هذه إحدى القصائد التي جمع فيها عَبِيد بن الأبرص تاريخ قومه ومعاركهم التي قتَّلوا فيها من قتَّلوا ، فيبدو قومه وكأنهم لم يتركوا أحدًا إلا وقاتلوه ، و لا أدري سر هذا الانقلاب المفاجيء في حياة هؤلاء بعد أن كانوا سوقةً وعبيدًا أذلةً يبكون بين يدي الملك حُجْر ويلتمسون منه العفو والصفح ، و في شعر عبيد قصيدة ميمية تنضح بالذل والمهانة - قبل عهده بقصائد الفخر المغالى فيه - يستعطف فيها الملك حجرًا على بني أسد بعد أن كان قد أخذ سرواتهم وضربهم بالعصي حتى سموا " عبيد العصا " ، وصيّرهم إلى تهامة لأنه لا يريد أن يساكنهم أو يراهم :

[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يا عَيْنُ فـــــابْكي مـــا بني=أَسَــدٍ فَهُمْ أهلُ النّـــدامَــــهَْ
إِمّا تَركْتَ تَرَكْــــتَ عَفْوًا=أو قَتَلتَ فَلاَ مــــلامَــــةْ
أنـــتَ المليكُ عليْهِـــــمُ=وَهُمُ العبيدُ إلى القيامَــةْ
ذَلُّوا لِسَوْطِكَ مثلَ مــــا=ذَلَّ الأُشَيْقِرُ ذو الخِزَامة[/poem]

الأشيقر ، تصغير الأشقر وهو الفرس ، و الخِزَامة : حلقة يشد فيها الزمام ، يقولون : جعل في أنف فلان الخزامة ، أي أذلَّهُ !!

هناك انقلاب تاريخي ـ إذًا ـ حدث في حياة بني أسد - قوم الشاعر عبيد - نقلهم نقلة كبرى بعد أن ثاروا على الملك حجر وقتلوه ، لقد كانوا عبيدا أذلةً يمشون منكسي الرؤوس ، مكسوري العيون ، و عندما هبّوا ليتخلصوا من كبتهم وعارهم وليأخذوا بثأر الذين قتلهم الملك حجر ، فعلوا ما لم يحلموا به إذ تمكنوا من قتل الملك نفسه ودانت لهم السيطرة وذاع صيتهم ليخشاهم الآخرون ، حتى رأينا شاعرهم عبيدًا يسخر مرّ السخرية من امرئ القيس الشاعر الفحل الفذ ، و يجلده في قصيدة تلو قصيدة ويعيّره بأنه لن يقوى على منازلتهم ولن يستطيع الأخذ بثأر أبيه الذي قتلوه حتى لو استعان بقيصر وغير قيصر .

وبالفعل ، مات امرؤ القيس دون ثأر أبيه حيث رحل إلى القيصر يستنصره ويدعوه للتحالف معه ضد بني أسد ، وأثناء عودته مات بالطريق متأثرا بالسموم التي تسربت إلى جسده من الحلة المسمومة التي أهداها إليه القيصر ليقتله بها بعد أن علم أن امرأ القيس خانه في بيته ، و أنه - بالرغم من احتياجه إليه أشد الاحتياج - لم يرع حرمة الذين استجار بهم ، فوضع له " حتفه " في حلة مزركشة فبلع الطعم ، و مات بها .

نعود إلى القصيدة : " تَعَفَّتْ رسمومٌ من سُلَيمى دكادكا .... " ونقتطف منها الجزء الذي يتهكم فيه ابن الأبرص على امرئ القيس ويسخر منه و يتفاخر بقومه :


[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ويومَ الربــابِ قد قَتَلْنَــا هُمَامَهَـــا =وحُجْرًا قَتَلْنــــاهُ وَعَمْــرًا كَذَلِكَــــا
وَنَحْنُ قَتَلْنَــا جَنْــدَلاً في جُمُوعِــهِ =وَنَحْنُ قَتَلْنَـــا شَيْْخَــهُ قَبْــلَ ذَلِكــــا
وأنتَ امْــــرُؤٌ أَلْهَـــاكَ دِفءٌ وَقَيْنَةٌ=فَتُصْبِحُ مَخْمُــورًا وتُمْسِي كَذَلِكَــا
عن الـوِتْرِ حتّى أَحْرَزَ الوِتْرَ أَهْلُـهُ=وأنــتَ تُبَكِّـــي إِثْــرَهُ متهــالِكََــــــا
فلا أنتَ بالأوتــارِ أَدْرَكْتَ أهْلَهَــا=ولم تَكُ إِذْ لــم تَنْتَصِرْ مُتََمَــاسِكَــا
وَرَكْضُكَ - لولاهُ لَقَيْتَ الذي لقوا=فَذَاكَ الـذي أنجاكَ مِمّــا هُنَالِكَـــا
ظَلِلْــتَ تُغَنّي إنْ أَصَبْــتَ وَلِيْــدَةً=كــأَنَّ مَعَدًّا أصبَحَتْ في حِبَــالِكَـا[/poem]

" الوتر : الثأر والانتقام " ... يقول له ألهاك الشرب والرقص والغناء عن الانتقام والثأر لأبيك ، و لم تعد تملك سوى البكاء بعد أن لذت بالفرار ونجوت من القتل ومن ورود حياض الموت التي أوردنا أهلك إياها .

أما أبدع قصائد عَبِيدٍ على الإطلاق فهي داليتُه المطولة التي مطلعها :


[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لِمَنْ دِمْنَةٌ أَقْوَتْ بِحَرَّةِ ضَرْغَدِ=تلوحُ كَعُنْوَانِ الكتـابِ المُجَدَّدِ[/poem]

والتي طرزها بالمعاني والصور الجميلة ، بدأها بالمساءلة عن دمنة سَعْدةَ ثم يتغزل بهذه المرأة الجميلة - سَعْدةَ - و يشبهها بالمهاة وينصرف إلى وصف المهاة ثم يعود مرة أخرى إلى سَعْدةَ ، و ينطلق إلى الفخر بنفسه .. بعفته وحلمه وحسن رأيه ، ثم إلى الحكم ، وهو - هنا - عندما يسخر من امرئ القيس يغلف ذلك بالحكمة ، و ببراعة شديدة ينهي القصيدة الشاهقة دون أن يختل أو يضطرب أو يصطنع ، لتبقى وحدها كافية بأن تشير إليه وتجعله في عداد الشعراء البارزين في العصر الجاهلي وعلى امتداد خريطة الشعر ما دام هناك من يقرأ العربية ويتذوق رحيقها المتدفق من أعماق الفجر العربي الأول وحتى قيام الساعة .

تلك الدالية الفضفاضة التي تركها عبيد كقلادة شعرية مطرزة بلآلئ الحكمة ، لم يكن كثيرا عليها أن يعتبرها النقاد من " مجمهرات العرب " ومن عيون الشعر على مر العصور .

بعد أن يقف عَبيدٌ بالأطلال ، يدلف بنا إلى الحديث عن سَعْدة التي يدللها هنا بـ " سُعدى " ويصف ثناياها ومدى شوقه إليها :


[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فَقَدْ أوْرَثَتْ في القلـــبِ سُقْمًــــــا يَعُــودُهُ=عِيَــــادًا كَـــسُــمِّ الـــحيَّــــةِ المُتَــــــرَدّد
غَــدَاةَ بَــدَتْ من سِتْــرِهــا ، و كَــأَنَّمَــــا=تَحُــــــفُّ ثنـــايــاهـــا بِحَـــالِـــكِ إِثْمِــدِ
وَتَبْسِـــمُ عـــن عَـــذْبِ اللّثَــــاثِ كَـــأَنَّهُ=أَقَـــاحي الـــرُّبَى أضْحَى وظــــاهِرُهُ نَدِ
فــــإنّي إلى سُعْدَى و إنْ طـــالَ نَــأيُهــا=إلى نَيْلِهَا - ما عشتُ – كالحائِم الصَّدِي[/poem]

الإثمد هو الكحل ، و كان من عادة نساء العرب أن يرششنه على لثاتهن ليبين نصوع بياض أسنانهن ، و اللثاث ... جمع لثة ، والحائم الصدي هو العطشان .

وبعد أن يخلص من وصف شوقه و لوعته وتحرّقه إلى سَعْدة التي أسعدته في أيامهما الخوالي ، يدخل في ماراثون طويل من الحكمة لم تحفل به أية قصيدة من قصائده الأخرى ، يمر إلى ذلك من خلال افتخاره بعفته وحلمه ، فيقول :



[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لَعَمرُكَ ما يخشى الخليــطُ تَفَحُّشِي=عليه ، و لا أنأى على المُتَـــــوَدِّدِ
ولا أَبْتغِي وُدَّ امرئٍ قــــلَِّ خَيْــرُهُ=ولا أنا عَنْ وَصْلِ الصّديقِ بأَصْيَدِ
وإنّي لأُطْفِي الحربَ بعد شُبُوبِهــا=وقد أُوْقِدَتْ للغَيِّ في كلِّ مَــوْقِــدِ
فَأَوْقَدْتُها للظّالِم المُصْطِلي بِهَـــا=إِذَا لم يَزَعْهُ رَأْيُـــهُ عــن تَـــرَدُّدِ[/poem]

( الخليط ، الجار أو الصاحب أو العشير ، و الأصيَد ، هو الذي يرفع رأسه تكبُّرا ، يزعه .. يكفّه ويمنعه ) .

ثم يعلن أنه ذو رأي سديد وفي الوقت نفسه لا يقول إنه الأوحد في زمانه ويسدد نصائحه بسهولة ويسر وكأنه يتنفس ، عكس قصائده الأخرى التى بدا فيها وكأنه يَقُدّ من صخور :


[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وإنّي لَــــذُو رأي يُعـــاشُ بِفَضْلِـــهِ=وما أنا من عِلْمِِ الأمـــــورِ بمبتدِي
إذا أَنْــتَ حَمَّلْتَ الخؤونَ أمــانَــــةً=فإنّكَ قــــــد أَسْنَدْتَهـــا شَـــرَّ مُسْنَدِ
وَلاَ تُظْهِرَنْ حُبَّ امِرئٍ قَبْلَ خُبْرِهِ=وَبَعْدَ بلاءِ المرءِ فَاذْمُـــمْ أوِ احَمدِ
ولا تَتْبِعَنْ رأيَ مَــــنْ لـــم تَقُصَّهُ=ولكن برأي المرءِ ذي اللُّبِّ فاقْتَدِ[/poem]

وبعد فاصلٍ من شعر الحكمة يعاوده " الحنين " إلى السخرية من امرئ القيس فليدغه لدغة موجعة قبل أن يعود إلى الحكمة مرة أخرى .

وتتمثل هذه السخرية من امرئ القيس في تصغير اسمه احتقارًا له ، و يكتفي بهذا التصغير للتقليل من حجمه والاستهزاء به وبتهديداته الجوفاء التي ذهبت أدراج الرياح ، و يظل متحكما - عَبيد - في الإمساك بفيض الحكمة الذي حلّ عليه في هذا العمل وملأ ضفاف القصيدة :


[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
تَمَنَّى مُرَيْءُ القَيْسِ موتي ، و إنْ أَمُتْ=فَتِلْكَ سَبِيْــــلٌ لَسْــتُ فيهـــــــا بَأَوْحَــدِ
لعــلَّ الــذي يـــرجــــو رَدَايَ وَمَيْتَتِي=سَفَــاهًــا وَجُبْنًا ، أنْ يكونَ هُوَ الرَّدِي
فَما عَيْشُ من يَرْجُو هَلاكي بِضَائِري=ولا مــوتُ من قد ماتَ قبلي بِمُخْلِدِي[/poem]


قمة الحكمة والتعقل ووزن الأمور بميزانها الصحيح ، و يبدو أن الأيام قد تركت بصماتها بوجدان الشاعر وصبغت كلماته بعصارة التجارب المريرة التي اكتوى فيها طيلة رحلة عمره المزمنة ، فإذا كانت كتب التاريخ الأدبي تقول إن عمر الشعر العربي - على أبعد حدود المتفائلين - يبدأ قبل الإسلام بمائتي عام على أقصى تقدير ، و إذا كان عَبيد قد عاش إلى الثلاثمائة من العمر ، فهذا معناه أنه عاش نصفها بالتمام قبل أن يبدأ التاريخ الحقيقي للشعر فقد رحل قبل ميلاد الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بحوالى ست عشرة سنة ميلادية ، كما أن بدايات عَبيد الشعرية محاطة بالأساطير وتقول إنه كتب الشعر كبيرًا ، وهذا معناه أنه عاصر جميع شعراء المعلقات وفحول العصر الجاهلي .

في نهاية القصيدة يخلص بنا إلى أنه لكل امرئٍ منا أيامه المعدودة ، و أن حبال المنية تترصد الحميع وأن الذي لم تعلقه هذه الحبال اليوم ستعلقه في الغدِ ، و على كلٍّ أن يتهيأ ويستعد لذلك اليوم الآتي لا محالة :


[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وللمـــرءِ أيـــــامٌ تُعَــــدُّ وقَــدْ رَعَــتْ=حِبَالُ المنــــايــا للفتى كُلَّ مَـــرْصَـــدِ
مَنِيّتُهُ تجــــري لـــوقـــتٍ ، و قَصْرُهُ=ملاقاتُها يومًا على غيـــرِ مَـــوْعِـــدِ
فمن لـــم يَمُتْ في اليــــومِ لاُبــدَّ أنَّهُ=سَيَعْلَقُـــــهُ حَبْـــلُ المَنِيَّةِ فـــي غَـــدِ
فَقُلْ للذي يَبْغي خلافَ الذي مَضَى :=تَهَيَّأْ لأخـــرى مِثْلِهَــا فَكَــــأنْ قَـــدِ
فإنّا وَمَنْ قـــد بَــادَ منّـــا فَكَالـــذي=يروحُ وكالقــاضي البتاتِ لِيَغْتَدِي[/poem]

( البتات : الزاد ، يريد كالذي يصنع زاده ليسافر غدوةً )

هكذا تنتهي هذه القلادة العربية المرصعة بأبيات الحكمة وعصارة خبرات السنين ، و إذا كنتُ قد قلت إن العرب اعتبروها من عيون شعرهم ، فإنني أعود لأقول إن الإمام الشافعي - رضي الله عنه – قد تمثل ببعض أبياتها ونسبها البعض إليه وجاءت في ديوانه - ديوان الشافعي - على أنها من شعره لامن شعر عبيد بن الأبرص ، فكيف حدث الخلط بين شعر عبيد بن الأبرص وشعر الإمام الشافعي - رضى الله عنه ؟!

شعر الإمام الشافعي كله درر فى الحكمة والموعظة ، جرت أبياته مجرى الأمثال ، و في ظني أن الأبيات الثلاثة المأخوذة من شعر عبيد ، و التي دخلت ديوان الإمام الشافعي يتحمل وزرها الرواة لأن الإمام ربما تمثّل بها لما فيها من حكمة بالغة وسهولة وبساطة في اللفظ ، الأبيات الثلاثة تبدأ من قول عبيد :" تَمنَّى مُرئُ القيس موتي وإنْ أَمُت .... " وردت بالتمام في ديوان الإمام الشافعي - مع تعديل طفيف في بعض الألفاظ - وآخر طبعة لديوان الإمام صدرت عن " الهيئة المصرية العامة للكتاب " ضمن مشروع مكتبة الأسرة (1997 ) ، في صفحتي 27 ، 28 نطالع :

" قال الأصبهاني : حدّثنا ابن القاسم قال أملى علينا الزبير بن عبد الواحد يقول : سمعت الحسن بن سفيان يقول : سمعت حرملة يقول : سمعت الشافعي يقول :



[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
تَمََنَّى رجالٌ أن أمِوتَ وإن أمُـــــــتْ=فتلكَ سبيــــلٌ لِسْتُ فيهـــا بـأوحـــــدِ
وما موتُ من قد ماتَ قبلي بضائري=ولاعيشُ من قد عاشَ بعدي بمُخْلدي
لعلَّ الذى يـــرجـــو فنائي ويَــــدَّعي=بِهِ قَبْلَ موتي أن يكونَ هُوَ الــــرَّدِي[/poem]

أعتقدُ أن الرواة أخطأوا في نسب الأبيات التي لجمالها وقربها من النفس تمثّل بها الإمام الشافعي الذي كانت حياته كلها فيوضا من الأنوار والمعاني الراقية السامية .

ولكن .. كيف كانت نهاية شاعرنا عبيد بن الأبرص ؟!

سنضحك كثيرا إذا علمنا أنه عاش ثلاثمائة سنة ثم مات مقتولا بلا ذنب اقترفه ...... تقول الأسطورة إن المنذر بن ماء السماء ( ملك الحيرة وقتها ) كان له بناءان ( غريان ) مشهوران أو قبران لاثنين من نداماه كانا - القبران - مطليين بالدماء ، و كان للمنذر يومان كل عام يوم نعيم ويوم بؤس يجلس فيهما عند الغريين ، أول من يخرج عليه في يوم نعيمه يعطيه مائة من الإبل الشؤم (أي السود ) ، و أول من يطلع عليه في يوم بؤسه يعطيه رأس ظَرِبان أسود ( حيوان في حجم القط مائل للسواد ذو رائحة كريهة تنفر منها الحيوانات ) ثم يأمر به فيُذبح ويغّرى بدمه الغريان ( القبران ) ، و كان من حظ عَبيد أن يكون أول من يشرف على الملك في يوم بؤسه ، وبعد طول محاورة كان لابد من قتل عبيد الذي طلب أن يسقوه خمرا حتى تموت مفاصله ثم يقتلوه ، و قبل أن يشرب آخر شربة في حياته قال :


[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وخيرّني ذو البؤس في يـــــوم بؤسِهِ=خِصالاً أرى في كلهّا الموتَ قد بَرَقْ
كما خُيِّرَتْ عادٌ من الدّهـــــرِ مـــرَّةً=سحائبَ ما فيها لــــذي خِيْرَةً أَنَـــقْ
سحـائبَ رِيْـــــح لـــــم تُوَكَّلْ ببلدِةٍ=فتتـركهــــا إلاًّ كمـــــا ليلةِ الطَّلَقْ[/poem]

( الأنق : الفرح بالشئِ والإعجاب به ، الطلْق - بسكون اللام - : وجع الولادة ، وفتحها هنا لوقوفه على الساكن ) .

وقُتل عبيد وغُذّي بدمه الغريان وانطوت صفحته ، و صار مضربا للأمثال عند العرب فيقولون " يوم عبيد " لليوم المشؤوم الطالع .

ولا حول ولا قوة إلا بالله .



ينبغي أن نشير إلى أن الشيخ أحمد بن الأمين الشنقيطي قد اعتبر عبيد بن الأبرص واحدًا من شعراء المعلقات وجاء في كتابه " شرح المعلقات العشر وأخبار شعرائها" ـ الصادر عن ( دار الفلم ـ بيروت ـ لبنان ـ بدون تاريخ ) ـ بقصيدة عبيد التي مطلعها:

[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أقفرَ من أهلهِ ملـــــحوبُ=فا لقُطَّبِيَّـــــــــاتُ فالذَّنوبُ[/poem]

معتبرا إياها واحدة من المعلقات العشر طبقا لرؤيته ، في الوقت الذي لم يرد فيه ذكر عبيد لدى شرّاح المعلقات السبع الأكثر ذيوعًا و شهرة .


وبعد فإن رجلا يهدينا هذه المشاركة القيمة بظهر الغيب ولا يدري إن كنا سنطلع على مدونته أم لا لحري أن نبادله الحب بالحب وأن نهديه باقة من أكاليل الزهور