهبية التي يداعبها البحر بأمواجه فتكسو زُرْقَتَه بلونها العَسْجَدِي. فيتسمر مكانه ليتابعها وهي تتهادى لمعانقته بخدها المُحْمَرِّ خجلا ونسيمه الهادى ينقل إليه فحوى همساتها الغنجاء لتظفر منه بسرٍ من أسرار أعماقه. وهو يقاوم ويتمنّع في ضعف فتسعفه سرعةُ انسلالها متوارية في وجلٍ من الليل الذي يلف البحر في لحظات فيخفي أسراره بغلسه البهيم ، حتى موعد لقاء الغد ثانية وقد زاده غموضا إلى غموضه. يتداخل هذا المشهد مع مخزون ذاكرته من مشاهد الأصيل في قريته بين النخيل وأسراب الطيور تعود إلى وكناتها ولم ينس مشهد تلك القمرية التي عادت في ليلة وحيدة إلى عشها بعد أن كُنّ اثنتين اعتاد مشاهدتهن مرارا في طريقه إلى منزله !؟ مثيرات تُنَشِّط كل ليلة ذاكرته المكتظة بذكريات ومشاهد لا تحصى . ستجد لها متنفسا واسعا لترى النور في لاحق الأيام من محطاته.
المفضلات