في نفس السياق أهداني أخي وصديقي (الرايق ) مشكورا كتاب ( الصين ويأجوج ومأجوج ـ عالم مجهول لمؤلفه الشيخ عبد العزيز المسند
وهو كتاب قيم صيغ بلغة أدبية راقية ليست غريبة على شيخنا الجليل قضيت بصحبته وقتا ممتعا وهو يحكي فيه تفاصيل زيارته للصين ضمن وفد رابطة العالم الإسلامي لتفقد أحوال المسلمين في هذه البقعة من العالم
والغريب في الأمر أن هذه الصين العظيمة التي غزتنا بمخترعاتها وصناعاتها وغزت كل أقطار المعمورة يعيش الفرد فيها في فقر مدقع لا يوازي السمعة التي نسمعها عنها .. فجميع المباني والمتاجر والمصانع والشوارع والأراضي هي ملك للحكومة والفرد فيها لا يملك شيئا إنما هو أجير لدى الحكومة لا يأخذ إلا إلا بمقدار ما يكد ويكدح .
وإنك لتلمح الجوع والبؤس يخيم على الناس والبيوت ففي شوارع بكين الرئيسة تبدو البيوت أكواخا لا تصلح للحيوان بنيت بطريقة بدائية جدا كأنها بناء أطفال ومؤقتة ووسخة وما حولها وسخ والملابس وسخة وكل شئ يمثل البؤس .. وكلهم يعملون إذا قدروا وكل العمل للحكومة والسائر هناك يلمح ظاهرة العمل إذ لا يجد أناسا يتسكعون في الشوارع فكل مشغول بلقمة العيش ومجاله محدود .. وقد اعتادوا حياتهم فلا يتذمرون منها واعتادوا قلة العيش فلا ينفقون ولا يتطلعون لسواه وإذا لم يكن بيد رب العائلة إلا ( ينين) أقل من ريالين فإنه لا يتضجر لأن أمثاله كثير
والنساء يكدحن في المهن الصعبة التي لا يقوى عليها إلا الرجال مثل شق الطرق والحجر والطين .. وهم متشابهون في الأشكال فقد يقابلك جمع منهم لا تفرق بين نسائهم ورجالهم ولا بين كبارهم وصغارهم وفيهم خفة وحركة ..وهم في عزلة تامة عن العالم حولهم ، وكل شئ عندهم تحس أنه منغلق حتى أذهانهم منغلقة وإذا حدثت أحدا منهم تشعر أنه لا يدرك ما وراء أنفه ولا يحاول أن يتجاوزها ... أما وضع المسلمين في الصين فهو سيئ وهناك نفور بين المسلمين وبين بقية المجتمع الصيني فلا يؤاكلوهم ولا يجالسوهم وهذا يعني وجود العصبية الإسلامية وشعور المسلمين بأن هؤلاء أنجاس

أما ما يخص يأجوج ومأجوج فالمسلمون هناك لا يعرفون عنهم شيئا إلا ما يقرؤونه في القرآن دون أن يكلفوا أنفسهم معرفة موطنهم
والثابت أن يأجوج ومأجوج من أولاد يافث بن نوح مأخوذان من أجيج النار ويذكر بعض المدققين في البحث أن أصلهم من المغول والتتر وكانوا يشغلون الجزء الشمالي من آسيا تمتد بلادهم من التبت والصين إلى المحيط المتجمد الشمالي وينتهي غربا بما يلي بلاد التركستان
وإشارة إلى قوله تعالى ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ) يشير المفسرون إلى أن تلك الجهة قد فتحت في أوائل القرن السابع الهجري وقد ورد في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم ( اتركوا الترك ما تركوكم فإن أول من يسلب من أمتي بنو قنطورا )
ولقد فصل في رسائل قديمة ألفت في نحو القرن الثالث والرابع وذكر فيها أن أمة يأجوج ومأجوج هم سكان تلك الجهة المتقدمة شمال الصين وحددت بلادهم بأنها نحو سبع وعشرين درجة من العرض الشمالي إلى نحو خمسين درجة منه وهذه البلاد الآن جزء من الصين وفيها بكين
وقد نقل الشيخ رسالة قيمة عن العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي يتحدث فيها عن يأجوج ومأجوج ويوضح أنهم قوم موجودون الآن بيننا وأنهم غير محجوبين عنا بسد أو خلافه أوجز لكم بعضا مما جاء فيها

لا شك أن يأجوج ومأجوج هم الأمم الذين كانوا وراء البحار .. وقد دل الكتاب والسنة على أنهم من أولاد آدم عليه السلام وأنهم ليسوا بعالم آخر كالجن ونحوهم من العوالم التي حجب الآدميون في الدنيا عن رؤيتهم لأن القوم الذين قابلوا ذا القرنين شكوا له أذيتهم وفسادهم فلو كانوا عالما آخر ممن حجبوا عن الأبصار لم يتمكنوا من أذية بني آدم لهذا الحد ولم يطلب هؤلاء القوم من ذي القرنين ما لا قوة له عليه ولم يمنعهم من الأذية سد ولا ردم ولا غيره بل هم آدميون مثلهم إلا أنهم لقوتهم وكثرتهم حصل منهم مع هؤلاء القوم ما حصل فقيض الله لهم هذا الملك الصالح فبنى بينهم هذا الردم الذي منعهم من الإمعان في الفساد
وقد أخبر الصادق المصدوق أنه ابتدأ فتح الردم في زمانه فقد قال صلى الله عليه وسلم ( ويل للعرب من شر قد اقترب .. فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد الإبهام والتي تليها )
ولا شك أن الفتح في الردم لا يزال مستمرا منذ ذلك الحين ولكن لم يحن إلى الآن وقت خروجهم وإلا فهم موجودون اليوم بيننا ولا يفصلهم عنا فاصل .. ويزيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخبر بما تحيله العقول خصوصا في الأمور المشاهدة فلو فرض على وجه المحال وجود أمة عظيمة جدا أكثر من المعروفين الآن على وجه الأرض من أمم الآدميين بأضعاف مضاعفة بل لا يبلغ الموجودون عشر معاشرهم وأنهم الآن على وجه الأرض ولم يطلع الناس عليهم مع أن الأرض التي يمكن الآدميون السكنى فيها قد اكتشفت شبرا وذراعا فلم يبق موضع من الأرض يعيش فيه حيوان إلا وصل إليه علم الآدميين خصوصا بعد ظهور الصنائع المقربة المسهلة للوصول والحصول على معلومات الدنيا حتى اكتشفت جميع قارات الأرض ولم يبق شيئ في الأرض لم يكتشف إلا جزء يسير في الشمال قد غمرته الثلوج ولا يمكن أن يعيش فيه حيوان من شدة برده ومثله في أقصى الجنوب .. فلو فرض أن الشارع أخبر بوجود أناس أدميين محسوسين أعظم بكثير من الموجودين وهم على وجه الأرض لكان هذا مما تحيله العقول وتنكره الحواس ...


والرسالة طويلة وقيمة .. ولكن العلماء في عصره ( عصر العلامة السعدي ) الذي عاش في أول القرن الثالث الهجري منعوا نشرها لأن الأفكار في العقود التي عاشها لا تحتمل الخروج برأي غريب أو جديد على ما تعارف عليه العلماء
ولكنه كسر ذلك الحجاب وجهر برأيه ولم يرق هذا الرأي الصريح لبعض العلماء فطلب إليه أن يكتم ذلك الرأي وألا يجهر به
والعلامة السعدي لم يغادر المملكة إلى العالم ولم يمر على الصين ولا جاراتها من الدول الشرقية ولكنه بدراسته لوضع العالم وإعمال فكره أدرك هذه الحقيقة التي جهر بها