شكرا لك أخي ابن البلد على هذا النقل وشكرا للأخ محمد الجحدلي اهتمامه بالبحث لتأريخ الكسرة والتعرف على موطنها الأصلي ..
موطن الكسرة موضوع ذو شؤون وشجون ويطول فيه الحديث ، سبق وأن بحثه كثير من المهتمين على الصفحات الشعبية وفي منتديات ولقاءات عدة ، وهنا أود الاكتفاء بالتعليق على جانب في بحث الأخ محمد الجحدلي حيث يرى أن أهل ينبع من منطلق عاطفي يدعون نسبة الكسرة أو منشأها لهم ..
أقول للأخ محمد ومايضير اذا تعاطف مجتمع تجاه موروثه ؟؟ ، ولاسيما في دراسة مثل هذا الأمر الذي لابد من معرفة أراء مجتمعه والاستشهاد بما يعرفوه بل ومن الموثوق به البناء على معرفتهم ودرايتهم ورواياتهم ومثل هذا التعاطف ..
إن هذا الإجماع الذي نراه في مجتمعات ينبع ( نخلها وبحرها وبرها ) على ينبعية الكسرة لم يأتي من فراغ بل جاء باقتناع تام ، ومن المستحيل أن يجمع الناس في أي مجتمع وخصوصا كمجتمع ينبع المتعدد الأعراق على أمر مالم تكن هناك ثقة مطلقة فيما يدعونه ..
هذا التعاطف أجيره لصالح ينبعية الكسرة ..
أخي ..
سأذكر لك مثلا لاحصرا ، فجدي هو الشاعر محمد صالح أبوزيدان الذي انتقل الى رحمة الله تعالى قبل أكثر من خمسة عشر عاما وعمره يتجاوز المئة وعشرين عاما ذكر لي ( ولغيري ) مرارا بأن الرديح ( الذي لايتم الا بالكسرة ) قديم جدا وأن أجيال وأجيال سبقت جيله قد أبدعت فيه وفي الكسرات التي مع الأسف الشديد لم نهتم بتدوينها الا مؤخرا لأن مجتمعها يتداولها بالحفظ ، وهذا يعني أن بدايات الرديح و الكسرة غير معروفة على مدى يتجاوز المئة عام قبل جيله ، أي لأربعة أجيال على أقل تقدير بافتراض أن كل جيل مدته خمسة وعشرون عاما ، والا لأخبرنا أبوزيدان أو غيره عن مناسبة ما أو شخص ما قد ابتدع أو أحضر الكسرة ناهيك بأن الموروثات الشعبية إن لم تكن منقولة أو مهاجرة ( من مجتمع الى آخر ) فهي تتكون وتتطور على مدى تتابعي أو طبقي بشكل جماعي وهذا مانجده في الرديح اذا تأملنا هذا الموروث الأعرق والأجمل وألأنظم على مستوى المملكة بل والجزيرة العربية دون منازع ..
لست الوحيد ولكن بنفس هذه الرؤية نجد جميع أهل ينبع بعد أن عايشوا آباءهم وأجدادهم الذين ذكروا لهم هذه الحقائق ، وتكون لدى مجتمع ينبع هذا الاقتناع التام والذي يجعلهم بكل عواطفهم لايقبلون ماينافيه ..
وأود التنويه الى أن لعبة ( زيد ) هي ينبعية المنشأ ، وهذا أمر مؤكد ، ولاتزال معروفة في ينبع وإن يبدع في أدائها حاليا أهل بدر وايضا علمت بأن النخليين في المدينة المنورة تعلموا فنونها مؤخرا وأصبحوا يجيدونها ، وأعتقد الى حد بعيد بأن زيد والرديح هما في الأصل والمنشأ لون واحد أخذ كل منهما اتجاه وصفات متفردة ، خصوصا وأن أشعار زيد من غصنين وذكر لنا كبار السن أن كسرات الرديح كانت في القدم من غصنين ..
كما أود التنويه الى ظاهرة اختصار القصائد الى بيتين التي بدأت تنتشر على مستوى الوطن العربي ومنها الحجاز منذ القرن السابع عشر والثامن عشر الهجري ، وهنا يمكن التقصي والاستدلال الى نشأة الكسرة على هذا النحو في تلك الفترة ..
مع الأسف نفتقر الى الدليل المكتوب للحسم بينبعية الكسرة وذلك لعدم الاهتمام بالتدوين كما أشرت ، ولأني أثق في كون الحقيقة حقيقة على أرض الواقع لابد وأن تظهر لنا في أي وقت نصوص موثوقة مؤرخة يمكن الاستناد عليها ،
لعل هذا الاجماع وهذه المؤشرات التي تقوم مقام الدلائل تجعلنا ندعي أن ينبع هي موطن الكسرة أو على الأقل احتضنتها وتميزت بها على مدى زمني طويل ، ولاننفي وجودها في المجتمعات المجاورة كأمر طبيعي وكونها جزء لايتجزأ عن الشعر العربي ..
أكرر شكري وتقديري لك أخي محمد راجيا التريث في تدوين ماترى أنه قد يؤرخ للموروثات ..
وفقنا الله واياك الى مايحبه ويرضاه ..
مع تحياتي .
المفضلات