د. عائق القرني
قام أبو معاذ السمرقندي خطيباً فقال : " تعبت من طول الطريق , حتى وصلت الخليج , فجمعت مالي ، وقوت عيالي , وبعت كل غالٍ ورخيص , وأقبلت إقبال الحريص , في همة الفأر وعزم النيص , حتى والله لقد بعت الفلة , وجمعت الغلة , ودفعت مالي كله , ووضعته في سوق الاسهم مصدر كل بلاء وهم وحزن وغم " ثم صاح باكياً وأنشد شاكياً :
نادى الهوامير على كل البشر *** فالكل فينا أيها الناس افتقر
بعت لأجل الاسهم العمارة *** وبيت أهلي وكذا السياره
وقد تدينت من البنوك *** مكتوبة في أوثق الصكوك
وقلت للزوجة والعيالي *** سوف أكون اليوم رأس مالي
وأسبق الوليد ثم الراجحي *** فقد دخلت سوق مالٍ رابحِ
وفجأة اشهر سهم أحمر *** مزمجر مخوف مدمرٌ
فذهب القنطار والقطمير *** فها أنا يا اخوتي فقير
أما سمعتم ما فعله الهوامير , حيث حولوا كل غني إلى فقير , وردوا المليونير إلى نافخ كير , وأدخلوا مصيبة الأسهم على كل كبير وصغير , والواجب أن يوقفوا للمحاسبة , ولا يضيع حق وراءه مطالبة , ويوضعوا تحت المراقبة , فقد أصيب الجميع بأعظم مصيبة , وحلت بهم أزمة رهيبة , وقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق , والدم المهراق ولا الخسارة في الأسواق, وكما يحرم قبل النفس المعصومة , فإنه يحرم سلب الأموال المعلومة .
وإنها من أعظم المصائب , وأكبر العجائب , شعب كامل يمسي غنياً ويصبح فقيراً , فعامة الناس دمر تدميراً , هموم وغموم , وسهوم وسموم ديون مرهقة , وقروض مطبقة , منهم من وقع في ورطة , ثم مات بالجلطة , ومنهم من أصبح راتبه مرهوناً , ثم صار مسجوناً , واحدهم باع سكن عياله , وبيت أطفاله , واقترض من إخوانه , وطلب الكفالة من جيرانه , وآخر باع البقر والأغنام , وبعدها بكى بكاء الايتام , وكان الخليجي قبل هذه النكبات , يعيش في أمنيات , فالكثير نظره في المؤشر ’ عسى أن يستمر الأخضر , ومنهم من ترك الدوام , وقال على الوظيفة السلام , والبعض من منى نفسه أمنية الصبي , بقصر في دبي ونادى : ياخيل الله اركبي , فلما وقعت الكارثة , مات بعد هذه الحادثة وسُئل شيخ عن مساهمة العجوز , فقال يجوز , فمن حقها أن تجمع الكنوز , فحولت كل عجوز بيتها إلى ورشة , وجمعت دراهمها في بقشة بعدما باعت الأثاث وطلقت بالثلاث لتعوداً إلى الصبا , ولو أبى من أبى , ولو أتى خاطب فمرحباً , فالمال يحول العجوز إلى صبية ’, وتصبح عبقرية بعدما كانت غبية :
تريد عجوز أن تعود فتية *** وقد يبس الجنبان واحدودب الظهرُ
تسير إلى العطار تبغي شبابها *** وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر ؟
وبعضهم له في الأسهم فتاوى مضللة , وأقوال مهلهلة , ولا يخافون يوم الزلزلة :
ويفتي جاهلا في كل فنً *** ولا يدري طحاها من دحاها
وغالب الشباب مع الطفرة , فتح الشفرة , وبسط السفرة , ووعد نفسه بالكنز والبنز والجنز , ثم عاد يرعى العنز , ويبيع البزّ , ولا يجد الرز .
ومنهم من أمسى في ثروة قارون , وأصبح وقد ركبته الديون , ثم أصيب بالقولون , ثم سكن الناس في عشاش , بلا غطاء ولا فراش , ونسوا البورصة والكاش .
قال الدكتور هنري ما جري : يحتاج الأمر إلى قرار جري , لأن كل هامور , اندفع كالمخمور , فاجتاحوا أموال الفقراء , ونبذوهم بالعراء .
وقالت الآنسة كراكاتا هكا هكا - خبيرة الإفلاس في سوق الأسهم , إن هذا من العجب , أن يتحول أهل الرتب إلى باعة حطب .
قال الشاعر خلف بن هذال أمام خادم الحرمين الشريفين :
ابتلشنا بالهوامير والسوق اندمر *** انهبونا واركبونا الذلول بلا اشداد
رموا اليابس بعد ما كلوا كل الخضر *** حاشوا الأموال بخياشهم حوش الجراد
إنخدع لأغبياء والضعوف من البشر *** ما درينا وش حصل بالصباح وبالهجاد
عن علوم الغيب ما عندنا علم وخبر *** لو علمنا ما نزلنا لخانات الآحاد
وعلى كل حال , فمن فاتته الكنوز والأموال , فعليه أن يقول : " سبحان الله والحمدلله ولا حول ولا قوة إلا بالله " فإنها ترضي ذا الجلال , وتشرح البال , وتصلح الحال , وتدفع بها الأهوال .
قال شاعر اليمن الكبير الزبيري :
خذوا كل دنياكموا واتركوا *** فؤادي حراً طليقاً غريبا
فإني أعطيتكم ثروة *** وإن خلتموني وحيداً سليبا
------------------
المصدر : صحيفة الشرق الأوسط - الخميس 4/2/1428هـ
المفضلات