الكائنات الخفية.. وكيف تعمل كشماعة للأخطاء البشرية



فهد عامر الأحمدي - جريدة الرياض الإثنين 14/3/1428هـ
لست متأكداً من عدد الكائنات الخفية التي يصدق الناس بوجودها ويؤمنون بقدرتها على التدخل في حياتهم.. ولكن هناك - على سبيل المثال لا الحصر - الشياطين، والعفاريت، والجن، والأشباح، والأرواح، والقرناء، والمردة، والأسياد، والخُدام.. ومسميات أخرى كثيرة تختلط فيها الأجناس مع طبيعة العمل!!
.. بل لاحظ أن هذه المسميات موجودة في إطار لغتنا العربية (فقط) حيث توجد مسميات "ونوعيات" مختلفة في ثقافات الأمم الأخرى - قد يصعب إدراك معناها الحقيقي على غير المولود فيها.. ففي المجتمع الكوري مثلا يوجد (شيء) يدعى "دوا" يمكن تشبيهه بشياطين قزمة تسكن كل جسم يوجد به فراغ ؛ فهناك مثلا دوا في القدور، ودوا في أكواب الشاي، ودوا في البانيو، ودوا في خزانة الملابس، ودوا في شنطة السيارة.. وهي مضرة إن دخلت جسم الإنسان ويمكن طردها بسهولة عبر ملء فراغ الشيء ذاته (لهذا السبب يمنع الكوريون أطفالهم من الشرب من كأس فارغة أو دخول البانيو قبل امتلائه مثلا)!!

... أما قبائل الإسكيمو - في القطب الشمالي - فلا تؤمن فقط بوجود أرواح للجبال والرياح والبحار، بل وأرواح للأسلاف تعيش بين أفراد العائلة نفسها . فحين يموت الجد مثلا تظل روحه هائمة وموجودة بين أبنائه وأحفاده داخل البيت . وفي حين يفترض سعادة الأبناء بهذا "الوجود" إلا أن العائلة سرعان ما يصيبها الملل والتذمر من روح الجد التي لا تراعي خصوصية الأحياء ( فهي لا تفهم مثلا عدم لباقة التواجد في غرف النوم في فترات معينة - الأمر الذي يتطلب إخراجها بطقس خاص)!!

... أما في هاييتي - والساحل الغربي لأفريقيا - فلا يؤمن الناس فقط توجد أرواح الأموات بل وبإمكانية صنع رديف مماثل لأرواح الأحياء.. وهذا الرديف يمكن خلقه - حسب مفاهيمهم - باستعمال نوع من السحر الأسود يدعى "فودو" يعتمد على صنع دمية بهيئة الشخص المراد أذيته.. وبعد تلاوة تعاويذ معينة يتم وخز هذه الدمية أو حرقها أو رميها في مكان نجس - الأمر الذي يؤثر على الروح الحقيقية للشخص المقابل ويصيبها بتأثير مقابل ومماثل - !!

... أيضا لاحظ وجود فرق جوهري بين معنى "الشيطان" في الثقافة الإسلامية و"الشيطان" في الثقافة الغربية ؛ ففي الثقافة الغربية يكاد يكون الشيطان النصف المقابل للخالق - سبحانه وتعالى عما يصفون - .. كما يمكن للشيطان في المفهوم المسيحي السيطرة على أفعال الناس وقراراتهم بطريقة "مغناطيسية" تسلبهم إرادة الاختيار..

أما "الشيطان" في المفهوم الإسلامي فمجرد خلق من خلق الله لا يملك سوى الوسوسة ودعوة الناس لفعل هذه المعصية أو تلك - وليس التحكم بأفعالهم أو السيطرة على عقولهم "وَقالَ الشَيءطانُ لمَّا قضِيَ الأَمءرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمء وَعءدَ الءحَقِّ وَوَعَدتكمء فأَخلفتكمء وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيكُم مِّن سُلءطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوتكمء فاسءتجَبتمء لِي فَلاَ تلومُونِي وَلُومُوا أَنفسَكم"!!

.... هذه في الحقيقة مجرد (جولة عالمية) على كائنات فلكلورية خفية غير موجودة في ثقافتنا العربية؛ فبسبب ضيق المساحة لم يتم الحديث عن كائنات مماثلة معروفة ومتداولة فيما بيننا (كالشياطين، والجان، والعفاريت، والأرواح، والأشباح ...).

.. ولكن ؛ بجمع "هذه" على "تلك" نكتشف أن الجنس البشري بمجمله (مهما تعددت ثقافاته ودياناته) لا يمكنه العيش بدون فكرة وجود كائنات خفية يحملها مسؤولية أضراره وتغيير قناعاته والتأثير على قراراته ... والأهم من هذا كله ؛ تحميلها مسؤولية الذنوب والأخطاء التي يقترفها في حياته (فكما يقولون : الشيطان شاطر)!!