هلا وغلا اخوي القناص

( 4 )




- سألته .. ومن أين تعلمت مثل هذا ياصالح ؟
- هذه لاتحتاج إلى تعلم .. مسألة الأخلاقيات مسألة لاينبغي الاستهانة بها ..
وبعد دقيقة من الصمت بيني وبينه عاد ممسكا بزمام الحديث وهو يقول :
أذكر قصة واقعية في مدينة ( ............. ) جنوب المملكة قصها علينا مدرس الحلقة يقول : إن أحد اللاأخلاقيين قام باستدراج شاب صغير من أحد المدارس حتى ركب معه .. ولكن هذا الخائن خرج به خارج العمران يريد أن يفعل به الفاحشة .. بمعنى أنه اختطفه .. وعندما طالبه الشاب الصغير بالوقوف رفض وهو يضحك .. ويقول : إنزل وأنا أمشي !! فما كان من الشاب الصغير إلا أن فتح الباب وقفز منه .. وأما المجرم فقد هرب مثل ثعلب سارق سمع طلق عيار ناري ..
قال مدرس الحلقة بأن من ساق له القصة - وهو أحد رجال الشرطة الواقفين على القضية - ذكر له بأن الشاب أصيب بجروح وكدمات لزم بعدها المستشفى ثم خرج بعد ذلك .. كما تمت معاقبة هذا المجرم بما يستحق ..
قد يكون تصرف هذا الشاب خارقا للعادة .. لكنها حادثة وقعت فعلا .. وكونه يفكر بحماية عرضه إلى هذا الحد يعتبر وعيا مبكرا يحتسب له ..
عندما كان صالح يروي القصة كنت محلقا بخيالي إلى ماوراء الأفق .. هناك .. هناك حيث كنت أرى سيارة ماكسيما سوداء تمشي في الصحراء بكل هدوء !! .. وصوت المغني يرتفع بلا مبالاة !! .. وفي جوفها ذئب هائج .. ونعجة طائشة في غمرة المغامرة!!
ألا سحقا لهذه المغامرات .. وقبحا لذلك الجهل الذي حملته بين جنبي حينها ..
قلت له : وهل أستطيع مقابلة مدرسك في الحلقة ؟
- نعم .. وتسجيلك معنا في حلق الجامع أفضل ..
تساءلت مع نفسي ..
هل أنا مناسب لأن أكون طالبا في حلقة تحفيظ قرآن ؟
والحق أنني فكرت في ذلك كثيرا ..
كلما طرحت الموضوع للنقاش بيني وبين نفسي هجم تاريخي السابق بكل جرأة وسحب الأوراق من بيننا ثم تأجل الإجتماع !!
إلى أن تقابلت - وبلا مقدمات- مع مدرس حلقة صالح في مغسلة الملابس .. سلم علي بكل حرارة .. وسألني عن أخبار الدراسة .. بدا لي عاقلا ومتزنا .. ولم يمنع ذلك من أن تشرق من بين تقاسيم وجهه ابتسامة جميلة ..
كدت أن أفضي له بالسر !!
فكرة جنونية أليس كذلك ؟
لا ..
ليست جنونية .. ولم أقم بها أيضا .. ولكن قدر الله كان يجري على نحو لم يدرك كنهه أي منا ..
وجدتها فرصة سانحة وسألته : هل يمكنني التسجيل في حلق جامع الحي ؟
- بالطبع .. وبكل سرور .. احضر مساء اليوم إن شئت لأحدثك بكل أنشطة الحلق ..
لم أنم ذلك الظهر .. عدت إلى المغسلة مرة أخرى وكويت غترتي وثوبا آخر نظيفا ..
وعصرا .. بادرت وصليت في الجامع ..
مكثت أسبوعا كاملا .. شاركت خلاله معهم في الرحلة الأسبوعية ..
لقد راق لي أسلوبهم كثيرا .. وأعجبتني الألفة الجميلة بينهم ..
فرحت أمي بخبر انضمامي لمدارس جامع الحي وبشرتْ أبي بذلك دون أن يكون له تفاعل يذكر .. ولكنني كنت أرمي إلى أمر بعيد ..
وحمود؟
رجاءا من الذي سأل هذا السؤال ؟
أنا لاأحب أن يذكرني به أحد الآن ..
نعم ..
هو لايزال يعاملني بالتهديد ولا زلت متضايقا منه ولكني على أقل الأحوال في طريق السعي إلى الخلاص منه إن شاء الله ..
قولوا إن شاء الله ..
في الأسبوع الثاني .. وفي نهاية الرحلة ..
انتحيت بأستاذ الحلقة جانبا وقلت له بأنني أحب أن أفاتحه بسر مهم ومشكلة كبيرة .. قال لي : هل هو سر بيني وبينك أم هناك من يعلم به ؟
سكت قليلا ثم قلت : المرشد الطلابي فقط ..
- حسنا .. يبدو أن الوقت الآن لايسمح لمطارحة المشكلة .. مارأيك لو جلسنا أنت وأنا والمرشد الطلابي في غرفته غدا ؟
- لايمنع .. لكني أتمنى أن لايحضر معنا أحد ..
- أكيد .. من سيحضر يعني ؟
- قصدي أن لا يدخل طالب أو معلم ولو لأخذ شيء من الغرفة أو لسؤال المرشد ..
- إن شاء الله .. سأكلم المرشد الطلابي بذلك ..
في الغد ..
وعندما انتهيت من سرد قصتي كاملة كان المدرس يعبث بعنفقته(الشعر الصغير أعلى اللحية ) بكل حماس .. قال لي : أولا /أنت لم تصنع ذلك بهوى منك أو رغبة ..وهذا يدل على خير فيك كثير .. المجرم حقيقة هو ذلك الشاب .. وأنت كل هذه المدة تجني ثمن تهاونك في مصاحبته لاأكثر ..
ثانيا / يجب أن نتذكر دائما أن المفاضلة بين البشر ليست بين مخطيء وغير مخطيء إنما هي بين مخطيء يتوب ومخطيء لايتوب .. والخيرية للأول بالطبع .. ويعني ذلك أن كل ابن آدم خطاء .. فحتى مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم لم يسلم من العثرات كما في قصة ماعز والغامدية ..
ثالثا / أهنئك على حسن تدبيرك ورباطة جأشك حيث لم تنحدر مع المجرم وإنما ظللت تدافع طغيانه بما يمليه عليك عقلك كل هذا الوقت .. ولو أنك بكرت للعلاج أكثر لكان الضرر أقل بالطبع ..
ثم سألني : ولكن ألا يعلم أبوك بما حصل ؟
- لا ..
- لم ؟
قلبت يدي الاثنتين وزممت شفتي لأبدأ بشرح وضع والدي .. ولكن المرشد تدخل وقال وهو يهز رأسه : أنا أحدثك عنه في وقت أطول إن شاء .. أنا أحدثك عنه ..
التفت إليه المدرس وقال : يعني لا يمكننا أبدا حل الموضوع عن طريق الأب ؟
حرك المرشد شدقه الأيمن وهز رأسه بالنفي ..
أطرق المدرس رأسه قليلا .. ثم رفعه وقال : أنا أرى أنه لابد من أن يخرج السر عنا نحن الثلاثة !
تحركتُ -لاشعوريا- على الكرسي .. ونظرت إليه باستغراب ..
وسأله المرشد : كيف ؟
- ..........................


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ